يعتبر دستور 1923 هو أقدم الدساتير التى عرفتها مصر فى تاريخها الحديث، والذى تم وضعه فى عهد الاحتلال البريطانى، فقد وضع اللبنة الأساسية لوجود دستور فى مصر، ثم جاء دستور 1954 بعد ثورة 23 يوليو 1952 فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذى وضع الأسس الأولى للنظام الجمهورى فى مصر وتنظيم العلاقة بين سلطات الدولة المختلفة. وفى عهد الرئيس الراحل أنور السادات تم وضع دستور 1971، والذى استمر العمل به لما يقرب من أربعين عامًا. ومع بزوغ شمس ثورة 25 يناير والإطاحة بنظام حسنى مبارك تم تعطيل العمل بدستور 1971؛ وتشكل الجمعية التأسيسية الأولى والتى تم حلها بحكم قضائي، ومع إعلان اللجنة التأسيسية الثانية عن انتهاء المسودة الأولى للدستور تصارعت سهام النقد من القوى والنخب السياسية لهذه المسودة بدعوى احتوائها على نصوص غامضة، وأعلنت المحكمة الدستورية العليا عن رفضها للمسودة الأولى للدستور المصرى لأنها تحد من اختصاصها القضائى. وفى إطار ذلك استطلعت (المصريون) آراء خبراء القانون والمحللين لرصد أزمات التأسيسية وكيف يمكن معالجتها لخروج دستور الثورة للنور. د. أحمد رفعت: وجود نصوص غامضة ومبهمة فى بعض المواد فى البداية، أكد الدكتور أحمد رفعت، أستاذ القانون بجامعة القاهرة، أن دستور مصر الثورة يجب أن يطلع عليه كل فئات الشعب المصرى.. وأشار إلى أن اعتراض المحكمة الدستورية العليا على المسودة الأولى للدستور يرجع إلى محاولة المسودة الأولية تهميشها والحد من سلطاتها، مع أنها هى التى تضبط الإيقاع داخل القضاء وتراقب دستورية القوانين ومدى اتفاقها مع النص الدستورى. وأضاف رفعت، أن محاولة التيار الإسلامى الانفراد بوضع الدستور ووضع نصوص تخدم فكرة وجوده فى الحكم واعتراض القوى المدنية على ذلك هو من أهم أسباب الأزمات التى يعانى منها دستور مصر الثورة.. وأوضح أنه يجب على التيار الإسلامى أن يعى جيدًا أنه إذا كان موجودًا اليوم فى الحكم فإنه ليس موجودًا غدًا، وبالتالى يجب وضع نصوص دستورية لا تتغير بتغير الفصيل الحاكم لمصر.. وشدد رفعت على ضرورة أن يمثل الدستور كل فئات الشعب المصرى ومنها فئات الفلاحين والعمال والمهندسين والمحامين والقضاء على أن يتم عرض المسودة الأولى للدستور على ممثلى الشعب من مختلف طوائفه داخل اللجنة التأسيسية للدستور حتى يظل الدستور أبديًا ولا يتغير بمرور الزمن، وأى دولة بعد قيام ثورة بداخلها ومرورها بمرحلة التحول الديمقراطى لابد أن يكون الشعب وحده هو مصدر السلطات وليس الحاكم. وعن أسباب اعتراض بعض النخب السياسية على بعض مواد الدستور وإعلان ذلك فى وسائل الإعلام، قال رفعت: إن ذلك يرجع إلى وجود نصوص غامضة ومبهمة فى بعض المواد الدستورية التى تم إقرارها، ومن هنا تظهر النخب السياسية لتحذر من تلك النصوص غير الواضحة.. فمثلاً وضع المرأة فى الدستور الجديد غامض وغير محدد، ولم يعطِ لها كل حقوقها، ومن ثم يخرج ممثلون عن المرأة للاستفسار عن هذا الوضع المبهم والغامض. ونادى رفعت بضرورة إعادة تشكيل اللجنة العليا للدستور لتعبر عن كل فئات الشعب المصرى، وعندما تستقر كل الفئات على دستور معين سيكون الشعب بأكمله راضيًا عن الدستور وليس فئة واحدة فقط.. وأكد أهمية الصياغة الجيدة لمبادئ الدستور حتى لا نفاجئ بعد ذلك بوجود نصوص قانونية تتعارض مع مبادئ الدستور مع ضرورة العمل على اتخاذ آلية واضحة لكيفية تطبيق النصوص الدستورية التى تمت صياغتها فى الدستور الجديد. د. نبيل حلمى: مطلوب حوار مجتمعى حول المسودة الأولى للدستور من ناحية أخرى، أكد الدكتور نبيل حلمى، أستاذ القانون وعميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق، أن