موعد مباراة بايرن ميونخ ضد صنداونز في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    أول تعليق من مدرب فلامنجو بعد الفوز على تشيلسي    الفاصوليا ب80 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية السبت 21 يونيو 2025    بوتين يلتقي أمين عام منظمة «أوبك»    انقطاع المياه اليوم ل12 ساعة عن هذه المناطق    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    سعر السبائك الذهبية اليوم السبت 21 يونيو 2025.. 50 جرام تكسر حاجز ال250 ألف جنيه    نتيجة الشهادة الإعدادية في محافظة كفر الشيخ 2025.. طريقة الاستعلام فور ظهورها    نائب محافظ أصفهان: لم نسجل أي تسربات لمواد خطرة في منطقة أصفهان ولا داعي للقلق    موعد مباراة إنتر ميلان ضد أوراوا ريد دياموندز في كأس العالم للأندية    «الكتاب الإلكتروني».. المتهم الأول في أزمة القراءة    طقس أول أيام الصيف، شديد الحرارة، اضطراب بحركة الملاحة البحرية، واليوم أطول نهار في العام وظل الإنسان أقصر ما يكون    اليوم.. نظر أولى جلسات محاكمة قاتل صديقه فى بولاق الدكرور    «اللاعبون بالبيضة والحجر» في قبضة الأجهزة الأمنية    آسر ياسين.. سفاح السينما والدراما    قواعد ذهبية للحفظ والتخزين| الغذاء والصيف.. كل لقمة بحساب!    سلاح ذو حدين| وراء كل فتنة.. «سوشيال ميديا»    الخريطة الكاملة ل الإجازات الرسمية المتبقية في مصر 2025 بعد إجازة رأس السنة الهجرية    طريقة عمل البليلة باللبن في خطوات بسيطة    «كان في محله بيشتغل».. شهادة جار عن رحيل «رمزي الترزي» في حادث انهيار عقارات حدائق القبة    بعد 20 ساعة من الكارثة.. هل ما زال هناك أحياء تحت أنقاض عقارات حدائق القبة؟    جيش الاحتلال يعتدي ضربا على 6 فلسطينيين بينهم سيدة في الضفة    النائب محمد الفيومي: مشروع قانون الإيجار القديم هو العدالة والرحمة.. وأطمئن المستأجرين بأنه لن يُطرد أحد    روبي تتألق في إطلالة مبهرة قبل صعود حفل افتتاح موازين    ترامب عبر "تروث": سد النهضة الإثيوبي تم تمويله بغباء من الولايات المتحدة    مؤمن سليمان يقود الشرطة للتتويج بالدوري العراقي    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    نائب الرئيس الأمريكى: الوقت بدأ ينفد أمام الحلول الدبلوماسية بشأن إيران    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    «وحش ويستحق الانتقاد».. إسلام الشاطر يشن هجومًا لاذعًا على محمد هاني    ترامب عن سد النهضة: بُني بتمويل غبي من الولايات المتحدة    رغم فوائدها الصحية.. ما هي أبرز الأسباب التي تمنع الولادة الطبيعية؟    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    هنا الزاهد وتامر حسني وزينة يواسون المخرجة سارة وفيق في عزاء والدتها (فيديو)    اليوم.. طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة الكيمياء    منظمة حقوقية تكشف أحدث حصيلة لضحايا إيران من ضربات إسرائيل    الوداد يعلن التعاقد مع السومة    تفاصيل جديدة في واقعة العثور على جثة طبيب داخل شقته بطنطا    وفاة رئيس لجنة امتحانات الثانوية بسوهاج في حادث.. وتحرك عاجل من نقابة المعلمين    تكليف مهم من نقيب المحاميين للنقابات الفرعية بشأن رسوم التقاضي    شاهد.. قناة السويس تنجح فى التعامل مع عطل سفينة 1 RED ZED.. فيديو وصور    الدفاعات الجوية الإيرانية تعترض صواريخ إسرائيلية فوق مدينة مشهد (فيديو)    القنوات الناقلة مباشر لمباراة بايرن ضد بوكا جونيورز في كأس العالم للأندية.. والمعلق    ترامب يمهل إيران أسبوعين للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي    جيش الاحتلال: اعتراض طائرة مسيرة فى شمال إسرائيل تم إطلاقها من إيران    حدث في الفن| القبض على فنانة بتهمة حيازة المخدرات ورقص منى إش إش    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    إيران تمهل "عملاء إسرائيل" حتى الأحد المقبل لتسليم أنفسهم والاستفادة من العفو    بعد زيادته رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 21 يونيو 2025    البيئة: قدم «صون الطبيعة» دعمًا لدول جنوب غرب آسيا ب60 مليون دولار    لأول مرة.. بدء أعمال اللجنة العليا لاختيار عمداء المعاهد العليا |150 معهدًا يقدم ترشيحات العمداء وفقًا للضوابط الجديدة    إنجاز طبي بمستشفى القصاصين.. استئصال ورم بالغدة النكافية بلا مضاعفات    "أعملك إيه حيرتنى".. جمهور استوديو "معكم" يتفاعل مع نجل حسن الأسمر "فيديو"    منها المساعدة في فقدان الوزن.. لماذا يجب اعتماد جوزة الطيب في نظامك الغذائي؟    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا كُلّ الناس ... فرّوا إلى الله
نشر في مصر الجديدة يوم 06 - 09 - 2012


فضيلة المرشد العام ل"الإخوان المسلمون"
رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه، وبعد،
