"الربيع العربي وصل لدول الخليج وللسعودية أيضاً". هذا ما جزم به المفكر السعودي الكبير عبد الله الغذامي، ووافقه كذلك بعض المتابعين والمراقبين السياسيين، ولكن السؤال الذي يلوب في نفس كل من سمع تلك الجملة الجازمة: أين هو هذا الربيع السعودي؟ وما هي ملامحه وكنهه؟. سمو المثقف الأمير خالد الفيصل، قال في كلمته أمام بضعة مئات من الشباب قبل أيام بأن الربيع السعودي سبق الربيع العربي ب 82 عامًا، وأثار بتعليقه هذا مجالس النخب السعودية التي تباينت في تفسيرها لكلمته، وتباينت أيضاً في القبول بها والاعتراض عليها، فالمفكر د.عبد الله الغذامي يؤيّده، ويقول إن الملك عبد العزيز -يرحمه الله- وما قام به في ذلك الوقت يعد ربيعًا، وترك لنا إرثاً كبيراً بذل فيه ورجاله دماءهم، ولكن علينا أن نراعي ذلك الإرث وننميه، فيما كان رأي د. فهد العرابي الحارثي رئيس مركز (أسبار) بأن سموه لم يقصد أبداً هذا الربيع الذي نعيشه الآن، ويتحدث فيه الإعلام العربي، وأن كلامه كان موجهًا فقط للشباب، ويبغي ألا يصرف على أكثر من ذلك. تفاعلات السعوديين في (تويتر)، وهذا الحراك الذي نعيشه في مفاصل المجتمع، والتعليقات والمطالبات بالحقوق، وحلّ مشاكل البطالة؛ هو مظهر هذا الربيع السعودي، بما يقول به المؤيدون لوصول الربيع، وأن حالة الاحتقان هذه تفور، ولكنها لم تبلغ بعد درجة الانفجار، ويطالب د.الغذامي بضرورة الإسراع في حلّ المشكلات، واهتبال فرصة هذا التصافي بين الحاكم والشعب، وأن الوقت مثالي جداً بالإسراع في إحداث إصلاحات من لدن السياسي، عكس إن وصلت لحالة الانفجار، فحينها –لا سمح الله- يخسر الجميع، ود. فهد العرابي الحارثي يجزم بأن الوقت مناسب الآن، لإحداث ثورة إصلاحات حقيقية، وإقامة تشريعات جديدة تستجيب للواقع، ويجب البدء بها بفورية لا تقبل التأجيل والتردد. في تصوري ما قاله الرجلان –وهما من هما ووزنهما في الساحة الفكرية المحلية- حقّ، يجب أن ينتبه العقلاء في وطني ويصغوا لهما، فالدكتور عبد الله الغذامي، معروف أنه قليل الكلام في الشأن السياسي، ولذلك تفاجأ محبوه وتلامذته بمقولته تلك، ولم يبادر بها إلا من حبّ لهذا الوطن وقيادته، ودافعه الحدب بالتأكيد والحرص على مكتسبات وطن هو في الأحداق منا جميعًا، ولم يبادر بالجهر بذلك إلا بشعوره –وهو المثقف الذي تنزل للتلامذة وزاملهم في (تويتر) وأصغى لهم بشكل يومي- بالخوف، والدكتور فهد العرابي محسوب –من قريب أو بعيد- على المثقفين الوطنيين الملتحمين بقيادته، وما قاله اليوم؛ إنما من ذات الدافع، ولكن السؤال الذي يطرح هنا: من أين نبدأ هذه الإصلاحات؟ برأيي، هناك ملف مجتمعي معقد جداً، وهو بين يدي الأمير الفذ أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية، وبالتأكيد أن ملمح الربيع السعودي الأبرز يأتي من الانفراجة التي نريد في ذلك ملف المعتقلين، والحمد لله، البشائر تتوالى على العائلات بعودة أبنائها غير المتورطين من رمضان، وبإذن الله تكتمل بالإفراج عمن لم تثبت عليه التهم، وحتى أولئك الذين كانت تهمهم بسيطة، فالمدة التي قضوها كافية بإذن الله، لعودتهم لجادة الطريق. مجلس الشورى، وضرورة انتخابه، وجعل قراراته إلزامية، خطوة مهمة في هذا الطريق الذي نرجو أن نقطع به على أولئك الناعقين في لندن وواشنطن من المعارضين السعوديين. برأيي أنه آن أوانه اليوم، وليكن هذا المجلس صوت الشعب الحقيقي، الذي يحمل همومه إلى القيادة العليا، ولنبدأ بانتخاب نصف الأعضاء في الدورة الأولى القادمة، والدورة التي تليها يكون أعضاؤه منتخبين بشكل كامل، مع التأكيد على مشاركة المرأة بالطبع، وعبر هذا المجلس الذي نطمح أن يصل لمستوى دور مجلس (الأمة) الكويتي في المحاسبة الجادة والحقيقية للوزراء وما قدموه وترجموا به رؤية مليكنا الإصلاحي الكبير -يحفظه الله- وتتم محاسبتهم بشكل صارم إن تخاذلوا، والله إن فعلنا ذلك فإننا سنتقدم خطوات واسعة وعريضة في اتجاه الإصلاحات التي يرومها العقلاء والحادبون في وطني. يبقى أن موضوع الفساد، والمالي منه بشكل أدقّ، هو موضوع لا يقبل التلكؤ، ووالدنا خادم الحرمين الشريفين هو من أوائل الناس المطالبين بذلك، ولكن الإجراءات البيروقراطية معيقة، وعدم تسلح القائمين على هذا الملف بالقوة والمكانة التي تجعلهم يحاسبون الكبار قبل الصغار؛ عائق كبير، ومن العقل المسارعة في دعمهم وتعزيز مكانتهم، وهناك أيضاً التشهير بالفسدة ومحاسبتهم، فالشباب العاطلون يملأون مواقع التواصل الاجتماعي بشكاواهم، من سرقة الأراضي الكبيرة، والرشاوى الفلكية التي يتسامعون عنها، وكم أتمنى أن نخطو خطوات في هذا الملف، ليكون ربيعنا السعودي مميزاً فعلاً، ولائقاً بوطن ملتحم من أزمنة التأسيس بقيادته، وأثبت خلال العقود الثمانية، مواقفه الأصيلة التي تعبّر عن علاقة بين ربّ أسرة وأفراد عائلة، أكثر منها بين حاكم ومحكوم، والأبّ يقسو أحياناً على أبنائه ليستقيموا. إجماع بين كل النخب المختلفة، بأن ربيعنا السعودي له خصوصيته، وأن الالتفات حول مليكنا المصلح، والعمل على تحقيق رؤيته للإصلاح والتسريع بها، هو الحلّ المثالي الوحيد، لتجنيب المجتمع أية أكلاف غير مستعدّ لخسارتها، فما أُنجز خلال الأعوام الثمانين الفارطة مذهل وكبير، ومن العقل حماية هذه المكتسبات الوطنية، وأن الإصلاح من داخل المجتمع وقيادته؛ هو أفضل الحلول لمجتمع هذه خصوصيته وطبيعته، ومن الخطل الكبير التغاضى عن وصول الربيع إلينا، فلنبادر إلى تكييفه بحسب واقعنا، لا أن نترك الاحتقان الذي يفور الآن ونتعامى عنه بالمقولة الجامدة: "الأمور زينة" ثم نفاجأ بها أن وصلت مرحلة الانفجار، وعندها لا سمح الله سنخسر جميعاً، ونندم، ولا ساعة مندم حينها. صدقوني أن ربيعنا السعودي يبدأ من تحقيق رؤية الملك الإصلاحي الكبير عبد الله بن عبد العزيز على أرض الواقع. [email protected] إعلامى وكاتب سعودى