الدستور ليس قانونًا عاديًا بل هو عملية توافقية لتنظيم الدولة والعلاقة بين سلطاتها الثلاث، السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، ثم تأتى القوانين بعد ذلك لتفسر هذه النصوص الدستورية بالتفصيل. وأشار حلمى إلى أنه كان يجب فى البداية إعداد دستور مصر الثورة أولاًَ قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأن معظم الأزمات التى يمر بها الدستور الجديد هو من جراء إقامته بعد تشكيل مؤسسات الدولة وإجراء الإنتخابات وصعود فصيل معين للسلطة، وأنه يجب على اللجنة التأسيسية للدستور عرض المسودة الأولى للدستور على الشعب المصرى وعلى المتخصصين وعمل ما يسمى بحوار مجتمعى حول المسودة الأولى للدستور.. وأوضح أن مصر دولة تعددية فلابد أن يراعى الدستور القادم ذلك، وأن يؤكد إطلاق الحريات وعدم انفراد فصيل بعينه بتأسيسه. وشدد حلمى على ضرورة أن يمثل الدستور كل فئات الشعب المصرى، ولا هيمنة لطائفة على أخرى، وأن الشعب المصرى بذكائه يستطيع أن يميز المواد الدستورية التى ستكون فى صالحه والمواد الأخرى التى ستمثل ضررًا له.. ونوه إلى أن اللجنة التأسيسية للدستور لا يوجد بها قدر كبير من المتخصصين والقانونيين، وأن غلبة التيار الدينى على اللجنة التأسيسية للدستور ليست فى صالحه؛ لأنه اتجاه سياسى قد يتغير بمرور الوقت ويأتى تيار آخر يسيطر على السلطة ويلغى ما أسسه التيار الدينى، فلابد من التوافق على الدستور والرجوع للشعب عند تأسيسه. د. محمد نجيب: عدم التوازن يسيطر على اللجنة من منطلق آخر، قال الدكتور محمد نجيب، أستاذ علم النفس السياسى بجامعة حلوان، إن هناك ما يشبه التسرع فى عمل اللجنة التأسيسية للدستور خاصة فيما يتعلق بإصدار المواد الأولية المؤسسة للدستور، وأن كثرة دخول وخروج النخب السياسية من اللجنة التأسيسية للدستور يرجع إلى عدم التوازن داخل اللجنة وغلبة التيار الدينى على اللجنة التأسيسية للدستور، فهناك حالة من التخبط داخل لجنة إعداد الدستور.. وأوضح أن المشاحنات بين النخب السياسية على المواد الأولية للدستور هى ظاهرة صحية للوصول فى النهاية إلى دستور جيد ويعبر عن جميع أطياف المجتمع. وشدد نجيب على أن التخبط الحالى فى وضع الدستور الجديد لمصر الثورة يأتى نتيجة لعدم وضع الدستور أولاً قبل بناء مؤسسات الدولة ووصول فصيل معين للسلطة وتمتعه بالأغلبية، فإنشاء الدستور بعد الثورة كان سيعبر عن كل أطياف المجتمع نظرًا لعدم وجود فصيل معين آنذاك فى الحكم له سلطة شرعية. أسعد هيكل: اللجنة التأسيسية للدستور عزلت نفسها عن الشعب من زاوية أخرى، قال أسعد هيكل، عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين، إن اللجنة التأسيسية للدستور قد وقعت فى خطأ كبير طوال فترة عملها وهو أنها عزلت نفسها عن الشعب، وأنه على سبيل المثال لم تقم لجنة نظام الحكم بدعوة أساتذة النظم الدستورية فى الجامعات المصرية أو النشطاء السياسيين لحضور اجتماعات هذه اللجنة.. وأضاف أنه لابد من مشاركة الشعب فى المناقشات الأولية لإعداد الدستور لإيجاد نوع من الرضا المجتمعى على الدستور الجديد لمصر. وأوضح هيكل، أنه يوجد ما يسمى بخصام مجتمعى بين القوى السياسية فى مصر منذ تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، ولم تستحوذ اللجنة على رضا الشعب لسيطرة فصيل بعينه على التشكيل.. ونوه إلى ضرورة تدخل رئيس الجمهورية ليعيد تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور بما يضمن التوازن بين كل القوى السياسية وممثلى الشعب المصرى، مع إفساح الوقت أمام اللجنة التأسيسية للدستور لتضع الدستور بتأنٍ.