لا أظن أن مصطفى علوي سيكون أسوأ من فاروق حسني في وزارة الثقافة إذا تولاها خلفا له ، فعصر فاروق حسني هو بامتياز عصر انحطاط الثقافة المصرية ، وإدخال المثقفين في " الزرائب " حسب تعبير الوزير المحترم ، للأمانة التعبير الحرفي الذي نطقه " الحظائر " ، والمسؤولية عن هذا الانحطاط لا تتوقف عند الوزير وحده ، وإنما عند شرذمة من المثقفين الذين قبلوا أن يدخلوا " الزرائب " الحكومية مقابل أن ينالوا جزءا من كعكة الفساد ، ليست هذه هي القضية التي أتكلم عنها هنا بطبيعة الحال ، ولكن القضية هي أن حالة مصطفى علوي ورئيسه فاروق حسني تكشف لنا عن طبيعة الحكم في مصر ، وأن الحكومة الحقيقية للبلد ليست هي الوزراء الذين أدوا اليمين الدستورية أمام الرئيس ، وإنما هم الذين أدوا يمين الإخلاص أمام نجله ، مصطفى علوي في الترتيب الإداري مرؤوس من فاورق حسني ، فهو مجرد رئيس إحدى القطاعات التابعة لوزارة الثقافة ، وهي هيئة قصور الثقافة ، وعندما وقعت كارثة مسرح قصر ثقافة بني سويف ، لم يكن الأمر في حاجة إلى معادلات رياضية لكي يفهم الأمي الساذج من هو المسؤول الأول عن مسرح قصر ثقافة بني سويف ، وكان المنطق أن يصدر وزير الثقافة قرارا فوريا بعزل المسؤول عن قصور الثقافة وإعفائه من منصبه ، ولكن الذي حدث أن " قيادات غامضة " في البلد طلبت من الوزير نفسه أن يستقيل ، بينما المسؤول الذي يرأسه الوزير لم تطرف له عين ، ولم يمسسه أحد في الدولة بسوء ، لماذا ؟ لأنه أحد قادة لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك وهي الحاكم الفعلي لمصر ، الأخطر من ذلك أن وزير الثقافة عندما سئل : لماذا لم تصدر قرارا بعزل المسؤول الأول عن قصور الثقافة مصطفى علوي ، أجاب بأن إقالة رئيس هيئة قصور الثقافة هي مسؤولية الوزير الجديد ، بطبيعة الحال لا يوجد وزير جديد ، وإنما العفريت " الغلبان " فاروق حسني أراد أن يقول أنه ليس من صلاحياتي " العملية " عزل مصطفى علوي ، المصيبة أن المواطنين والمؤسسات الآن لا تعرف بالضبط من الذي يحكم البلد ، ولا من هو صاحب القرار فيها ، وإذا كانت دول العالم تعرف الحكومة الفعلية والدستورية والمسؤولة أمام البرلمان وحكومة الظل ، كتعبير عن الحكومة المحتملة من كبرى فصائل المعارضة ، فإن الوضع في مصر مختلف جذريا ، لأن الحكومة الفعلية المسؤولة أمام البرلمان ليست هي صاحبة القرار في الدولة ، وإنما هناك حكومة ظل غير مسؤولة أمام أحد ، ولا حتى البرلمان المزور ، وهي صاحبة الأمر والنهي في البلد ، وهي صاحبة القرار ، ولا يجرؤ وزير في الحكومة على اتخاذ قرار ذي بال ، إلا بالرجوع إلى " حكومة الظل " وقياداتها ، هذه المواقف تعددت في أكثر من قرار مثل تعيينات قيادات البنوك وبعض القرارات الاقتصادية الخطيرة ، ولكن واقعة فاروق حسني ، على صغرها ، تكشف الصورة بوضوح شديد ، وببجاحة متناهية ، فليس فاروق حسني الوزير الدستوري هو الذي يقيل مصطفى علوي ، بل مصطفى علوي هو الذي يقيل فاروق حسني ، ولا يجد حسني من سبيل سوى اللجوء إلى مسرحية " التنحي " الشهيرة ، وتحريك بعض صحفيي ومثقفي " الزرائب " من أجل خوض الحرب " الخفية " ضد أسياده ، واستنطاق بعض " الزرائبيين " بالهتاف الخالد ( .... لا تتنحى !! ) ، وما زالت الأيام المقبلة في مصر حبلى بالكثير من مفاجآت الزمن الأخير . [email protected]