كمال حبيب شهر رمضان الكريم يأتي ومعه الفرج علي المعسرين والمسجونين ، وكل النظم السياسية تفرج عن المسجونين في الشهر الفضيل ، والأسرة المصرية تقول إن لرمضان رزقاً واسعاً تكفل الله به ، فتجد الموسرين يزيد الله يسرهم والمعسرين ينالون حقهم في مال إخوانهم من الصدقات والإنفاق والزكوات ، فكثير من المسلمين يجعلون رمضان معياراً لحول زكواتهم ، وكل عام يخرجون زكاة أموالهم فيه . وموائد الرحمن التي نراها منتشرة علي نطاق واسع في المدن الكبري بالذات لا نراها أبداً إلا في شهر رمضان ، فهناك يسر في الرزق ، ويسر في الإنفاق ويسر في دوران معاني الرحمة والتعاطف بين المسلمين ، وحين طالعت الآيات التي كتب الله بها علي المسلمين الصوم في سورة البقرة ، وجدت فيها قول الله تعالي " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ماهداكم ولعلكم تشكرون " ، والتيسير أصل في الفقه الإسلامي وفي التعامل ا لإنساني ، وفي الفتوي ، والتخريج ، وهو فاعدة مضطردة في كل أبواب الفقه الإسلامي " فما خير النبي صلي الله عليه وسلم بين أمرين وإلا واختار أيسرهما " أي السهل الممكن الميسور والمتاح . وعندنا قاعدة أصولية تقول " المشقة تجلب التيسير " يعني لو أن هناك مشقة في فعل معين فإن التيسير يجري إليها ويتقرب منها بقدر شدتها ، فالإسلام دين الفطرة ، ودين التيسير ، ودين السهولة والترغيب ، وحاولت مطالعة " الموطأ " للإمام مالك رحمه الله لمعرفة هذه القاعدة في الصيام ، والموطأ هو أقدم كتب الفقه وأحبها إلي نفسي ، وأول ماقابلني من أمر التيسير في الصيام هو " تعجيل الفطر " والحديث " لايزال الناس بخير ماعجلوا الفطر " ، سبحان الله ، ما أعظم رحمته ، يحبب الناس في تعجيل الفطر تخفيفا عليهم ورأفة بهم ومحبة لهم ، فهل رأيت شارعاً أرحم من النبي صلي الله عليه وسلم وكأنه يشعر بالشفقة علي الناس من أمر الصيام ورمضان في أجواءالجزيرة العربية الرهيبة ، ولذا حبب إليهم التعجيل بالإفطار ورغبهم فيه ، وهذا فيه معني " عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " بأبي هو وأمي – صلي الله عليه وسلم – أي أنه يعز عليه جدا ما يشق علي المسلم ويرهقه ، وفي الحديث الذي بعده " أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصبح جنباً ثم يصوم " وهذا يعني أن الصائم يجوز له جماع أهله قبل الفجر ، فالجنابة لا يفطر الصائم بسببها ، وفي الآيات الواضحات في سورة البقرة " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نسائكم هن لباس لكم وأنت لباس لهن ، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ، فالآن باشروهن وابتغوا ماكتب الله لكم وكلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " ، وانظر معي لرحمة الله تعالي بالمسلم فهو سبحانه علم أن بعض المسلمين كانوا يجامعون زوجاتهم في الليل وكان ذلك ممنوعاً ومحرماً عليهم فنسخ ذلك الحكم الصعب الشديد علي الناس وأباح سبحانه الرحيم للمسلمين جماع زوجاتهم حتي طلوع الفجر ، وأنت تقرأ النص القرآني تشعر بالتفضل الإلهي العظيم علي خلقه ، فكأن المسلمين كانوا في عنت شديد من هذه الأحكام القاسية فإذا بالله الرحيم ييسر عليهم ويسهل لهم ويحببهم لشرعه ويبسط يده بالرحمة عليهم بفتح أبوابه السعة والتيسير عليهم . وفي الآيات رخص للمسافر أن يفطر ويقضي وللمريض كذلك وللمرأة النفساء والحامل وأظن أن باب الرخصة هو من أوسع الأبواب في كتاب الصيام في الفقه بحيث لا تجد باباً يماثله في ذلك علي الإطلاق – هكذا أشعر من سياق التشريع والتيسير الإسلامي . ومن المثير أن الناس تشدد علي نفسها وييسر الشارع عليهم فبعض الناس لما علموا أن النبي يصبح جنبا ويفطر قالوا إنك لست مثلنا .. فغضب النبي صلي الله عليه وسلم . ويذكر " الموطأ " الرخصة في القبلة للصائم ، وفي عام الفتح حين خرج النبي صلي الله عليه وسلم إلي مكة وفي بعض الروايات " يصب الماء علي رأسه من العطش أو الحر " وذلك لنتخيل كيف كان المناخ الصعب فلما بلغ مكاناً اسمه الكديد " وعلم أن الناس تصوم بسبب صومه أفطر وأمرهم بالفطر . فعالم الشهر الكريم فيه معني قول الله تعالي " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "، والتيسير في العلاقات الاجتماعية والإنسانية بحيث ما وجد الناس باباً من اليسر حتي طرقوه ، فكما يسر الله عليهم ورفق بهم في التشريع فعليهم التيسير علي بعضهم بعضاَ في الصفح والعفو والانتظار في الدين والصدقة والتراحم . فشهر رمضان هو علامة اليسر في التشريع والتيسير في العلاقات الاجتماعية بين الناس . [email protected]