فإن كل إنسان عاقل يدرك أنه مؤقت فى هذا الوجود، له بداية معلومة ونهايةٌ محتومة، فهو يسعى بين بدايته ونهايته، شاء ذلك أم أبى... أطاع أم عصى، والمؤمنون وحدهم هم الذين يدركون غاية وجودهم والهدف الأسمى من حياتهم ورسالتهم التى من أجلها خُلِقوا؛ لأنهم يوقنون بكلام خالقهم الذى أنزله فى كتبه السماوية، وبعث به أنبياءه المرسلين على مدار التاريخ والزمان... فقد عرفوا حقيقتهم حين أخبر مولاهم الملائكة قبل بدء الخليقة {إنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، فالإنسان خُلِق ليكون خليفةّ فى الأرض؛ بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عمارة للأرض وسعىٍ فيها ونهوضٍ بها وإثراءٍ للحياة {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
وهو يدرك– بإخبار ربه جل وعلا– أنه مخلوق مُكرّمٌ مُعَلّم، أسجد الله له الملائكة، وسخر له كل قوى الكون وعلمه ما لم يكن يعلم {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، {وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَوَاتِ ومَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [الجاثية: 13]، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31].
وأن الإنسان يتبوأ تلك المنزلة العالية إذا حقق العبودية لله بالتزام تعاليم السماء واتباع منهج الله {ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، {واللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء: 27-28)، حينئذ سيكون عبدًا لله.. سيدًا للكون بلا منازع، وأن هذه المكانة الممنوحة له من الله كانت سببًا فى حسد إبليس اللعين عليه... إبليس وذريته من شياطين الجن وأتباعهم من شياطين الإنس يحاولون نسف إيمان المؤمن؛ كى يكون معهم فى عذاب السعير {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
وقد أخبرنا الحق– جل وعلا– أنّ الذى أخرج أبوينا من الجنة هو إغواء الشيطان اللعين، بعدما عاشا فترة فى الجنة، فى رغدٍ وطيب عيش، حيث تتوفر كل متطلبات الحياة {إنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا ولا تَعْرَى * وأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا ولا تَضْحَى} [طه: 118-119]، لكن وسوسة الشيطان اللعين أغرت الإنسان بعصيان أمر الله {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف35]، كل شىء مباح إلا شجرة واحدة... زين الشيطان للإنسان أنها أعظم شجرة {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ ومُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه: 120]، { وقَاسَمَهُمَا إنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]، { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36]، ومن وقتها والصراع قائم بين بنى الإنسان وإغراء الشيطان اللعين وحزبه، وأصبحت الأرض كلها مسرحًا للصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الهداية والضلال، بين الاستقامة والانحراف { لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [الأنفال: 37]، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].
حين يدرك الإنسان هذه الحقائق، ويدرك معها أن عمره محدود... سيسرع فى العمل والانطلاق والتحرر من أغلال العبودية لغير الله، يسرع السعى إلى غاية محددة وهدف واضح؛ رضوان الله تعالى فى الدنيا وجنته الخالدة الواسعة فى الآخرة {وسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ والأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وحين تعتريه العقبات ويقف الشيطان وأعوانه يحاولون إغراءه بالمتاع العاجل والشهوات المشتعلة، سيدرك بتوفيق الله أن اتباع الشهوات الزائلة الفانية تمنعه من خيرٍ دائم خالد، لا يُنال بمعصية أبدًا { يَا بَنِى آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
لو علم الإنسان وأدرك أن الشيطان عدو لدود له ولذريته، يريد أن يحرمه خيرى الدنيا والآخرة {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر6]، وأنَّ أعوان الشيطان يكرهون له الهداية والاستقامة {ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، حينئذ سيأخذ الحذر منه ومن جنوده، وسيشمر عن ساعديه، ويسرع الخطا وينطلق فى سبيل الله ابتغاء مرضاته وفرارًا من إغواء الشيطان وحزبه {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ إنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: 50]، {وفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} [الصافات: 61].
وقد تعترى الإنسان لحظات ضعف وفتور، يغفل فيها عن الله، وتنقطع صلته بخالقه ومولاه، فيتبع شهواته وينقاد لهواه، حينئذ تغتاله الشياطين وتسيطر عليه، وتنحدر به فى دروب الهلاك {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وللأسف الشديد حين يوقعه الشيطان اللعين فى المعصية والغفلة والانحراف، يزيد على ذلك فيدفعه إلى اليأس من رحمة الله ومغفرته وتوبته، كى يمنعه من النهوض بعد كبوته؛ مخافة أن ينجو بالتوبة والاستغفار والإنابة، كما نجا أبوه آدم من قبل {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة37].
