من قرأوا حوار الرئيس مبارك في مجلة روزاليوسف ، لم يتفاءلوا خيرا ، و قالوا :"مفيش فايدة" ..! لا تعديل و لا إصلاح ولا يحزنون .. الرئيس لن يصلح ما أفسده ترزية القوانين في تعديل المادة 76 ، و لن يقرب أو يمس المواد التي تعطيه صلاحيات ملكية مطلقة ، و سيُبقي على المادة 77 على حالها التي تجعل منه رئيسا أبديا مخلدا . الرئيس في حواره مع روزليوسف أغلق كل الأبواب و الشبابيك و لم يترك حتى "خرم إبرة" لإمكانية التغيير !. و لكني لست متشائما إلى هذا الحد ، فالرئيس هو الذي كان غاضبا و مستاءا من الذين طالبوه بتعديل مواد الدستور ، بما يتيح اختيار الرئيس بين أكثر من مرشح ، ووصفها بأنها "دعوة باطلة" ! و اعتقد الناس أن هذا هو القول الفصل في هذه القضية ، و أصر الرئيس على الابقاء على الدستور و كأنه من سنن الله تعالي ، التي لن تجد لها تحويلا و لا تبديلا ! و لم يكتف الرئيس مبارك بأن يكون وحده الرافض لأية تعديلات دستورية بل نجح رجاله الذين أجروا ما سمى آنذاك ب"الحوار الوطني" مع الأحزاب الأخرى ، في غواية قادة تلك الأحزاب والتغرير بهم ، بأن يوافقوا الرئيس على "حكمته" و "حسن تقديره" و "عمق رؤيته" في إرجاء أية تعديلات على الدستور إلى أجل غير مسمى ! ، بل إن حركة دينية سياسية كبيرة ، أعربت عن رغبتها في الإبقاء على الدستور ، بزعم الخوف من تعديل المادة الخاصة بدين الدولة و مصادر التشريع ، فيما أنبرى كتاب يبدون في النور"معارضين" أو "مستقلين" فيما هم في الظلام من مخبري النظام و سدنته ، يصدرون صحفهم بمنشيتات تخيف الرأي العام بشكل غير مباشر من تعديل الدستور ، بزعم أن أمريكا تشترط في الدستور الجديد ، أن يعين نائب قبطي لرئيس الدولة ، و هو مطلب يكفي وحده ، لتكتيل الرأي العام المصري خلف وجهة نظر الرئيس بشأن تجميد الدستورو مساندته في مواجهة القوى السياسية المطالبة بتعديل الدستور على النحو الذي يجعل من مصر بلدا أكثر حداثة و ديمقراطية ! لقد كان المشهد في مصر حتى ذلك الحين ، يبدو و كأن الرئيس مبارك انتصر في معركته ضد قوى الإصلاح ، و نجح في تكتيل بعض القوى خلفه و تحييد بعضها الآخر على الأقل .. و بدى المشهد بحق كأن ثمة من "ضرب كرسيا في الكلوب" و باتت الدنيا بعدها حالكة الظلام ! أصيب الجميع بخيبة أمل ، و لم يتوقع أحد أن يتغير الرئيس أو تتغير الدنيا ، و ينقلب الحال ، بما يثلج الصدور و يُعدّل الدستور . و فجأة و بدون مقدمات يفاجئ الرئيس مبارك المصريين بمشروعه الخاص بتعديل المادة 76 ، ليكون بحق قرارا صادما ، فاق كل التوقعات ، و لا شك في أن تراجع الرئيس مبارك عن تشدده في هذه المسألة ، لم يرجع فقط إلى نضال القوى السياسية المصرية ، فهي رغم نضالها و صبرها و مثابرتها فإنها لم تثمر إلا غيظ النظام من المعارضة و الالتفاف على مطالبها ، باحتواء بعض قادة الأحزاب الرسمية ، و التلويح إليهم بفتات داخل مجلسي الشعب و الشورى ، نظير التخلي عن مطالب القوى السياسية المصرية و خيانتها بالموافقة على عروض النظام بشأن الدستور و قانون الطوارئ . هذا كان مبلغ تأثير نضال المعارضة في موقف النظام ، إلا أنه في الوقت ذاته أثمر رأيا عاما في الخارج تعاطف مع مطالبها المشروعة و العادلة ، و الذي كان تراجع الرئيس عن موقفه بشأن الدستور ، أحد أهم ثمراته الكبيرة ..فلماذا إذن نتشائم من تشدد الرئيس في حواره مع روزاليوسف .. بل علي الجميع أن يتفاءل و يتوقع حدوث التغيير بين عشية أو ضحاها طالما كانت القوى الوطنية المصرية صابرة و ثابتة و مثابرة و لم تتخل عن نضالها الذي هو بحق مناط التعاطف معها بالداخل و الخارج. [email protected]