شكرا لممدوح إسماعيل الذي بفضله تم نزع ورقة التوت من عورة النظام السياسي المصري ..ومبروك له الجنسية البريطانية التي أرجو أن يهنأ بها ولا تعكر صفو نوم سيادته كوابيس ملونه باللون الأحمر ..لون دماء "عوضين ومحمدين" وسمك القرش الجارح يقضم الساق والأعناق لتتلون مياه البحر الأحمر بالدماء الزكية قبل أن تهبط الجثث للقاع ويبتلع الموج المشهد المخيف ويتظاهر البحر بالبراءة ..بالضبط مثلما نفعل كلنا . .................. الآن أقولها بصراحة ..حياة لعينة تلك التي جعلتني شاهدا على ما حدث لهؤلاء البسطاء الذين ما ذاقوا يوما حلاوة الحياة في صعيدهم القفر ..بيوتهم تفوح برائحة العوز والفقر ..وزحام على أسرة النوم ..وتكدس مفعم بالعنف حول سيارات المقاولين للعمل باليومية ..الرزق شحيح والقلوب مغلقة والوطن موصد ..يعبرون البحر للجانب الآخر إلى ظلم الكفيل وتعاليه ..وحينما يمنون النفس بأجازة قصيرة مع الأهل والأحباب تتآمر عليهم كل قوى الشر والفساد لتحترق السفينة في عرض البحر دون وجود قوارب إنقاذ..وحتى سترة النجاة التي وزعت عليهم في بادئ الأمر استخسروها فيهم ونزعوها منهم بخديعة آن الخطر انتهى ليتبين لهم أن الأنذال يريدونها لأنفسهم .ثم يشاهدون أعجوبة القرن الحادي والعشرين..ذلك الابتكار المصري الخالص ..أعني فرار القبطان وطاقم السفينة مهرولين من السفينة الغارقة بقوارب الإنقاذ أمام أعينهم غير المصدقة ضاربين بالجزمة التي المقولة التي سمعناها منذ نعومة أظفارنا أن القبطان هو آخر من يغادر السفينة الغارقة ..ثم شاهدوا مشهدا آخر لا يمكن أن ينتمي لعالم الحقيقة وإنما لأفلام إسماعيل يس الفكاهية ..البحارة يقذفون بالقبطان في البحر لسبب لن نعرفه أبدا ..هكذا حكي الناجون من الغرق .. وعلى مقربة منهم سفينة مصرية يرفض قبطانها المصري انتشالهم من البحر ويبتعد في هدوء أعصاب نحسده عليه ، وعلى مدى عشرين ساعة يغرق من غرق ويصارع الموج من يصارع وسط أهوال الطبيعة والبحر الهادر وأمواج كالجبال دون أن يكلف صاحب السفينة نفسه بإبلاغ السلطات المختصة لغرض في نفسه ..والغرض مرض كما يقولون في الأمثال . مات عوضين ومحمدين وكل من على شاكلتهم فمرحبا بالخلاص من حياة بنت كلب ، وهنيئا لهم مغفرة من الله تعالى – إن شاء الله – بالهول الذي عايشوه ، ودار خير من دارنا الظالمة ، وأهل هم – على وجه اليقين - خير منا . ...................... حينما حدثت الجريمة البشعة النكراء خرج رئيس الجمهورية بنفسه قائلا أنه لا أحد فوق المسائلة ، وبصراحة صدقته ..حجم الجريمة كان أكبر من إخفائها ..نفس التصريحات خرجت من رئيس الوزراء ..وكانت هناك إشاعات عن أسماء مسئولين كبار يساندونه لكن الكارثة كانت أكبر من أي محاولة للطمس..لكن التحقيق بدا متراخيا ..شيء ما يختلف بالتأكيد عن تلك الهمة التي تعاملوا بها مع أيمن نور الذي تم القبض عليه فور خروجه من مجلس الشعب ( بصرف النظر عن كونه مذنبا أم لا ) ..وفجأة وجدنا ممدوح إسماعيل يغادر البلاد من قاعة كبار الزوار ..