فالشيطان اللعين يغرى الإنسان بالمعصية ويزينها له حتى يوقعه فيها، ثم إذا ارتكبها يضخمها فى نفسه حتى يدفعه لليأس من غفرانها، بل يفضحه وهو يرتكبها حتى تنهار نفسه فلا يتطلع للنجاة، الله تعالى من رحمته بخلقه يسترك وأنت تعصيه... والشيطان اللعين يفضحك وأنت تطيعه كى يقطع عليك سبيل التوبة والاستغفار... ثم يتبرأ منك بعد ذلك {قَالَ إنِّى بَرِىءٌ مِّنكَ إنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ} [الحشر: 16].
هنا يأتى النداء الجليل، من الرحمن الرحيم {قُلْ يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، فالمطلوب أولًا حالة نفسية بعدم اليأس أو القنوط لأن رحمة الله واسعة تسع كل مخلوقاته "لو خلقتموهم لرحمتموهم"، ثم بعد ذلك إقبال وعودة إلى الله تعالى وإسلام الوجه له {وأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، ثم تصحيح للمسار باتباع منهج الله وتنفيذ شرعه واتباع تعاليمه {واتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].
ما ينطبق على الناس فرادى ينطبق على الجماعات والشعوب والأمم؛ إذا ذَهلَتْ عن الله وخَالَفتْ منهاجه وأهملت شرائعه فاتبعت الشهوات وارتكبت المظالم وصدرت التافهين واضطهدت الدعاة والمصلحين... تهوى هذه الأمم إلى مهاوى التخلف والضياع {وإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]، {واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِى ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإلَى المَصِير} [الأنبياء: 48].
لكن أتباع الحق لا ييأسون، يبدأون هم بإصلاح أنفسهم أولًا بالتوبة والإنابة إلى الله، ثم يدعون شعوبهم كى يتوبوا عن المعاصى والمهلكات ويعودوا إلى منهج الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويواجهون فى سبيل هذه الدعوة كل أنواع العنت والاضطهاد من الظالمين المستفيدين من ضلال الناس وانحرافاتهم {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَهَا عِوَجًا وهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 45]، ثم من دعاة الضلال والانحراف والشهوات {ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27]، وأخيرًا من بعض عامة الناس الذين ألِفوا الخنوع والذل والهوان {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54].
ثم يأتى التحدى لإصلاح الأرض بعد إفسادها، ويظهر المثبطون والساخرون فلا نملك أمامهم إلا الثبات والصمود واليقين (وإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأعراف: 164)، {إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلا القَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
إننا مطالبون بالعمل وبذل الجهد والمسارعة فى الخيرات والتسابق لتحقيق الآمال، ولسنا مطالبين بالنتائج، نحن مطالبون بالعمل وإحسان العمل وإخلاص النية فى العمل وإحسان العمل، والنتائج على الله تعالى وحده {تُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
سننهض بأمتنا ونحطم كل القيود التى كبلتنا وأعاقتنا عن التقدم والانطلاق، وسنفجّر ينابيع الخير فى كل جنبات الوطن، موقنين بفضل الله الواسع وقدرته المطلقة {ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ} [الأعراف: 65] {وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن:16]، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * ويُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ ويَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].
وسننطلق– بإذن الله وحوله وقوته– لمناصرة المستضعفين فى الأرض، وإحقاق الحق والعدل، وتحرير مقدساتنا مهما تطاول الأعداء واستوطنوا وغيروا وبدلوا وهدموا وحرَّقوا وهوَّدوا، موقنين بوعد الله لعباده المخلصين المجاهدين، التائبين العابدين الحامدين {فَإذَا جَاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء7]، {وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6].
توبةً إلى الله... فرارًا إلى الله... فُرادى وجماعات... شعوبًا وحكومات.
عودةً إلى منهجه وشريعته وقوانينه، وتذكروا يا أيها الناس- يا كل الناس- أن الله خاطبكم وأنتم فى الأصلاب والترائب (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وقلتم جميعا (بَلَى شَهِدْنَا)، وتذكروا أن الله عندما خلق فينا التنوع فى الشعوب والقبائل والألوان والألسنة واللغات واللهجات إنما لنتعارف ونتكامل وليس لنتقاتل ونتسارع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
هيا لنعيد للبشرية جمعاء سلامها وسعادتها بالقيم والفضائل والحق والعدل ومكارم الأخلاق التى هى هى الوصايا العشر فى رسالات السماء (إنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى) (الأعلى: 18-19)، واحذروا هذا التهديد الإلهى الخطير فى آخر آية نزلت من القرآن الكريم وفى ختام وحى السماء للبشرية جمعاء (واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281).

ألا هل بلغت اللهم فاشهد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.