الحب هو المادة الفعالة فى الحياة، والتى تجعل الناس تتقارب وتتعاون وتعمر الدنيا، وبدونه تتضاعف المصاعب ويسود العنف والفوضى، يترحم الجميع على الأيام الخوالى التى كان فيها الناس طيبين متحابين متراحمين وكأنهم يستسلمون تمامًا لفكرة أن هذا الماضى السعيد لن يعود يومًا. خطورة فكرة أنه (لم يعد بيننا مكان للحب)، أنها تنشر المزيد من الجفاء والجفاف فى التعامل، حتى أن علاقة حميمة مثل الزواج لم تعد مبنية على الحب، وأكثر ما يدهشنى أن أسمع للشباب الصغير المقبل على الزواج أنه يريد اختيار نصفه الآخر طبقًا لمواصفات معينة ليس من بينها الحب، وهذا ينطبق على الفتيات أيضًا وإن كان بنسبة أقل. الحب شعور إنسانى سيظل موجودًا طالما هناك بشر يتنفسون ويتعايشون على هذه الأرض، وليس صحيحًا بالمرة تلك الفكرة القاتلة أنه شعور غائب أو لا وجود له، هذه الفكرة تمهيد للعنف بكل أشكاله سواء المعنوى أو المادى، وهذه الفكرة هى الأساس النفسى لانتشار مشاعر الكره والتباغض والتربص والانقسام وانتشار أعمال العنف والبلطجة.. ربما يتحمل الإعلام نصيبًا وافرًا من المسئولية عن نشر ثقافة الكره عبر دراما العنف وبرامج التوك شو التى تتحول لحلبة مصارعة يخرج منها الطرفان وقد تم تمزيقهما تمزيقًا، حتى مسلسلات وأفلام وقصص الحب لابد أن يثبت فى آخرها أن من كان يتظاهر بالحب هو فى الحقيقة مخادع يريد الانتقام أو طامع أو عميل، ويتباهى الصبية والفتيات بقولهم (لا تصدق أن هناك حبًا، كله غش ومصلحة). الأمل دائمًا فى الشباب من الجنسين، وإليهم أوجه كلامى، هناك شعور رائع اسمه الحب لا تحرم نفسك منه ولا تمضى فى طريق التشاؤم المريض، بل اجعل التفاؤل والأمل هو مصباح حياتك وامنح حبًا تحصده، واعلم أن مشاعر الطيبة والمحبة والنية الحسنة بداخلك ليست غفلة وقلة حيلة بل هى ثروتك النفسية الحقيقية التى ستشع بخيرها ونورها على كل من يتعامل معك فتجذبه لك جذبًا، كل الناس متعطشة لمعانى الحب الجميلة وتلتف دائمًا حول من يمنحها ذلك الأمل فى خيرية الإنسان، ويؤكد لها أن الدنيا بخير. هناك عوائق فى طريقك للحب الناجح والحقيقى، أولها: أنه ليس للحبيب مواصفات، إذ يكفى التناسب والتكافؤ فلا يشترط الجمال والذكاء والمال وغيرها من الصفات الجذابة، إذ يكفى أن يكون مناسبًا لك فأنت لن تدخل فى سباق بل يكفيك قدرًا مناسبًا ومكافئًا لطبيعتك وشخصيتك وظروفك فلا تخجل إذا أحببت فتاة ليست جميلة، ولا تتحرجى من أن ترتبطى بشاب فقير، فليست هناك مواصفات خاصة فقط يكفى التكافؤ والارتياح، وهذه الصفات الجذابة هى صفات تكميلية وليست أساسية، كما أن استمرار وجودها على مر الزمن ليس مضمونًا، وفى النهاية أنت تتزوج روح وجوهر. الأمر الثانى: أن الحب ليس شعورًا يهبط عليك فيسحرك، وليس صاعقة جاذبية بل غالبًا هذا النوع هو إعجاب أو انبهار بصفات شكلية زائلة وليس حبًا، الحب الذى يؤسس عليه الزواج ويدوم بعده هو عمل واجتهاد واهتمام مثل كل أمر هام فى حياتنا مثل الوظيفة والرياضة والتربية، كلها أمور تحتاج منا بذل الجهد وليس مجرد الانتظار السلبى كى تحدث معجزة.. فإذا تم الزواج بين شاب وفتاة بينهما تكافؤ وارتياح وبرضا الأهل ومباركتهم، يكون على طرفى العلاقة بذل المزيد من الجهد لزرع الحب فى حياتهما وذلك عن طريق أولاً: الكف عن رصد عيوب الطرف الآخر وانتقاده فهذا العمل يزرع الكره، ويطرد الحب من القلب، وثانيًا: تحسين النية وبذل كل ما يمكن أن يريح الآخر ويسعده. الحب هو التخلى عن الأنانية، ولذلك تزداد صعوبة التكيف كلما ارتفع سن الزوجان، لاعتيادهما على العيش باستقلالية شديدة، فهو يأخذ قراراته بإرادته المنفردة وينظم وقته ويتصرف فى ماله كما يحلو له، ولذلك بعد الزواج علينا الانتقال لنظام جديد ليس هو سيطرة طرف على الآخر وإلغاء وجوده، أبدًا فهذا الأسلوب الصراعى من سلوكيات الكره ولا يحقق السعادة، ولكن النظام الملائم للزواج هو الاعتماد المتبادل بلا حساسية ولا تفضل، فرغم أن الزوجة اختارت العناية بالمنزل إلا أنها فى بعض المواقف تحتاج مساعدة الزوج بلا أى حساسية من جهته، وإذا كان الزوج هو الذى ينفق على الأسرة فلا داعى أن يصاحب ذلك مَنٌّ ولا تقطير. الحب هو أن ينجح الزوجان فى تكوين جبهة واحدة، وفريق عمل متكامل تغذيه مشاعر المودة المتبادلة، والتعاون الكامل لإنجاح هذا الفريق، ونسج خيوطه فى سبيكة واحدة، وهذا الفريق المتحاب المتجانس يمكنه مواجهة العالم كله بثبات ونجاح. إذا أردت الزواج الناجح السعيد ارتبط بالشخص المناسب وليس المميز، وأحبه كما هو حبًا غير مشروط، وانسج معه خلية العسل الخاصة بكما، والقائمة على الدعم والمساندة المتبادلة، ثم انعم بعد ذلك برحيق الحب مدى الحياة.