وزير الدفاع خلال تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالمنطقة الغربية العسكرية: القوات المسلحة قادرة على حماية الوطن وصون مقدراته    بنين تعتمد تعديلات دستورية تشمل إنشاء مجلس الشيوخ وتمديد الولاية الرئاسية    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    ارتفاع سعر الريال السعودي في بداية التعاملات اليوم 16 نوفمبر 2025    أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    وزير التموين: احتياطي السلع الاستراتيجية آمن ويجاوز معدلات العام الماضي    وزير الري: التوسع في معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي    أستراليا ترحب بقرار ترامب إلغاء الرسوم الجمركية على لحوم البقر    اتصالات لوزير الخارجية بشأن الملف النووي الإيراني    الرئيس السيسى: قارتنا الإفريقية فى مقدمة المتأثرين من الظروف الدولية المحيطة    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 57 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى المرج    وزير الثقافة يزور طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا للاطمئنان على حالتهم    المديريات التعليمية تبدأ الاستعداد لاختبارات شهر نوفمبر لصفوف النقل    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 3 أجانب خارج مصر    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الثقافة يزور طلاب أسوان المصابين فى حادث طريق إسنا.. صور    طبيبة توضح القاعدة الذهيبة لتوقيت وجبة العشاء قبل النوم    متحدث "الصحة" يكشف تفاصيل إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية    البث المباشر لمباراة نيجيريا والكونغو الديمقراطية.. قمة نارية لحسم بطاقة الملحق العالمي لمونديال 2026    الأرصاد الجوية : الطقس اليوم مائل للبرودة وشبورة وأمطار والعظمى بالقاهرة 25 والصغرى 17    ضبط شخصين تعديا بالضرب بالشوم على شاب في الشارع بالمنيا    متي ينضم محمد صلاح لمعسكر الفراعنة قبل أمم أفريقيا ؟ ليفربول يحدد الموعد    اليوم .. بدء القيد بالنقابة العامة لأطباء الأسنان لخريجى الكليات دفعة 2024    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    فرص عمل فى مشروع الضبعة النووية بمرتبات تصل ل45 ألف جنيه    «حماة الوطن» يعقد مؤتمرًا حاشدًا بالإسماعيلية لدعم مرشحيه    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    تنفيذ مداهمات ضد الهجرة غير الشرعية في مدينة شارلوت الأمريكية    القصة أخدت بُعد ديني، حفل محمد عبد الجبار في ذي قار يثير جدلا بالعراق (فيديو)    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    استقرار أسعار اللحوم في الأسواق المصرية اليوم الأحد    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بسبب معاكسة فتاة.. حبس 6 أشخاص في مشاجرة بالمطرية    حبس المتهم بسرقة المتاجر في النزهة    وزير الصحة ينفي شائعات نقص الأنسولين: لدينا 3 مصانع واحتياطي استراتيجي يكفي 4 أشهر    أدم محمد صبري: والدي رفض دخولنا نادي الزمالك ب "الواسطة".. وهذه وصيته لنا    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    يومًا للتضامن.. شهادات صادمة تكشف حجم الانتهاكات في الفاشر    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    أهلي جدة يبدأ خطوات الحفاظ على ميندي وتجديد العقد    فيران توريس بعد دخوله نادي العظماء: الطموح لا يتوقف مع الماتادور    عمرو أديب بعد حادث أحمد سعد: واخد عين.. حوادثنا قاتلة رغم الطفرة غير الطبيعية في الطرق    المستشار ضياء الغمرى يحتفل بحفل زفاف نجله محمد علي الدكتورة ندى    "ضد الإبادة".. ظهور حمدان والنبريص والدباغ في خسارة فلسطين أمام الباسك    تريزيجيه: اتخذت قرار العودة للأهلي في قمة مستواي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    مؤتمر جماهيري حاشد ل"الجبهة الوطنية " غدا بستاد القاهرة لدعم مرشحيه بانتخابات النواب    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا كُلّ الناس ... فرّوا إلى الله
نشر في مصر الجديدة يوم 06 - 09 - 2012


فضيلة المرشد العام ل"الإخوان المسلمون"
رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه، وبعد،
فإن كل إنسان عاقل يدرك أنه مؤقت فى هذا الوجود، له بداية معلومة ونهايةٌ محتومة، فهو يسعى بين بدايته ونهايته، شاء ذلك أم أبى... أطاع أم عصى، والمؤمنون وحدهم هم الذين يدركون غاية وجودهم والهدف الأسمى من حياتهم ورسالتهم التى من أجلها خُلِقوا؛ لأنهم يوقنون بكلام خالقهم الذى أنزله فى كتبه السماوية، وبعث به أنبياءه المرسلين على مدار التاريخ والزمان... فقد عرفوا حقيقتهم حين أخبر مولاهم الملائكة قبل بدء الخليقة {إنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، فالإنسان خُلِق ليكون خليفةّ فى الأرض؛ بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عمارة للأرض وسعىٍ فيها ونهوضٍ بها وإثراءٍ للحياة {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
وهو يدرك– بإخبار ربه جل وعلا– أنه مخلوق مُكرّمٌ مُعَلّم، أسجد الله له الملائكة، وسخر له كل قوى الكون وعلمه ما لم يكن يعلم {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، {وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَوَاتِ ومَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [الجاثية: 13]، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31].
