روى الإمام أحمد فى مسنده عن حُمَيد بن عبد الرحمن أنه رأى معاوية يخطب على المنبر، وفى يده قصَّة من شَعْر، قال: فسمعته يقول: أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ سمعت رسول الله يَنهى عن مثل هذه، وقال: «إنما عُذِّب بنو إسرائيل حين اتَّخذتْ هذه نساؤهم». هذا الموقف من أمير المؤمنين له بعض الدلالات؛ منها: أولاً: على أهل العلم والدعاة أن يعرفوا مكانهم من الأمة، وأن يكونوا على ذُكْر دائمًا أنهم قلب الأمة النابض وعقلها المفكِّر، وأنهم إذا غفلوا غفلت الأمة، وإن تكاسَلوا عمَّت الذنوب والفواحش والأخطاء، وإن تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - ولو كان فى دقائق الأمور- ضربتهم الفتن والمحن؛ قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]، وعليهم كذلك أن يتورعوا عن مماراة السفهاء، ومجاراة البطَّالين، وأن يترفعوا عن مجادلة الجهلة والفارغين والتافهين. ثانيًا: على الأمة أن تقدِّر علماءها، وأن تَعرِف لهم مكانتهم وقيمتهم، وأول من يجب عليه تقدير أهل العلم هم الحكَّام؛ لأنهم عماد الأمم، وفى الغالب العامة لهم تبع، والناس كثيرًا ما يَقتدون بهم، فعليهم أن يقدِّموا أهل والفضل والصلاح - كلٌّ فى مجاله - يستمعون لهم، ويَنتصِحون بنصيحتهم، ويأتمرون بأمرهم، ما داموا ينصحونهم بالحجَّة والمَنطِق والبرهان، ويَدلُّونهم على خيرَى الدنيا والآخِرة، ويُبيِّنون لهم مواضِع الخطأ وسبُل العلاج. وعلى جماهير الأمة أن يوقِّروا علماءهم وأن يعرفوا لهم قدرهم، ف«ليس منا مَن لم يُجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالِمنا حقَّه»، وألا يَسيروا خلْف كل زاعِق وناعق، وكل نُخبَوى خاوٍ مِن الفكْر إلا مِن الشُّذوذ. العلماء أمَنة الأمة فإذا أعرضْنا عنهم وولَّينا لهم ظهورنا ووسَّدنا أمورنا إلى مَن لا يَستحقُّها وإلى مَن ليس أهلاً لها وإلى حفْنة فاسِدة مِن النُّخبة الهلاميَّة البائسة فلا نلوم إلا أنفسنا. [email protected]