فى مساء يوم الأحد الثامن عشر (18) من رمضان (9) لعام 1433 ه، الموافق للسادس (6) من شهر أغسطس (8) لعام 2012 م، وقع حادث خطير على جنود حرس الحدود المصريين قتل فيه ستة عشر جنديًا (16) وهم يتناولون طعام الإفطار من صيام يوم من أيام رمضان، كان حادثًا غريبًا مفاجئًا فاجعًا لم يعرف فاعله أو الجهة التى تقف خلفه حتى اليوم 20 من ذى الحجة (20/12/ 1433ه)، الموافق (5/11/2012)، أى بعد مرور قرابة الثلاثة أشهر، ومع ذلك فقد بادرت الدولة ممثلة فى جيشها بشن معركة عسكرية بمختلف أنواع الأسلحة الثقيل منها والخفيف على فئات من شعب سيناء المصرى فقتل من قتل وأصيب من أصيب، وقد كنت متخوفًا من هذا المسلك وكتبت عنه أكثر من مرة، وكان من أكثر ما استفزنى وقتها تصريح الرئيس محمد مرسى حين قال: إن المشير طنطاوى- وزير الدفاع فى ذلك الوقت- أصدر تعليماته للقوات المسلحة بالأخذ بثأر زملائهم، وهو من أخطر كلام قيل فى ذلك الوقت عندما تتحدث الدولة عن الثأر ولا تتحدث عن العدل حتى مع الخصوم، وخاصة أنها لم تتمكن من تحديد مرتكب تلك الفعلة الشنعاء، والحديث عن الثأر كان من أكبر الأسباب فى الضحايا الكثيرة التى وقعت بعد ذلك فى صفوف المصريين فى سيناء، والتدمير الذى لحق بمنازلهم وممتلكاتهم، وقد كان الجيش أعلن أنه يستهدف من 400 إلى 600 مصرى بدون تحقيق ولا قرارات اتهام ولا شىء، وكان معنى هذا أن تعامل الدولة وقواتها الأمنية أو العسكرية مع الشعب لم يتغير بعد الثورة عما كان عليه قبل الثورة. كان على المسئولين أن ينتبهوا أن اختيار الحل العسكرى مع عمل لم يعرف على وجه الصواب منفذوه أو الداعون إليه بداية الخطأ الذى يجر وراءه أخطاء لا تدرك توابعها، فقد كان ينبغى أن يعلم الرئيس والحكومة والمستشارون أن أهل سيناء بدو لهم أعرافهم وتقاليدهم التى تحكم تصرفاتهم، وأن رفع العصا فى وجوههم لن يخيفهم ولن ينهى المسألة بل سيفاقمها، وأنا أعد أن المبادرة للحل العسكرى مع أهل سيناء قبل أن تتمكن الدولة من تحديد الفاعلين أو الجهة التى تقف خلفهم هو فخ قد نصب بإحكام للرئيس مرسى حتى تبدأ رئاسته وهناك جرح نافذ يجعله دائمًا فى حاجة إلى العسكر، ومع كل أسف فقد ذهب الرئيس بكامل حريته واختياره للفخ المنصوب، ولم يدرك أن مجموعة زخات من الأسلحة الثقيلة لا يمكن أن تقضى على إرادة شعب مثل شعب سيناء البدوى الأبى الذى يأبى الخنوع والمذلة. كان على الرئيس مرسى ومعاونيه ومستشاريه أن يدركوا أنهم يعملون فى ظل أوضاع ملغمة، فرغم زوال النظام البائد ظاهريًا فما زال هناك ممثلون له فى مواقع هامة فى الدولة سواء فى الإعلام أو القضاء أو الجيش أو الشرطة، وأنهم لن يكونوا معه فيما يتخذ من خطوات بل سيمثلون من يطلق عليه تعبير الشريك المخالف، وهم يمثلون الظهر له فتأتيه الطعنة من قبلهم ولا يمكن لإنسان حكيم أن يقدم على مواجهة حامية وظهره عارٍ أو مكشوف. إنه لمن الأمر المحزن الصعب على نفوس المسلمين أن تتلوث أيدى النظام المحسوب على الإسلام بدماء المصريين بغير حجة ظاهرة ولا تحقيق ولا اتهام، فلا نريد تحميل الإسلام مثل هذا التصرف. إن الإقدام على مقاتلة رجال أشداء ذوى بأس لن ينتهى بسهولة بل تكون له ذيول وتوابع، والجولة مرشحة أن تكون ذات دورات تشغل النظام عن خطته الأساسية فى التنمية والبناء، ويتحول جهده من جهد لبناء نهضة البلد إلى جهد للمحافظة على النظام الذى ستسدد له الطعنات ممن يحاربهم بغير حجة ولا برهان، ومن بقايا نظام المخلوع القابعين فى أماكن هامة وممن يمكن أن يؤلبهم الفلول فلا نستبعد أن يتم فتح جبهة ثانية فى طرف بعيد من الدولة كمطروح، وجبهة ثالثة فى طرف آخر بعيد عن العاصمة كقنا أو أسوان حتى يتشتت الجهد، ولا تقدر القوات سواء الجيش أو الشرطة على العمل فى جبهات ثلاثة بعيدة عن القلب، وفى تماس مع دول أخرى تتمكن من خلالها من الحصول على السلاح والإمداد والتموين فتنهار الدولة ويسقط النظام، وربما تقسم الدولة وتتحقق نظرية الفوضى الخلاقة التى تخلق أوضاعًا فى صالح العدو وليس فى صالح أهل البلد. وما تلا حادث رفح من تداعيات وعمليات قتل متبادل بين الطرفين يدل على خطأ المسارعة لشن حرب على أهل سيناء واللجوء إلى الحلول الأمنية الظالمة التى لم تنجح يومًا فى حل حقيقى لمشكلة. والمطلوب الآن وبسرعة دون إبطاء إيجاد حل عادل لمشكلة أهل سيناء قبل أن يتفاقم الأمر ويتسع الخرق على الراتق، ولا يجوز أن يكون هناك إنصات للأصوات الداعية للتصعيد، فالتصعيد ثمنه مكلف جدًا جدًا سواء للدولة أو للمدنيين، ولن تجنى منه الدولة على الأمد البعيد إلا تجذر الكراهية والبغضاء بين الدولة وأفراد الشعب والرغبة فى الانتقام. إن الأصوات التى ترتفع من داخل النظام محرضة على التصدى بيد من حديد لشعب سيناء تحت وهم الحفاظ على هيبة الدولة، ينبغى أن تنظر أولاً للمصلحة العامة وحقوق الناس، وأن تعلم أن الظلم هو أسرع معول من معاول هدم بناء الدولة. والبلد بها شخصيات وكفاءات قادرة بإذن الله تعالى على إنهاء هذه المشكلة بالعدل الذى يرضى من ينشد الحق، فهل نجد القيادة الشجاعة التى تتخذ القرار الشجاع وتبادر وتسارع إلى الحل العادل ونزع فتيل الانفجار. بادر يا د. مرسى فى الحل أسرع من مبادرتك فى شن الحرب على أهل سيناء، واحقن دماء المصريين سواء من الجيش والشرطة أو من الشعب فكلهم مصريون، ولا تكن أنت من تتفتت الدولة فى زمنه أو يتحقق فيه أحلام أعدائنا فى تقسيم مصر، اللهم احفظ مصر وسائر بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجمع أهلها الراعى والرعية على طاعتك والانقياد لشرعك.