وأن الإنسان يتبوأ تلك المنزلة العالية إذا حقق العبودية لله بالتزام تعاليم السماء واتباع منهج الله {ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، {واللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء: 27-28)، حينئذ سيكون عبدًا لله.. سيدًا للكون بلا منازع، وأن هذه المكانة الممنوحة له من الله كانت سببًا فى حسد إبليس اللعين عليه... إبليس وذريته من شياطين الجن وأتباعهم من شياطين الإنس يحاولون نسف إيمان المؤمن؛ كى يكون معهم فى عذاب السعير {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
وقد أخبرنا الحق– جل وعلا– أنّ الذى أخرج أبوينا من الجنة هو إغواء الشيطان اللعين، بعدما عاشا فترة فى الجنة، فى رغدٍ وطيب عيش، حيث تتوفر كل متطلبات الحياة {إنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا ولا تَعْرَى * وأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا ولا تَضْحَى} [طه: 118-119]، لكن وسوسة الشيطان اللعين أغرت الإنسان بعصيان أمر الله {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف35]، كل شىء مباح إلا شجرة واحدة... زين الشيطان للإنسان أنها أعظم شجرة {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ ومُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه: 120]، { وقَاسَمَهُمَا إنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]، { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36]، ومن وقتها والصراع قائم بين بنى الإنسان وإغراء الشيطان اللعين وحزبه، وأصبحت الأرض كلها مسرحًا للصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الهداية والضلال، بين الاستقامة والانحراف { لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [الأنفال: 37]، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].
حين يدرك الإنسان هذه الحقائق، ويدرك معها أن عمره محدود... سيسرع فى العمل والانطلاق والتحرر من أغلال العبودية لغير الله، يسرع السعى إلى غاية محددة وهدف واضح؛ رضوان الله تعالى فى الدنيا وجنته الخالدة الواسعة فى الآخرة {وسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ والأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وحين تعتريه العقبات ويقف الشيطان وأعوانه يحاولون إغراءه بالمتاع العاجل والشهوات المشتعلة، سيدرك بتوفيق الله أن اتباع الشهوات الزائلة الفانية تمنعه من خيرٍ دائم خالد، لا يُنال بمعصية أبدًا { يَا بَنِى آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
لو علم الإنسان وأدرك أن الشيطان عدو لدود له ولذريته، يريد أن يحرمه خيرى الدنيا والآخرة {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر6]، وأنَّ أعوان الشيطان يكرهون له الهداية والاستقامة {ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، حينئذ سيأخذ الحذر منه ومن جنوده، وسيشمر عن ساعديه، ويسرع الخطا وينطلق فى سبيل الله ابتغاء مرضاته وفرارًا من إغواء الشيطان وحزبه {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ إنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: 50]، {وفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} [الصافات: 61].
وقد تعترى الإنسان لحظات ضعف وفتور، يغفل فيها عن الله، وتنقطع صلته بخالقه ومولاه، فيتبع شهواته وينقاد لهواه، حينئذ تغتاله الشياطين وتسيطر عليه، وتنحدر به فى دروب الهلاك {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وللأسف الشديد حين يوقعه الشيطان اللعين فى المعصية والغفلة والانحراف، يزيد على ذلك فيدفعه إلى اليأس من رحمة الله ومغفرته وتوبته، كى يمنعه من النهوض بعد كبوته؛ مخافة أن ينجو بالتوبة والاستغفار والإنابة، كما نجا أبوه آدم من قبل {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة37].