مجلس الشورى الذي ينتمي له قال أنه لا علاقة له بالموضوع فلم يصدر قرار بمنعه من السفر ..وسلطات التحقيق قالت أن التحقيق جاري ولا داعي لاستباق الأحداث. سبحان الله ..مقتل أكثر من ألف شخص ليس مبررا لمنعه من السفر حتى اكتمال التحقيق..قالوا أنهم سيحضرونه بالأنتربول وبدا لي الكلام متناقضا ..لماذا أتركه يذهب إذا كنت أنوي إحضاره ؟ ..فلوسي في جيبي فكيف ارميها في الطريق ثم أعود للبحث عنها ؟؟من منا يفعل هذا بذمتكم ؟ وخرج علينا تقرير المدعي العام الاشتراكي كاشفا عن الفساد والتربح على حساب البشر ..قالوا أن السفينة معطوبة والمجاري مسدودة ووسائل النجاة مفقودة والموجود منها غير صالح ..ناهيك أنهم اشتروا الوقود من ميناء ظباء بكميات كبيرة لأنه أرخص من مصر لاستخدامه في سفن أخرى ..باختصار لم يكن هناك شيء واحد غير فاسد ..السفينة لم تكن أكثر من تابوت ضخم عائم ينتظر أول فرصة للغرق.. واستبشرنا خيرا بالتقرير وبصدور الأمر بتعقب الرجل والقبض عليه ..وفجأة وجدنا قرار النائب العام يعفيه من المسئولية الجنائية ويقرر أن السفينة كانت صالحة للإبحار (!!!) والعيب في القبطان الذي رغب – لسبب ما - في الموت ويبدو أنه لم يحب أن يذهب للآخرة وحيدا فقرر اصطحاب أكثر من ألف مصري معه ليأنسوا وحشته. باختصار الحي أبقى من الميت . بصراحة أنا لا ألوم القبطان ذرة على محاولته الفرار بحياته ..الكل يفعل هذا في هذا الوطن العجيب ف(أشمعنى هو ) ؟ وهل هو البطل الوحيد ؟..لا بد أن أفكارا كتلك دارت في رأسه وهو يقفز لقارب الإنقاذ تاركا السفينة تغرق بمن فيها . باختصار تم إحالة السيد ممدوح إسماعيل إلى محكمة الجنح في الوقت الذي تم أحاله الصحفيين الذين نشروا أسماء القضاة المشرفين على دوائر انتخابية مثيرة للجدل إلى محكمة الجنايات !!!!!!!!!. وتذكرت قرارا عجيبا مماثلا أصدره النائب العام الأسبق بالسماح بسفر علية العيوطي للعلاج في اليوم الأخير لولايته كنائب عام (كان يوم جمعة أيضا ) ..طبعا ذهبت ولم تعد بالمليارات التي نهبتها من البنوك وكأنها لا تستطيع أن تستقدم كل أطباء العالم وليس أطباء أوربا فقط !!!!!..وقتها تساءل الناس عن سر العجلة في القرار ولماذا لم يتركه للنائب العام القادم فخرج علينا بوجهه الآخر المخيف مهددا بتعقب من يتهمه لأن قراره سليم من الناحية القانونية ..!!!!!!!!!!!!!! .......................... أنا لا أفقه في القانون حرفا ..ولا أفهم تلك الرطانة التي يجيدها أساطينها .وأعرف أن هذا القرار – وأمثاله - سليم من ناحية الصياغة لكني واثق - بالفطرة وحدها - انه لا يمكن أن يكون عادلا ..بالضبط مثل ذلك الفلاح العادي الذي قال عنه توفيق الحكيم في كتابه البديع ( يوميات نائب في الأرياف ) أنه يتقبل - بالفطرة – الحبس في جرائم كالسرقة والقتل والاعتداء ولكنه لا يفهم لماذا يحبسونه بتهمة تبديد القمح الذي زرعه هو نفسه حينما أكله هو وعياله؟.. ورضينا بالهم والهم لم يرض بنا .. حتى المثول أمام محكمة الجنح لم يعد ممكنا بعد أن تبين أنه يحمل الجنسية البريطانية (!!!) ولذلك ذهب للندن محتميا بالجنسية التي تعفيه من المثول أمام محاكم أخرى ..