بعد صدور الأحكام الصادمة في جرائم قتل الثوار، وتبرئة القتلة وجعلهم يسيرون فى مناكب الأرض ويأكلون من رزقها، وترك الآباء والأمهات الثكلى يندبون حظهم في دولة لم تحاسب قاتلاً لثائر فى تاريخها من قبل، فهل تم التحقيق فى قتل ثوار 1919، وثورة 1935م، وحادث كوبرى عباس، وجرائم أعوان الاحتلال في أحداث القناة 1951، وجرائم الحقبة الناصرية التي استحلت الأعراض والأنفس، وجرائم حكم مبارك الذي سجن الآلاف وقتل الكثيرين منهم.. لم يحاسب أحدًا، بل مازال القتلة والجلادين أحرارًا، يتحدثون إلى وسائل الإعلام، خذ على سبيل المثال منهم: ممدوح البلتاجى، وفؤاد علام، وحسن أبوباشا، وأحمد رشدى، وكبيرهم شمس بدران، وغيرهم، مازالوا يعيشون بيننا وكأنهم معصمون من الخطأ، لم يتعرض لهم بسوء أو شيء من النقد، ولكن العدالة الإلهية تسود في النهاية، فلقد عاصرت بنفسى أحد ضباط الشرطة خلال التسعينيات فى مسقط رأسي يقتل العشرات عند اقتحام منازلهم ويحضر الجرارات الزراعية بالمقاطير، ويشحن الجثث ليرمى بها فى حقول القصب، ليوهم جهات التحقيق المتواطئة أن الأحداث الإرهابية جرت فى هذه الحقول، ولقد رأيت هذا الضابط بعد أكثر من 15 عاماً فى مدينة الغردقة يعمل مأمورًا لقسم أول بعد أن تم لفظه من المباحث الجنائية، ورأيته معتلاً بعد أن هاجمه مرض السكر ووجدت فى رقبته كيسًا دهنيًا يزن واحد كجم، وكان من الضباط الذين استعان بهم حبيب العادلى ليرشحوا أنفسهم فى انتخابات العار 2010، التى كانت الشرارة الأولى إلى ثورة 25 يناير. وأمثلة أخرى عديدة وصارخة موجودة فى تاريخنا تدعو للدهشة، وسوف نستحضر مثالين منها فى محافظة المنيا التي تتميز بتاريخها الثري عبر العصور ونبوغ العديد من أعلامها، الذين برعوا في كل المجالات وتصدروا الصفوف... وقد أساءني أن أجد في مدينة المنيا حيًا راقيًا باسم محمد سلطان باشا أحد أعيان المحافظة في القرن التاسع عشر، هذا الرجل ظهر من القاع، ومازال يتحين الفرص حتى وصل إلى أعلى المناصب في ظروف غامضة... لقد تعاون مع عرابي في البدايات الأولى للثورة العرابية، كانت الجلسات الأولى تعقد في بيته، ولكنه تراجع وتعاون مع الإنجليز والخديوي ضد عرابي في ساعة الذروة، وأخذ يغري شيوخ القبائل البدوية في الطريق من الإسماعيلية وحتى التل الكبير، الذين أرشدوا بدورهم عن عرابي وجنده وحجم قواته، مما كان أثره في الهزيمة المروعة التي مُني بها الجيش المصري في معركة التل الكبير، وبعد دخول الإنجليز القاهرة، كان في استقبالهم والحفاوة بهم، وكذلك كان في استقبال الخديوي توفيق (الخائن) الذي استعرض القوات البريطانية صحبة الجنرال "ولسلى" في ميدان عابدين، وبعد فعلته هذه نال سلطان السخط من بني وطنه وتعرضوا لأملاكه ودوابه بالتلف والحرق، وقد عوضه الخديوي والإنجليز بالآلاف من الجنيهات وقد كرمته الملكة (فيكتوريا) بأن منحته لقب "سير". هذا محمد سلطان وهذه انجازاته التي دعت المحافظة إلى تسمية مسقط رأسه "زاوية الأموات" ب"زاوية