قضية فى غاية الأهمية يتم نظرها الآن أمام المحاكم لم تنل حظها الكافى من الاهتمام الإعلامي، بالرغم من أنها تتيح الفرصة لفتح أحد الملفات المهملة فى بلادنا، والتى أصبحت من الأمور المسكوت عنها، حتى كادت تسقط بالتقادم. القضية تم نظرها منذ أيام وتطالب بإصدار حكم قضائى بإلزام كل من رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بتقديم مشكلة الألغام الموجودة فى الساحل الشمالى والصحراء الغربية إلى المحافل الدولية والأممالمتحدة، وقد تزامنت هذه القضية مع استمرار الضغوط التى تمارسها العديد من الجهات الدولية، وتهدف إلى إرغام الحكومة المصرية للتوقيع على اتفاقية "أوتاوا" لحظر استخدام الألغام، فمصر أصبحت واحدة من 18 دولة فى العالم فقط لم توقع على الاتفاقية.. ولكن دعونا نعود إلى أصل الحكاية. ترجع البداية إلى فترة الحرب العالمية الثانية، وهى حرب لم تكن مصر طرفًا فيها، ولكنها اكتوت بنارها عندما قامت قوات التحالف بزراعة منطقة الساحل الشمالى بأكبر كمية من الألغام فى التاريخ، مما جعل مصر تحتل المركز الأول عالميًا وبدون منافس فى عدد الألغام الموجودة فى أراضيها، والتى تتجاوز 23 مليون لغم، تمثل قرابة ربع ألغام الكرة الأرضية، وتمتد على مساحة تزيد على ربع مليون فدان صالحة للزراعة. تكمن الخطورة فى خطط التنمية المخطط لها منطقة الساحل الشمالى والغربي، أن الألغام التى تم الاصطلاح على تسميتها ب"حدائق الشيطان" تحركت بفعل السيول والكثبان الرملية، ووصل بعضها بالفعل لمنطقة برج العرب الآهلة بالسكان، فضلاً عن ذلك فإن هذه الألغام جعلت من المستحيل التنقيب عن النفط والغاز فى المناطق الموبوءة بها، والتى قدرها الخبراء بنحو 5 مليارات برميل نفط، وقرابة 13.5 تريليون قدم مكعب غاز، كما تمتد الخسائر إلى القطاع الزراعي، حيث تقدر إجمالى الأراضى التى أعاقت الألغام زراعتها ب3 ملايين فدان. نأتى إلى موضوع اتفاقية (أوتاوا) لحظر الألغام والتى ما زالت مصر ترفض التوقيع عليها، وهو ما كان سببًا لرفض الدول التى شاركت فى الحرب العالمية الثانية أن تتحمل مسئولية نزع هذه الألغام، وقد برر النظام السابق السبب فى عدم التوقيع فى وجود حدود شاسعة تلزم الألغام لتأمينها، وذلك على الرغم من أن تأمين الحدود يمكن أن يتم بوسائل تكنولوجية أكثر حداثة، وأقل تكلفة من الألغام التى لم تمنع المهربين وغيرهم من تجاوز الحدود بشكل غير قانوني، كما أن الحدود الشاسعة لدول أكبر مساحة، وبها مشاكل أكبر مثل الجزائر والسودان لم تمنعها من الانضمام إلى الاتفاقية. الحل الجذرى للمشكلة يبقى فى أيدينا نحن، ومن دون انتظار لتفضل الآخرين علينا، يجب أن ندرك أن استخدام الوسائل التقليدية لنزع الألغام يستحيل تطبيقها عمليًا فى حالتنا، فالجيش المصرى وعلى مدى أكثر من 15 عامًا استطاع نزع حوالى مليون لغم فقط، لأن عملية التطهير تتم بشكل تقليدى من خلال التنقيب عن اللغم فى كل شبر من الأرض، ثم التعامل معه يدويًا بإبطال مفعوله ورفعه من مكانه، فضلاً عن الفترة الزمنية التى ستمتد لأكثر من ستين عامًا لإتمام التخلص من الألغام، وبالتالى كان لا بد من البحث فى وسائل التكنولوجيا الحديثة للقضاء على هذه المشكلة المزمنة، وقد وقعت يدى على بحث مميز قدمه المهندس "إسماعيل حمد" من شركة "مصر للطيران"، ويخلص فيه إلى إمكانية استخدام الموجات التصادمية المنبعثة من الطائرات الأسرع من الصوت فى تطهير حقول الألغام، وهذا التكنيك الجديد يتعامل مع اللغم من الجو، ويؤدى إلى سرعة عالية فى التطهير، قد تصل إلى مليون متر مربع فى الساعة . صدقوني.. فى كل يوم يمر نكتشف الكثير من الإمكانيات والموارد الهائلة، والفرص المتميزة التى يمكن -إن أحسنا استغلالها- أن تجعلنا فى صدارة الأمم، أصبحت لدينا الآن الإرادة السياسية لإحداث الفارق وصناعة التغيير، ولذلك فأنا على ثقة أننا يمكن أن نتغلب على أعتى الصعوبات، حتى وإن كانت "حدائق الشيطان". [email protected]