تذكرت وقتها المتهم القطري الذي أزهق نفوسا بريئة بسيارته في سباق مجنون في عرض الطريق العام ، وذهبت لجنة قضائية من عندنا لمتابعة التحقيق وكان كل ما قالوه لنا أن المسئولين القطريين كانوا يودون من أعماق قلوبهم تسليمه لنا لمحاكمته ، ولكن – يا ولداه – الدستور القطري يمنع ذلك. هذه المرة كل ما استطاعوا قوله هو أنه من مصلحة ممدوح إسماعيل أن يأتي طواعية ليحاكم أمام المحاكم المصرية لأنهم سيحيلون القضية للمحاكم البريطانية القاسية جدا في هذا النوع من القضايا !!!!!!!!. يا قلبك الحنين الذي يشبه قلب الأم يا حكومة !!! .. ...................... لا أعرف من منكم قرأ تحفة بريخت " البنسات الثلاثة " ولكني أنصح الكل بالبحث عنها وقراءتها فالأدباء العظام – وهذا هو سر عظمتهم - يسبقون الواقع دائما بشفافيتهم المرهفة ( مثلما تنبأ ويلز و فيرن بالصعود للقمر قبل حدوث هذا بعشرات السنين ) ..الرواية تحكي – ويا للعجب – عن شركة ملاحة بحرية (أيضا ) يقيمها السمسار النصاب "كوكس " الذي يتم قتله في نهاية الرواية على يد شريكه "مستر بيتشام " صاحب أكبر مؤسسة للشحاذة وصناعة العاهات ..الشركة البحرية ابتاعت سفنا خردة ببخس الأثمان وقامت بإعادة طلائها فقط حيث كان إصلاحها مستحيلا.. وبكثير من الرشاوى وبعون مسئول كبير فاسد قامت البحرية البريطانية بشراء تلك السفن بأثمان باهظة لنقل الجنود إلى جنوب أفريقيا في الحرب الدائرة هناك ..ولم تمض ساعات قليلة على أبحارها إلا وقد غرقت السفينة المتهاوية كبطة عرجاء بمن فيها من آلاف الجنود في بحر المانش الملبد بالضباب ..فما كان من مستر بيتشام إلا وأن توجه للمسئولين بوجه كالح قائلا أن هناك اختيارين لا ثالث لهما أمام مجرى التحقيق ..الاختيار الأول ( والذي يؤيده بقوة ) أن هناك جريمة ..نعم هناك جريمة شنعاء حدثت في حق الوطن ( هكذا صاح مستر بيتشام ) ..وهو مستعد تماما للاعتراف بدوره في تلك الجريمة لكنه لن يكون وحده أبدا ..سيفضح كل من تواطأ معه وقبل بالرشاوى لإخراج التصريح المزيف ..أما الاحتمال الثاني فهو اعتبار الأمر قضاء وقدرا نتيجة لاصطدام السفن في ضباب المانش وهؤلاء الغرقى هم شهداء الوطن الذي يجب الاحتفال بهم وتكريمهم. وبالطبع كان الاختيار محسوما بالنسبة للمسئولين الكبار.. ............................... والآن عزيزي القارئ وبصرف النظر عن خلفيتك الدينية فهناك - ولا شك- يوم قادم للحساب ..يستحيل أن يفلت مستر بيتشام المصري - وكل من على شاكلته – من العقاب وتكون تلك خاتمة المطاف ..يمتنع هذا عقلا ومنطقا فكل شيء في هذا الكون يشير إلى قوة خالقة مهيمنة ..هذا التوازن في عالم الأحياء والجماد ..ذلك الإتقان في الصنعة ..كل هذه الالكترونات التي تدور حول نواتها في دأب ونظام وهذه الكواكب التي تسبح حول شموسها منذ بدء الخليقة . نعم ..هذا الكون العظيم خلقه إله عظيم ..عادل بلا شك ويستحيل أن يرضيه كل هذا الفجور... " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" صدق الله العظيم. [email protected]