أحد أصدقائى له قريبٌ تمَّ قبول ابنه هذا العام فى كلية الشرطة، سألتُه عن طريقة القبول، وهل هى بالواسطة بعد دفع مبلغٍ من المال لا يقل عن حوالى خمسة وسبعين ألف جنيه كما كان يحدث فى العهد البائد؟، قال: نعم؛ ما زال كلُّ شىءٍ على حاله، وما من شىء تغيَّر، رغم عشرات التصريحات والمؤتمرات الصحفية التى صدَّعونا بها عن تغيير طريقة القبول وعن تطوير المناهج الشرطية وطرق التدريس. قلتُ له: ولن يتغير شىءٌ ما دام الإعلام مشغولاً بقضاياه التافهة من عيِّنة البنت مقصوصة الشعر، والشيخ والفنانة والصور الفاضحة، وتصريحات الجنرال الهارب، والخلاف حول إعادة الانتخابات بعد الدستور، والتغريدات التويتية لفلان وعلان.. كان الواجب على الإعلام الجادّ أن يصوِّب النظر إلى الداخلية وتحديدًا إلى مصنع رجالها، ألا وهو كلية الشرطة، وكم تمنيتُ أن أرى تحقيقًا جادًّا ونقاشات (توك شووية) تثير هذه القضايا: (1) كيف يتم قبول طلبة كلية الشرطة؟، وهل حقًّا تكررت مهزلة الواسطة والتسعيرة، رغم أننا فى سنة أولى ديمقراطية، ورغم تأكيدات المسئولين أنَّ هذا العام سيكون بداية (التوبة)؟. (2) حين تتصفح موقع كلية الشرطة على الشبكة؛ يُطالعك أول ما يطالعك هذه الفقرة: «إنَّ كلية الشرطة لا تقدم نوعًا من أنواع التعليم العام، وإنما فرع من فروع التعليم التخصصى الذى يعد الفرد لخدمة المجتمع».. ومن وجهة نظرى؛ فإن كلَّ كلية ينطبق عليها هذا الوصف بأنها فرع من فروع التعليم التخصصى الذى يعد الفرد لخدمة المجتمع فالكليات الطبية والهندسية والتربية والزراعة وحتى كليات الشريعة.. إلخ؛ كل منها تختص بفرع من فروع التعليم الذى يعد الفرد لخدمة المجتمع بصورة أو بأخرى، فلماذا يجعلون لكلية الشرطة والكليات العسكرية قواعد قبول خاصة بها؟، إن كان هذا متعلِّقًا بالتكوين البدنى واللياقة الصحية فيمكننا ربطها بمكتب التنسيق العادى مثل أى كلية أخرى مع الأخذ فى الاعتبار درجات الحافز الرياضى– الذى يجب أن يتغيَّر نطاقه ومفهومه - وليس فقط المجموع الكلى، ثم يُوقَّع الكشف الطبِّى الدقيق على المقبولين، وتكون تلك الإجراءات مُراقبة من جهة مستقلة تابعة للتعليم العالى.. على أن تُلغى الاستبعادات الأمنية التى كانت عنوان العهد البائد، والتى تسببت فى إهدار ملايين الكفاءات تحت مُسمَّى (مُستبعد أمنيًّا).. هذا الإجراء كفيل بالقضاء على ظاهرتى الواسطة والتسعيرة. (3) من خلال اطلاعى على لائحة المواد التى تُدرَّس خلال السنوات الأربع، فإننى لاحظتُ أنَّ الدراسة فى الكلية عبارة عن شعبة واحدة لجميع الطلاب يدرسون فيها القانون المدنى والقانون العام والقانون الجنائى والقانون التجارى والقانون الدولى وقانون المرافعات والاقتصاد والشريعة الإسلامية وفلسفة القانون وتاريخه، فضلا عن المقررات التدريبية العملية.. فإن كان هذا هو الواقع فإنه يتنافى مع أبسط قواعد التخصص المطبقة فى النظم التعليمية الحديثة، ويتنافى مع طبيعة المهامِّ المنوطة بالشرطة، لأنها مهامُّ متشعبة، والاختلاف بينها أكثر من الائتلاف، فشتَّان بين شرطة المرور – مثلاً – وبين شرطة المخدرات.. فالأفضل أن يدرس طالب الشرطة لمدة سنتين مثلاً دراسةً عامة يتعرف خلالها على القدر المشترك الذى يجب أن يُلمَّ به كل ضابط شرطة من العلوم المذكورة مهما كان تخصصه، ثم بعد ذلك تكون هناك تخصصات تتيح للطالب التعمُّق فى مجال معيِّن من العمل الشرطىّ، ويكون الاختيار بينها بمعيار الرغبة والموهبة والكفاءة.. كذلك؛ يجب العمل على التطوير المستمر لهذه المناهج لأن العبرة بتطوير المحتوى وليس بتغيير الاسم والرقم الكودى للمقرر، كما يجب التفكير فى كيفية الرقابة على تدريس المناهج بحيث لا يُسمح للقائم بالتدريس بتجاوز المناهج التى ارتضاها المتخصصون والحقوقيون، والتى تتماشى مع متطلبات الشرطة العصرية، على أن تُتاح لمنظمات المجتمع المدنى إمكانية المشاركة فى كلّ ما سبق.. وبهذا يتخرَّج الضابط الذى يفهم تمام الفهم شعار: (الشرطة فى خدمة الشعب)، لا الطالب الذى يفكِّر بعقلية: (إحنا أسيادهم ولازم يتضربوا بالجزمة)، أو بعقلية: (الثورة لم تقم إلا فى التليفزيون، وبس)!!. (4) النظر فى قواعد توزيع المتخرجين من الضباط على القطاعات وفى قواعد الترقيات، ونحو ذلك من الأمور التى ما زالت تدار بقواعد غامضة غير ممنهجة لا تخضع غالبًا للكفاءة والرغبة والموهبة.. وكما أخبرنى أحد الضُّباط؛ فالواسطة (والكوسة) تتحكم فى هذه الأمور.. قلت: سبحان الله! (كوسة) داخل (كوسة)؟!!، هذا هو أغرب (محشى) يمكن أن تأكله! هذه القضايا وغيرها من حقنا كمواطنين ألا نكون بمنأى عنها، وأن نشارك فى رسمها وتقييمها وتقويمها، فإن كلية الشرطة ملك للشعب وليست ملكًا لطبقة أصحاب المال والجاه. ولعل جريدة (المصريون) تأخذ زمام المبادرة الجريئة– كما عودتنا - وتفتح تحقيقًا موسَّعًا حول هذا الموضوع.