«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا كُلّ الناس ... فرّوا إلى الله
نشر في مصر الجديدة يوم 06 - 09 - 2012


فضيلة المرشد العام ل"الإخوان المسلمون"
رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه، وبعد،
فإن كل إنسان عاقل يدرك أنه مؤقت فى هذا الوجود، له بداية معلومة ونهايةٌ محتومة، فهو يسعى بين بدايته ونهايته، شاء ذلك أم أبى... أطاع أم عصى، والمؤمنون وحدهم هم الذين يدركون غاية وجودهم والهدف الأسمى من حياتهم ورسالتهم التى من أجلها خُلِقوا؛ لأنهم يوقنون بكلام خالقهم الذى أنزله فى كتبه السماوية، وبعث به أنبياءه المرسلين على مدار التاريخ والزمان... فقد عرفوا حقيقتهم حين أخبر مولاهم الملائكة قبل بدء الخليقة {إنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، فالإنسان خُلِق ليكون خليفةّ فى الأرض؛ بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عمارة للأرض وسعىٍ فيها ونهوضٍ بها وإثراءٍ للحياة {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
وهو يدرك– بإخبار ربه جل وعلا– أنه مخلوق مُكرّمٌ مُعَلّم، أسجد الله له الملائكة، وسخر له كل قوى الكون وعلمه ما لم يكن يعلم {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، {وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَوَاتِ ومَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [الجاثية: 13]، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31].
وأن الإنسان يتبوأ تلك المنزلة العالية إذا حقق العبودية لله بالتزام تعاليم السماء واتباع منهج الله {ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، {واللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء: 27-28)، حينئذ سيكون عبدًا لله.. سيدًا للكون بلا منازع، وأن هذه المكانة الممنوحة له من الله كانت سببًا فى حسد إبليس اللعين عليه... إبليس وذريته من شياطين الجن وأتباعهم من شياطين الإنس يحاولون نسف إيمان المؤمن؛ كى يكون معهم فى عذاب السعير {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
وقد أخبرنا الحق– جل وعلا– أنّ الذى أخرج أبوينا من الجنة هو إغواء الشيطان اللعين، بعدما عاشا فترة فى الجنة، فى رغدٍ وطيب عيش، حيث تتوفر كل متطلبات الحياة {إنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا ولا تَعْرَى * وأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا ولا تَضْحَى} [طه: 118-119]، لكن وسوسة الشيطان اللعين أغرت الإنسان بعصيان أمر الله {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف35]، كل شىء مباح إلا شجرة واحدة... زين الشيطان للإنسان أنها أعظم شجرة {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ ومُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه: 120]، { وقَاسَمَهُمَا إنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]، { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36]، ومن وقتها والصراع قائم بين بنى الإنسان وإغراء الشيطان اللعين وحزبه، وأصبحت الأرض كلها مسرحًا للصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الهداية والضلال، بين الاستقامة والانحراف { لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [الأنفال: 37]، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].
حين يدرك الإنسان هذه الحقائق، ويدرك معها أن عمره محدود... سيسرع فى العمل والانطلاق والتحرر من أغلال العبودية لغير الله، يسرع السعى إلى غاية محددة وهدف واضح؛ رضوان الله تعالى فى الدنيا وجنته الخالدة الواسعة فى الآخرة {وسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ والأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وحين تعتريه العقبات ويقف الشيطان وأعوانه يحاولون إغراءه بالمتاع العاجل والشهوات المشتعلة، سيدرك بتوفيق الله أن اتباع الشهوات الزائلة الفانية تمنعه من خيرٍ دائم خالد، لا يُنال بمعصية أبدًا { يَا بَنِى آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
لو علم الإنسان وأدرك أن الشيطان عدو لدود له ولذريته، يريد أن يحرمه خيرى الدنيا والآخرة {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر6]، وأنَّ أعوان الشيطان يكرهون له الهداية والاستقامة {ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، حينئذ سيأخذ الحذر منه ومن جنوده، وسيشمر عن ساعديه، ويسرع الخطا وينطلق فى سبيل الله ابتغاء مرضاته وفرارًا من إغواء الشيطان وحزبه {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ إنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: 50]، {وفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} [الصافات: 61].
وقد تعترى الإنسان لحظات ضعف وفتور، يغفل فيها عن الله، وتنقطع صلته بخالقه ومولاه، فيتبع شهواته وينقاد لهواه، حينئذ تغتاله الشياطين وتسيطر عليه، وتنحدر به فى دروب الهلاك {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وللأسف الشديد حين يوقعه الشيطان اللعين فى المعصية والغفلة والانحراف، يزيد على ذلك فيدفعه إلى اليأس من رحمة الله ومغفرته وتوبته، كى يمنعه من النهوض بعد كبوته؛ مخافة أن ينجو بالتوبة والاستغفار والإنابة، كما نجا أبوه آدم من قبل {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة37].
