الدور الإقليمى هو: النشاط الذى تقوم به دولة ما، باعتبارها مركزًا فى إقليم مع الدول المحيطة بها، وتتسع دائرة الدور الإقليمى كلما زادت طموحاتها أو زادت مخاوفها. ويعبر الدور الإقليمى عن مكانة الدولة الإقليمية، والمكانة تعنى: "القدرة على التأثير فى التفاعلات الإقليمية".. والدور الإقليمى هو أحد أهم مفاتيح فهم السياسات المتصارعة والمتضاربة لمختلف الدول، بل ومفتاح مهم لفهم ما ستؤول إليه الأحوال والظروف. هناك عشر قواعد حاكمة (معادلات ضابطة) لدور مصر الإقليمى وهى: 1- ليس ثمة مكان لنظرية الفراغ فى المحيط الإقليمى، ففى اللحظة التى تغيب فيها مصر أو تُغَيِّب تظهر الدول الطامحة والطامعة لملء الفراغ.. سواء من دول الجوار الإقليمىكإيران وتركيا، أو من حاملة الطائرات الأمريكية المسماة "إسرائيل". 2- إن الدور الإقليمى ليس قدرًا مقدورًا فى كتاب مسطور إنما اختيار من قِبَل القيادة السياسية فى لحظة واعية، يحدد فيها النظام السياسى ماهية المصلحة الوطنية وحدودها وقدرته على القيام بمتطلبات الدور. ذلك أن جوهر مفهوم الدور الإقليمى هو تصور صانع السياسة الخارجية لدور دولته، بالإضافة إلى الدور الذى يؤديه مختلف اللاعبين الدوليين والإقليميين –الأعداء والحلفاء على السواء- فى النسق الدولى. والسياسة الخارجية لدولة ما هى انعكاس لخصائص وطموحات شعب هذه الدولة وفقًا لإدراك السلطة السياسية الحاكمة لما تمثله هذه الخصائص والطموحات ولمفهوم المصلحة الوطنية، الذى هو بدوره يتكون من: إدراك صانع القرار، والدور الرئيسى للدولة، وقدرته على الربط بين المصلحة الوطنية والإقليمية ربطًا منطقيًا ومتسقًا. 3- يستند الدور الإقليمى للدولة إلى عناصر القوة الشاملة: قوة الدولة: "مجتمعًا وأفرادًا"، الصلبة منها والناعمة وتوظيفها بشكل متناغم بما يخدم المصالح الوطنية العليا.. لذا ربما كان الحديث عن عملية إصلاح شاملة فى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مقدمة ضرورية لدور إقليمى يعيد توازنات المنطقة.. ولن تستعيد مصر دورها الإقليمى ما لم تعد قادرة على ضبط شأنها الداخلى، خاصة على صعيد العدالة الاجتماعية والحريات والأمن الاجتماعى. 4- أن الدور الإقليمى كما أن له عائدًا، فهو أيضًا له ثمن، وليست هناك أدوار مجانية فى المحيط الإقليمى، والدور الإقليمى إذا جرى توظيفه بطريقة سليمة فإنه يتحول إلى نوع من التعزيز القوى للكيان الذى ينطلق منه ويعطى للسياسة الخارجية أبعادها الحقيقية، ويظل دور مصر الإقليمى أحد مواردها الكبرى. 5- هناك علاقة طردية بين قدرات النظام السياسى على تولى القيادة الإقليمية وقدرته على أداء الدور فى محيطه الإقليمى، ولا يمكن أداء الدور دون توفر قدر كافٍ من شرعية النظام، وتظل وظيفة القيادة الإقليمية هى: بلورة النظام وقياس مدى فاعليته. 6- تخضع قيادة أى نظام إقليمى لأنماط أربعة حاكمة لاختيارها السياسى وهى: نمط الإمكانيات والقدرات، ونمط السياسات، ونمط التحالفات، ونمط الصراعات. 7- يظل دور مصر الإقليمى محكومًا بالتفاوت القائم بين الطموح وبين افتقار الموارد لتحقيق ذلك الدور.. ويظل الدور الإقليمى لأى دولة انعكاسًا لمستوى قدراتها الذاتية. 8- إن قدرة مصر على المساومة مع الولاياتالمتحدة والقوى العظمى تتناسب تناسبًا طرديًا مع قدرتها على التأثير فى محيطها الإقليمى. 9- هناك علاقة عكسية بين قوة الدولة المصرية وتوحش القوى العظمى، ففى لحظات ضعف الدولة المصرية يتوحش دور القوى الدولية والإقليمية المهيمنة على تفاعلات الإقليم، وكلما ضعفت مصر كلما استأسدت عليها الولاياتالمتحدة واضطرتها إلى أضيق الطريق الإقليمى. 10- إن مصر واقعة بين مثلث قوى إقليمية تتمدد على حساب دورها: فأولها القوى الصلبة ممثلة فى إيران، وثانيها القوى الناعمة ممثلة فى تركيا، وثالثها الدولة الوظيفية المسماة إسرائيل كما كان يناديها أستاذنا د. عبد الوهاب المسيرى رحمه الله. ولا يمكن فهم ضمور الدور الإقليمى المصرى طيلة سنوات مبارك إلا بالبحث فى شبكة علاقات وتحالفات وصراعات مثلث القوى بين: إيران وتركيا وإسرائيل، وعلاقاتهم –تعاونًا وصراعًا- بالولاياتالمتحدة. وتظل مصر بوزنها التاريخى والسياسى ومكانها ومكانتها رقمًا أساسيًا فى المعادلات الحاكمة لسياسات المنطقة، وإن كان من أوجب الواجبات اليوم الاجتهاد فى إعادة النظر فى التفكير الذى يحكم رؤية مصر للقضايا الإقليمية، والمساهمة الواعية فى اعتماد منهجية جديدة لإدارة الملفات الإقليمية كقوة وازنة. ومن المهم أن تشتغل مصر الجديدة بعد الثورة على دور إقليمى جديد يحفظ لها مكانتها وأمنها القومى ودورها الحيوى، مع التأكيد أن مصر المنعزلة هى مصر الضعيفة المهددة، وأن مصر القوية هى مصر الممتدة التى تحفظ حدودها البعيدة قبل أن تدهمها الأدوار الإقليمية من كل حدب وصوب.