سلطان"، وكذلك وجود قرية أخرى تتبع مركز ومحافظة المنيا تدعى "بنى محمد سلطان"، بالإضافة إلى الحي المشار إليه سلفاً، وقد حاولت ابنته هدى شعراوي في التعتيم على تاريخ أبيها المخزي، واشترت ضمائر الكتاب والصحفيين والمؤرخين، وصاروا يشيدون بها وبدورها في تحرير المرأة، وتنفق عليهم من ثمن خيانة الثورة العرابية. ومثال آخر يدعو للدهشة والحيرة وجود حي آخر بمدينة المنيا باسم: "حي شاهين" وهو من أكبر الأحياء كثافةً ومساحةً، وهو ينسب إلى البكباشى محمد شاهين أحد أعيان الإنجليز، وكان ضابطا شرطة برتبة بكباشي "مقدم"، ضرب المقاومة الشعبية في المنيا أثناء ثورة 1919 وتعامل معها بكل قسوة، عندما ترامى إلى أسماع الناس نبأ اعتقال سعد زغلول ورفقائه فتدخل البكباشى "محمد شاهين" لمنع هذه المظاهرات، وأمر رجاله بإطلاق النار عليهم فأبوا، فأطلق هو الرصاص عليهم، فقتل الكثيرين منهم وكان شاهين هذا مشهورًا بالقسوة، والفظاعة في قمع المتظاهرين، فإذا وقع أحد الطلبة المتظاهرين في يده ربطه في سراج جوداه، ويظل يجره خلفه حتى يتهشم رأسه وجسمه ويلقى الموت، وعندما جاءت حملة عسكرية إنجليزية لتأديب المنيا عن طريق النهر، بعد أن تم قطع خط السكك الحديدية، وذلك لتأديب السكان بسبب وقعة مقتل مستر "بوب" مفتش السجون الإنجليزي وآخرين في "ملوي"، و"دير مواس"، ورست على الشاطئ، وخرج الثوار ومعهم أهالى المدينة لمواجهة الباخرة العسكرية الإنجليزية، وأطل منها البكباشي شاهين والمسدس في يده وأشار إلى الإنجليز بالخروج، فبدءوا يخرجون، ويصعدون السلم الحجري والبنادق في أيديهم، وفي لحظة أشار أحد أبطال المنيا واسمه "محمد أبو العلا البيطار"، وأشار عليهم بضرب القوات البريطانية عند نزولها من سلم الباخرة، وتم قتل الكثيرين منهم، وبعد ذلك أطلق شاهين الرصاص عشوائياً على الثوار، وتبقى بعد ذلك الجنود الإنجليز، وبعد استيلاء الإنجليز على المنيا، تم القبض على القيادات الوطنية وبعض الثوار منهم: توفيق بك إسماعيل، ومحمود بك عبد الرازق، ومحمد افتدى على، وحسن افتدى طرّاف، ورياض الجمل (والأخير هو عالم الأزهر الذى أعلن جمهورية فى المنيا على غرار جمهورية زفتى، ولم يكن ابنه شيوعيًا ليغرى يسرى الجندي بعمل درامي عنه كما فعل عن يوسف الجندى بطل زفتى، وعجبي). وإذا سرت في دروب المدينة، وسألت المواطنين عن هؤلاء الأبطال الأفذاذ، لم تسمع سوى الدهشة وكلمات النفي، بينما الخونة والمتعاونون مع الاستعمار ودعاة التغريب لهم شوارع، وأحياء، وقرى باسمهم... أين هؤلاء الأعلام من الذكر والتمجيد؟.. أمثال: اللواء محمد الفاتح أحد أبطال أكتوبر، والدكتور نور الدين طراف رئيس الوزراء الأسبق، وفتحي رضوان (البطل الوطني والوزير الأسبق)، والفريق صفي الدين أبو شناف، والإمام أبو جعفر الطحاوي أحد أعلام الفقه، والقائمة طويلة وإني أهيب بالمسئولين اتخاذ اللازم نحو إعادة تسمية الشوارع وإبراز دور الشخصيات التاريخية التي أنجبتها المحافظة. [email protected]