فالشيطان اللعين يغرى الإنسان بالمعصية ويزينها له حتى يوقعه فيها، ثم إذا ارتكبها يضخمها فى نفسه حتى يدفعه لليأس من غفرانها، بل يفضحه وهو يرتكبها حتى تنهار نفسه فلا يتطلع للنجاة، الله تعالى من رحمته بخلقه يسترك وأنت تعصيه... والشيطان اللعين يفضحك وأنت تطيعه كى يقطع عليك سبيل التوبة والاستغفار... ثم يتبرأ منك بعد ذلك {قَالَ إنِّى بَرِىءٌ مِّنكَ إنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ} [الحشر: 16].
هنا يأتى النداء الجليل، من الرحمن الرحيم {قُلْ يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، فالمطلوب أولًا حالة نفسية بعدم اليأس أو القنوط لأن رحمة الله واسعة تسع كل مخلوقاته "لو خلقتموهم لرحمتموهم"، ثم بعد ذلك إقبال وعودة إلى الله تعالى وإسلام الوجه له {وأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، ثم تصحيح للمسار باتباع منهج الله وتنفيذ شرعه واتباع تعاليمه {واتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].
ما ينطبق على الناس فرادى ينطبق على الجماعات والشعوب والأمم؛ إذا ذَهلَتْ عن الله وخَالَفتْ منهاجه وأهملت شرائعه فاتبعت الشهوات وارتكبت المظالم وصدرت التافهين واضطهدت الدعاة والمصلحين... تهوى هذه الأمم إلى مهاوى التخلف والضياع {وإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]، {واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِى ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإلَى المَصِير} [الأنبياء: 48].
لكن أتباع الحق لا ييأسون، يبدأون هم بإصلاح أنفسهم أولًا بالتوبة والإنابة إلى الله، ثم يدعون شعوبهم كى يتوبوا عن المعاصى والمهلكات ويعودوا إلى منهج الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويواجهون فى سبيل هذه الدعوة كل أنواع العنت والاضطهاد من الظالمين المستفيدين من ضلال الناس وانحرافاتهم {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَهَا عِوَجًا وهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 45]، ثم من دعاة الضلال والانحراف والشهوات {ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27]، وأخيرًا من بعض عامة الناس الذين ألِفوا الخنوع والذل والهوان {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54].
ثم يأتى التحدى لإصلاح الأرض بعد إفسادها، ويظهر المثبطون والساخرون فلا نملك أمامهم إلا الثبات والصمود واليقين (وإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأعراف: 164)، {إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلا القَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
إننا مطالبون بالعمل وبذل الجهد والمسارعة فى الخيرات والتسابق لتحقيق الآمال، ولسنا مطالبين بالنتائج، نحن مطالبون بالعمل وإحسان العمل وإخلاص النية فى العمل وإحسان العمل، والنتائج على الله تعالى وحده {تُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
سننهض بأمتنا ونحطم كل القيود التى كبلتنا وأعاقتنا عن التقدم والانطلاق، وسنفجّر ينابيع الخير فى كل جنبات الوطن، موقنين بفضل الله الواسع وقدرته المطلقة {ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ} [الأعراف: 65] {وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن:16]، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * ويُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ ويَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].
وسننطلق– بإذن الله وحوله وقوته– لمناصرة المستضعفين فى الأرض، وإحقاق الحق والعدل، وتحرير مقدساتنا مهما تطاول الأعداء واستوطنوا وغيروا وبدلوا وهدموا وحرَّقوا وهوَّدوا، موقنين بوعد الله لعباده المخلصين المجاهدين، التائبين العابدين الحامدين {فَإذَا جَاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء7]، {وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6].
توبةً إلى الله... فرارًا إلى الله... فُرادى وجماعات... شعوبًا وحكومات.
عودةً إلى منهجه وشريعته وقوانينه، وتذكروا يا أيها الناس- يا كل الناس- أن الله خاطبكم وأنتم فى الأصلاب والترائب (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وقلتم جميعا (بَلَى شَهِدْنَا)، وتذكروا أن الله عندما خلق فينا التنوع فى الشعوب والقبائل والألوان والألسنة واللغات واللهجات إنما لنتعارف ونتكامل وليس لنتقاتل ونتسارع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
هيا لنعيد للبشرية جمعاء سلامها وسعادتها بالقيم والفضائل والحق والعدل ومكارم الأخلاق التى هى هى الوصايا العشر فى رسالات السماء (إنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى) (الأعلى: 18-19)، واحذروا هذا التهديد الإلهى الخطير فى آخر آية نزلت من القرآن الكريم وفى ختام وحى السماء للبشرية جمعاء (واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281).

ألا هل بلغت اللهم فاشهد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.