فالشيطان اللعين يغرى الإنسان بالمعصية ويزينها له حتى يوقعه فيها، ثم إذا ارتكبها يضخمها فى نفسه حتى يدفعه لليأس من غفرانها، بل يفضحه وهو يرتكبها حتى تنهار نفسه فلا يتطلع للنجاة، الله تعالى من رحمته بخلقه يسترك وأنت تعصيه... والشيطان اللعين يفضحك وأنت تطيعه كى يقطع عليك سبيل التوبة والاستغفار... ثم يتبرأ منك بعد ذلك {قَالَ إنِّى بَرِىءٌ مِّنكَ إنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ} [الحشر: 16].
هنا يأتى النداء الجليل، من الرحمن الرحيم {قُلْ يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، فالمطلوب أولًا حالة نفسية بعدم اليأس أو القنوط لأن رحمة الله واسعة تسع كل مخلوقاته "لو خلقتموهم لرحمتموهم"، ثم بعد ذلك إقبال وعودة إلى الله تعالى وإسلام الوجه له {وأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، ثم تصحيح للمسار باتباع منهج الله وتنفيذ شرعه واتباع تعاليمه {واتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].
ما ينطبق على الناس فرادى ينطبق على الجماعات والشعوب والأمم؛ إذا ذَهلَتْ عن الله وخَالَفتْ منهاجه وأهملت شرائعه فاتبعت الشهوات وارتكبت المظالم وصدرت التافهين واضطهدت الدعاة والمصلحين... تهوى هذه الأمم إلى مهاوى التخلف والضياع {وإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]، {واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِى ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإلَى المَصِير} [الأنبياء: 48].
لكن أتباع الحق لا ييأسون، يبدأون هم بإصلاح أنفسهم أولًا بالتوبة والإنابة إلى الله، ثم يدعون شعوبهم كى يتوبوا عن المعاصى والمهلكات ويعودوا إلى منهج الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويواجهون فى سبيل هذه الدعوة كل أنواع العنت والاضطهاد من الظالمين المستفيدين من ضلال الناس وانحرافاتهم {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَهَا عِوَجًا وهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 45]، ثم من دعاة الضلال والانحراف والشهوات {ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27]، وأخيرًا من بعض عامة الناس الذين ألِفوا الخنوع والذل والهوان {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54].
ثم يأتى التحدى لإصلاح الأرض بعد إفسادها، ويظهر المثبطون والساخرون فلا نملك أمامهم إلا الثبات والصمود واليقين (وإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأعراف: 164)، {إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلا القَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
إننا مطالبون بالعمل وبذل الجهد والمسارعة فى الخيرات والتسابق لتحقيق الآمال، ولسنا مطالبين بالنتائج، نحن مطالبون بالعمل وإحسان العمل وإخلاص النية فى العمل وإحسان العمل، والنتائج على الله تعالى وحده {تُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
سننهض بأمتنا ونحطم كل القيود التى كبلتنا وأعاقتنا عن التقدم والانطلاق، وسنفجّر ينابيع الخير فى كل جنبات الوطن، موقنين بفضل الله الواسع وقدرته المطلقة {ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ} [الأعراف: 65] {وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن:16]، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * ويُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ ويَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].
وسننطلق– بإذن الله وحوله وقوته– لمناصرة المستضعفين فى الأرض، وإحقاق الحق والعدل، وتحرير مقدساتنا مهما تطاول الأعداء واستوطنوا وغيروا وبدلوا وهدموا وحرَّقوا وهوَّدوا، موقنين بوعد الله لعباده المخلصين المجاهدين، التائبين العابدين الحامدين {فَإذَا جَاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء7]، {وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6].
توبةً إلى الله... فرارًا إلى الله... فُرادى وجماعات... شعوبًا وحكومات.
عودةً إلى منهجه وشريعته وقوانينه، وتذكروا يا أيها الناس- يا كل الناس- أن الله خاطبكم وأنتم فى الأصلاب والترائب (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وقلتم جميعا (بَلَى شَهِدْنَا)، وتذكروا أن الله عندما خلق فينا التنوع فى الشعوب والقبائل والألوان والألسنة واللغات واللهجات إنما لنتعارف ونتكامل وليس لنتقاتل ونتسارع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
هيا لنعيد للبشرية جمعاء سلامها وسعادتها بالقيم والفضائل والحق والعدل ومكارم الأخلاق التى هى هى الوصايا العشر فى رسالات السماء (إنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى) (الأعلى: 18-19)، واحذروا هذا التهديد الإلهى الخطير فى آخر آية نزلت من القرآن الكريم وفى ختام وحى السماء للبشرية جمعاء (واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281).

ألا هل بلغت اللهم فاشهد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.