نشر (بريد الأهرام) خطابا لأحد قرائه ، الذين يظهرون بصفة منتظمة في هذا الباب ، يشيد فيه بلجنة الانتخابات التي أخرجت مسرحية إنتخاب مبارك ، ويقول " لقد أعلنت اللجنة أن نسبة الحضور 23% فقط بينما قبل ثلاثة شهور كانت نسبة الحضور في الاستفتاء على تعديل مادة لا ينافسها مواد أخرى 53% ". والواقع أن هذا الخطاب يمثل نموذجا لثلاثة مشاكل تعاني منها نسبة غير قليلة من المصريين الذين يتطوعون بآرائهم ، وتفتح لهم المساحات في صحافة الحكومة : *السطحية : إذا كان القارئ يقر ويعترف بأن نتيجة الاستفتاء مزورة ، وإذا كانت العائلة التي عينت المشرفين على الاستفتاء هي نفسها التي عينت المشرفين على الانتخاب ، وهي نفسها المسئولة عن تزوير جميع إنتخابات واستفتاءات مصر طوال ربع قرن ، فكيف يتيقن القارئ من صحة نسبة ال 23% ، وأنها لم تكن أقل بكثير؟ *التفريط : القارئ يقول بصراحة أن نسبة حضور الاستفتاء غير معقولة وبالتالي مزورة . فإذا كانت الانتخابات جرت بناء على نتيجة الاستفتاء ، وإذا كان الاستفتاء باطل ، ألا يعني ذلك أن الانتخابات باطلة ، وأن هناك جريمة تزييف لإرادة الشعب إرتكبت ؟ فبأي منطق يفرط القارئ في حق مصر الذي انتهك يوم الاستفتاء ، وبأي منطق يقبل القارئ أن يحكم مصر رئيسا جاء عن طريق إنتخابات باطلة؟ *المكابرة : لقد أقر كثيرون في المعارضة ممن قاطعوا الاستفتاء بأن أحد أهم أسباب المقاطعة هو اليقين بأن الاستفتاء سيتعرض للتزوير كما هي عادة جماعة الحكم. وكان بريد الأهرم قد نشر رسالة لكاتب هذه السطور بهذا المعنى قبيل الاستفتاء ، وهو ما جرى بالفعل. فلماذا لم ينضم القارئ لهذه الحملة المعارضة لإصرار نظام مبارك على إجراء إستفتاء مزور على مادة دستورية مخنثة ؟ لماذا لم يدل القارئ برأيه بشجاعة في حقيقة ساطعة كالشمس ، وهي أن من شب على التزوير والإفساد لابد أن يشيب عليهما ، وأن من أدمن الفساد والضلال لا يستطيع أن يقلع عنهما. كانت المعارضة الناشطة أقلية ، وكانت في حاجة إلى مساهمات كثيرة لكي توقف مهزلة الاستفتاء التي أدت إلى مسرحية الانتخاب. ولكن كثيرين ممن كانوا يرون الحقيقة لم ينطقوا ولم يتحركوا من باب العند والمكابرة والخوف من فقدان المساحة المنتظمة في أي من أبواب الصحافة القومية. هذا النموذج من المصريين لم يكتب عن التزوير في الاستفتاء الأخير أو ما قبله إلا عندما أصبح الحديث عن التزوير السابق ضرورة كمقدمة للإشادة بمسرحية الانتخاب الأخيرة. بتعبير آخر لابد من إسترضاء الحاكم ليس فقط بالإشادة بجديده ، وإنما أيضا بالإيحاء بأنه على الرغم من خطاياه السابقة ، فقد عفا الله عما سلف . ولهذا لانجد أحدا من هذه النوعية ، وهي تتحدث عما سبق من جرائم تزوير إنتخابات وسرقة أصوات الشعب ، لا نجد أحدا يطالب بمحاكمة وعقاب المسئولين عن هذه الجرائم ، وكأنه يحق لأي منا العفو عن هؤلاء والتفريط في حق مصر بالقصاص منهم. لقد كان هذا هو دائما ديدن نسبة غير قليلة من كتاب الصحف القومية الذين لايملك المرء إلا أن ينظر إليهم بما يستحقونه من إزدراء : منافقة الحاكم حتى إذا ما قبضت روحه وجاء حاكم جديد ، ينطلقون في الحديث عن مساوئ الحاكم القديم كمقدمة لمنافقة الجديد. وكذلك نراهم يفعلون اليوم : يتحسرون على انتخابات سابقة مزورة كمقدمة للإشادة بإنتخابات جديدة مطبوخة ، وكأن هناك تغييرا في العائلة والنظام المسئولين عن التزوير والطبخ . وقد وصل الأمر بأحد هؤلاء إلى المن علينا بأن "التجاوزات" التي وقعت أثناء إنتخاب مبارك "لم تتخط الخط الأحمر وتصل إلى تزييف إرادة الناخبين .. لم تكن هناك صناديق إستبدلت أو بطاقات تم دسها .. لم يكن هناك ناخبون تم منعهم أو ضربهم أو إهانتهم." هذا الكاتب هو مجرد عينة من فصيل في الصحافة القومية يعترفون الآن بوقوع هذه الجرائم . ولكنهم لم يقيموا الدنيا إحتجاجا عليها عندما وقعت ، ولم يكتبوا تأييدا للضحايا . بل إن غالبيتهم كتبت دفاعا عن الحكم وتأكيدا ل "نزاهة العملية الانتخابية" وتكذيبا للضحايا الذين " يزعمون كذبا حدوث تزوير لتبرير هزيمتهم وإنعدام شعبيتهم." [email protected]