تربط الإنسان بالبيئة.. علاقة أزلية، لا تنفصم عُراها منذ أن استخلف الخالق، جلّ وعلا، هذا الإنسان، وحمّله أمانة التكليف. وأمره باستثمار ما منحه في هذه الأرض من ثروات وما وهبه من نعم، لا تُعد ولا تحصى، بالإحسان لمعطياتها والاستفادة من عناصرها في اعتدال وتوازن، وإدراك لما ينبغي فعله تجاهها وعندما نسي الإنسان رسالته، وأغفل حقوق بيئته التي يعيش فيها، وكثرت أخطاؤه نحوها؛ حلَّ بها الفساد، وظهرت مشكلاتها، وتحقق في بني الإنسان، قول المولى عز وجلّ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَّرِ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْ النَّاسِ..﴾. وهكذا ومع التقدم الصناعي والتقني، لم يستطع الإنسان المحافظة على التوازن المطلوب في بيئته؛ بعدما وفّر لنفسه جميع وسائل الراحة، وبلغ شأنًا عظيمًا من التقدم والنمو الصناعي، ولكنه في الوقت نفسه، أفسد بيئته وحاصرت مشكلاتها الوجود البشري في مناطق كثيرة من العالم بنسب متفاوتة، فالذي نجا من تلوث الهواء لم ينج من تلوث الماء، والذي لم ُيعانِ من الجفاف والتصحّر، أصابته أمراض الأصقاع والتلوث الذري، وهكذا متوالية .. ! وتحولت الاستدامة البيئية ومشكلاتها، بعد تفاقم تداعياتها الوخيمة، خلال العقود الأخيرة، إلى قضايا ساخنة تفرض نفسها بإلحاح في كل مكان من العالم، على المعنيين بشؤون البيئة والمتخصصين بها، فقط، وكذا على جميع الناس أينما حلّوا وحيثما ارتحلوا، بغض النظر عن مستوى معيشتهم، وظروف حياتهم، ومستواهم التعليمي والثقافي. وباتت حماية البيئة والعناية بها مهمة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بوعي الإنسان وثقافته الدينية والبيئية. وفي يقينيي أن المحافظة على البيئة، إنما تعني الموازنة بين التنمية والمحافظة على البيئة، بإصدار الأنظمة التي تحدد ذلك وتوجد حلاً لهذه المعادلة، مع الالتزام باستثمار الموارد الطبيعية دونما إسراف أو استنزاف، وعدم إرهاق البيئة بمخلفات لا تقدر على استيعابها في دوراتها الطبيعية؛ كما أرى أن توظيف التصور الإسلامي للبيئة التي أبدعها المولى، عزّ وجلّ، لتحقيق مصلحة الإنسان وتوفير حاجاته؛ بطريقة تفرض عليها أن تتكامل وتتعاون مع بعضها البعض، ومن ثم فالحفاظ على مكونات هذه البيئة؛ يتسق مع دوره المنوط به للاستخلاف في الأرض، وفي الوقت نفسه، يشكّل أمرًا شرعيًا؛ حتى لا يحدث خلل في الكون. ولعل انتهاء الحكومة من مشروع قانون النظافة، الذي يتضمن عقوبات تصل إلى الحبس على من يلقي القمامة بالطريق العام؛ وتخصيص شرطة للنظافة لمراقبة احترام القانون، ومنع إلقاء القمامة في غير الأماكن المخصصة لذلك؛ إيجادًا لحل مشكلة القمامة، والتزامًا من الحكومة بتوفير الأدوات والأماكن الخاصة للتخلص مما يلوّث البيئة، التي نرى فيها، نحن، المسلمين، آية من آيات الله التي تستوجب من الإنسان التفكر فيها، وأنه نعمة تستوجب الشكر والمحافظة عليه والاستمتاع بعنصر الجمال فيه وتنمية هذا الجمال؛ لأن كل شيء في البيئة من الضروري أن يظهر فيه بديع صنع الخالق سبحانه؛ لأن رعاية البيئة في الإسلام مرتبطة بعلم السلوك؛ إذ أكّد رسولنا (صلى الله عليه وسلم) أن رجلاً دخل الجنة في كلب سقاه؛ وأن امرأة دخلت النار في قطة حبستها..! بل إن الإسلام نظر إلى الأمور البيئية نظرة ودٍّ وحبٍّ؛ فجعل القرآن الكريم الحيوانات والطيور أممًا مثل أمة الإنسان، ونصَّ القرآن الكريم أن الشجر والدواب والجبال والنجوم، تسجد لله تعالى مثل الإنسان المؤمن وأنها تسبّح ربها. أقول: لعل انتهاء الحكومة من هذا القانون، يشجّع، ويحفّز المعنيين في أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، وفي الطليعة منها المؤسّسة الدينية التي ينتظر الجميع منها دورها في حماية البيئة، والمشاركة في محاربة الإسراف والتبذير، وإهدار الطاقة، من خلال إدارتها وقنواتها المتنوعة، جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة في هذا الخصوص، من خلال حملات توعوية دينية وإعلامية ومجتمعية، للتحذير من التلوث، والإسراف والتبذير؛ ونشر ثقافة إسلامية معاصرة بدافع ذاتي، مبعثه الشعور بتحمل المسؤولية والاقتداء بالسُنّة النبوية الشريفة بطريقة عملية، وليس بدافع الخوف من قوانين أو تشريعات أو مخالفات وغرامات؛ فاتباع السُنّة النبوية الشريفة في شؤون الحياة اليومية يعد في حد ذاته هدفًا يصبو إليه كل مسلم، لذلك ما أحوجنا إلى خطاب دعوي، مستنير، يجمع بين الوسائل العلمية والقيم الإيمانية في هذا الخصوص. همسة: النظافة من الإيمان ..! [email protected]