فى فجْر يوم 12 أكتوبر عام 1492م، وَصَل إلى شواطئ جُزر البَهَاما "كريسْتوفُر كُولومُبس" وأعوانه، وقاموا بزرع شجرة على شاطئ الجزيرة مُعلنين ملكيتهم لهذه الأرض التى بلا صاحب!! باسم ملك وملكة إسبانيا. وأمام حقيقة أخرى تؤكد أن المسلمين كانوا قد عرفوا أمريكا قبل أن يكتشفها كولومبس بحوالى مائة وثمانين سنة، لا قيمة للتفاخر أمَام نزاع "من عَرَف أمريكا قبل الآخر"، إنما الفخر فى مَيْدان دمْج أمريكا فى النسيج البشرى وكف أذاها عن العالم وعن الإنسان وإفاقتها من غيبوبة جنونية اقترفت خلالها أفدح الجرائم والآثام البشرية.. عملية الإبادة الجماعية للهنود الحُمْر استمرت على مدى قرن كامل، وتلك كانت البداية الدموية البشعة التى لم تتوقف إلى اليوم فى حق البشر. هذه الرسالة القديمة لحَكيم الهندى الأحْمر من قبيلة المَايا، يصف فيها مأساة قومه، ورسالة أخرى للأسير المناضل الكبير عمر عبد الرحمن، الذى أكد أن أشد أيام سجنه بمصر أهْون من يوم واحد من أيام سجنه بأمريكا! الرسالة نقرأها أيضًا على ضوْء مقارنة بين حال أفغانستان قبل الغزو الأمريكى وبعده، وحال العراق قبل الغزو الأمريكى وبعده، وحال السودان قبل التدخل الأمريكى وبعده، وحال الصومال قبل التدخل الأمريكى وبعده. يقول الحكيم الهندى الأحمر: "كان الخير عَميمًَا، بلا أمراض ولا خطايا ولا آثام، كنا جميعًا نسير مُنتصبى القامة، ثم جاء الأسياد البيض إلى بلادنا، فعلمونا الخوف وعودونا على الذل والنهب، ملوكهم مزيفون، طغاة على عروشهم، نهابون فى النهار، منتهكون فى الليل، إنهم قتلة العالم وهم بداية فقرنا، بداية الإتاوة والسَلب والاستجداء.. والحرب لم تنته والعذاب السَرْمَدى". أمريكا لم تتغير طوال هذه القرون أيها الحكيم الهندى، فقد كان الخير عَميمًا فى بلادنا الإسلامية، وكنا نحنُ أيضًا أعزة فى أوطاننا العربية، نمشى مُنتصبى القامة مرفوعى الهامة، إلى أن دخل "الأسياد" البلاد! لم يتغير شىء على الإطلاق، فقد أفقروا الهنود الحمر وأفقرونا، ولا تزال عُروض نهب الثروات وفرْض الإتاوات والسلب والاستجداء مستمرة. "والحرب لم تنتهِ والعذاب السَرْمَدى".. هذه الجملة تلخص تاريخ أمريكا منذ اكتشافها إلى اليوم مع البشرية. لم تنتهِِ معاناة إفريقيا التى عاش سكانها أقسى المحن الإنسانية بعد اكتشاف أمريكا، وامتد إذلال الأفارقة واستعبادهم وإهانة كرامتهم الإنسانية وقتلهم بدم بارد لقرون طويلة، بعد أن تعاونت أمريكا مع أوروبا من خلال مافيات الرقيق التى ترعاها الدول بفتاوى يهودية، لاسترقاق الأفارقة واختطافهم من بلدانهم واجتلابهم لتكليفهم بأشق الأعمال. فماذا عن اليوم؟ وهل تغيرتْ أمريكا فى عصر التحضر والرقى وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة والحريات؟ لم يتغير شىء، وفى طريقة "اصطياد" المناضل الأسير عمر عبد الرحمن نشم نَفَسَ الروحِ العنصرية البغيضة، بل تشابهت طريقة قنصه واصطياده مع طريقة اصطياد الأفارقة قديمًا وإيقاعهم فى شَرَك الذل والعُبودية! احْترق الشيخ النبيل بنيران الطاغية مبارك صنيعة الأمريكان، بعد أن وقف فى وجه فساده وطلب من العالم محاكمته لنهبه أموال الشعب، فهربَ من اضطهاد مبارك إلى "الحرية والمساواة والديمقراطية والعدالة الأمريكية" المَزعُومة.. فإذا به هناك يقع فى فخ العنصرية الأمريكية، وهذا نموذج يختصر مئات الآلاف من النماذج، التى اصطادتها أمريكا بنفس الطُعم المزعوم المغشوش الذى لا وجود له على أرض الواقع، فليس ثمة مساواة، وليس هناك عدل ولا احترام لكرامة الإنسان. كانت تلك هى نفس طريقة اصطياد أمريكا للأفارقة قبل مئات السنين، كما ورد بدائرة المعارف البريطانية: "إن اصطياد الرقيق من قراهم المُحاطة بالأدغال، كان يتم بإيقاد النار فى الهشيم الذى صنعت منه الحظائر المحيطة بالقرى حتى إذا نفر أهالى القرية إلى الخلاء تصيدوهم بما أعدوا لهم من وسائل وشراك". ومُرورًا بالحرب العالمية الأولى والثانية التى قتل فيهما مائة مليون من البشر، وحرب فيتنام وما ارتكبته أمريكا بالعراق وأفغانستان.. إلى اليوم الذى نتذكر فيه مُرور 520 عامًا على اكتشاف أمريكا.. نُسائلها: متى تثوبى لرُشدك وتنحازى لموكب التحضر وتمدى يَدَكِ بالصُلح للإنسان؟ ومتى تعتذرى للبشرية عما اقترفته يداكِ من جَرائم وآثام؟.