محمود سامى حسن حسين بن عبد الله البارودي، رائد مدرسة البعث والإحياء فى الشعر العربى الحديث الذى جدّد فى القصيدة العربية شكلاً ومضموناً، وأحد زعماء الثورة العرابية، تولى وزارة الحربية، ثم رئاسة الوزراء باختيار الثوار له. ولد فى مثل هذا اليوم عام 1839 بدمنهور، لأبوين من أصل شركسى، وكان أجداده ملتزمى إقطاعية إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، ويجمع الضرائب من أهلها، فنشأ فى أسرة على قدر من الثراء والسلطان، فأبوه كان ضابطًا فى الجيش المصرى برتبة لواء، وعُين مديرًا لمدينتى بربر ودنقلة فى السودان، ومات هناك، وكان محمود سامى حينئذ فى السابعة من عمره. تلقى البارودى دروسه الأولى فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئا من الفقه والتاريخ والحساب، حتى أتم دراسته الابتدائية عام 1851، ثم انضم وهو فى الثانية عشرة من عمره إلى المدرسة الحربية سنة 1852م، فالتحق بالمرحلة التجهيزية من المدرسة الحربية المفروزة وانتظم فيها يدرس فنون الحرب، وعلوم الدين واللغة والحساب، وبدأ يظهر شغفًا بالشعر العربى وشعرائه الفحول، حتى تخرج فى المدرسة المفروزة عام 1855 برتبة "باشجاويش" ولم يستطع استكمال دراسته العليا، والتحق بالجيش السلطاني. عمل بعد ذلك بوزارة الخارجية، وسافر إلى الآستانة عام 1857، وتمكن فى أثناء إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، وأعانته إجادته للغتين التركية والقارسية على الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية، وظل هناك نحو سبع سنوات، ولما سافر الخديوى إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة، ألحق البارودى بحاشيته، فعاد إلى مصر عام 1863، وعينه الخديوى معينا لأحمد خيرى باشا فى إدارة المكتبات بين مصر والآستانة. ضاق البارودى برتابة العمل الديوانى وحنّ إلى حياة الجندية، فنجح بعد شهور فى الانتقال من معية الخديوى إلى الجيش برتبة بكباشى، وأُلحقَ بآلاى الحرس الخديوى، وعين قائدًا لكتيبتين من فرسانه، وأثبت كفاءة عالية فى عمله. فى أثناء ذلك اشترك فى الحملة العسكرية التى خرجت سنة 1865لمساندة الجيش العثمانى فى إخماد الفتنة التى نشبت فى جزيرة كريت، واستمر فى تلك المهمة لمدة عامين أبلى البارودى فيها بلاء حسنًا، وقد جرى الشعر على لسانه يتغنى ببلده الذى فارقه، ويصف جانبًا من الحرب التى خاض غمارها. بعد عودة البارودى من حرب كريت تم نقله إلى المعية الخديوية ياور خاصًا للخديوى إسماعيل، وقد ظل فى هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولى العهد (توفيق ابن إسماعيل) ومكث فى منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوى إسماعيل كاتبًا لسره (سكرتيرًا)، ثم ترك منصبه فى القصر وعاد إلى الجيش. ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر فى حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودى ضمن قواد الحملة الضخمة التى بعثتها مصر، ونزلت الحملة فى "وارنة" أحد ثغور البحر الأسود، وحاربت فى أوكرانيا ببسالة وشجاعة، غير أن الهزيمة لحقت بالعثمانيين، وألجأتهم إلى عقد معاهدة "سان استفانو" عام 1878م، وعادت الحملة إلى مصر، وكان الإنعام على البارودى برتبة "لواء" والوسام المجيدى من الدرجة الثالثة، ونيشان الشرف، لِمَا قدمه من ضروب الشجاعة وألوان البطولة. كان أحد أبطال ثورة عام 1881 الشهيرة ضد الخديوى توفيق، بالاشتراك مع أحمد عرابى، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية فى 4 فبراير عام 1882م، بعد سلسلة من أعمال الكفاح والنضال ضد فساد الحكم، وضد الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 188، قررت السلطات الحاكمة نفيه مع زعماء الثورة العرابية فى 3 ديسمبر 1882، إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا). ظل فى المنفى بمدينة كولومبو أكثر من سبعة عشر عاماً يعانى الوحدة والمرض والغربة عن وطنه، فسجّل كل ذلك فى شعره النابع من ألمه وحنينه. وفى المنفى شغل البارودى نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر فى مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام، وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التى يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثى من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه فى المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره فتقرر عودته إلى وطنه مصر للعلاج، فعاد إلى مصر فى 12 سبتمبر 1899م. بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسى، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقى وحافظ ومطران، وإسماعيل صبرى، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الأحياء". وتوفى البارودى قى 12 ديسمبر سنة 1904م بعد سلسلة من الكفاح والنضال من أجل استقلال مصر وحريتها وعزتها.