جاءت زيارة الرئيس محمد مرسى للسعودية لتفتح صفحة جديدة فى ملف العلاقات المصرية السعودية ولتطوى صفحة أثيرت فيها كثير من الشبهات حول موقف المملكة من ثورة يناير. من المسلم به فى العلاقات الدولية أنه ليست هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ولكن مصالح دائمة، وعلاقات الدول ليست مرتبطة بالتفضيلات الشخصية للحكام إنما مرتبطة بالاستراتيجيات العليا التى تحقق الأهداف الوطنية لكل دولة. إننا نعلمُ يقيناً أن الدولة القومية الحديثة Nation State منذ أن ظهرت فى صلح وستفاليا سنة 1648، ليست جمعية خيرية ولا جماعة دينية ولا حركة مذهبية، وفى السياسة ليس هناك ملائكة أطهار ولا شياطين أشرار، بل تكوينات مادية تحكمها شبكات المصالح والتحالف وأهداف عليا تحكم الرؤية الاستراتيجية للدول، هي: عقل محض، وسياسات قوة، وتوازن قوى، وعلاقات مصلحيِّة: إستراتيجية أو تكتيكية. نركز فى هذا المقال على مستقبل العلاقة بين مصر والسعودية من منظور الدور الإقليمى. والدور الإقليمى هو: النشاط الذى تقوم به دولة ما، باعتبارها مركزًا فى إقليم مع الدول المحيطة بها، وتتسع دائرة الدور الإقليمى كلما زادت طموحاتها أو زادت مخاوفها. ويعبر الدور الإقليمى عن مكانة الدولة الإقليمية، والمكانة تعنى: "القدرة على التأثير فى التفاعلات الإقليمية". والدور الإقليمى هو أحد أهم مفاتيح فهم السياسات المتصارعة والمتضاربة لمختلف الدول، بل ومفتاحًا مهما لفهم ما ستؤول إليه الأحوال والظروف. مصر والسعودية دولتان محوريتان من دول العالم العربى ولقد علمتنا تجارب التاريخ كما يقول المستشار طارق البشري: "إن ما من دولة مستقلة فى هذه المنطقة التى توجد بها مصر إلا وقامت قاعدة استقرارها على مثلث مصر والشام والحجاز(...)، وذلك استجابة لمقتضيات الجغرافيا السياسية التى جعلتها منطقة ذات أمن ومصير واحد إزاء الأخطار الخارجية". ومن المهم التأكيد على أن الدور الإقليمى لمصر والسعودية يتقاطع ولا يتعارض، ويتساند ولا يتصارع. وعلى مدار عقود سابقة ساد المدرسة السياسية فيما يخص دور مصر الإقليمى تياران: الأول يراه "شمسٌ لا تغيب" بينما الثانى يرى أنه حتى "الشمس تشرق وتغيب". التيار الأول: يركز على عناصر الثبات فى مقومات الدور كالموقع والمكان وعدد السكان والوزن النسبى الكبير. أما التيار الثاني: فركز على عناصر التغيير فى محددات الدور كالقيادة والمكانة والظروف الإقليمية والدولية التى تحد من سقف الدور أو تمنحه مجالاً. التيار الأول: يركز على الحقائق الجغرافية والتاريخية، أما الثاني: فيركز على الحقائق السياسية والواقعية. وفى عهد مبارك شهد الدور المصرى انزواءً وانحسارًا حيث انتقل دور مصر من الدولة القائد والإقليم القاعدة التى بيدها مفاتيح الحل فى أغلب الملفات الإقليمية إلى "دور الوسيط" أحيانًا؛ وإلى دور حامل وجهات نظر الأطراف المختلفة أحياناً أخرى، وتراجعت قدرة الدولة المصرية على الفعل والإنجاز فى أهم الملفات الإقليمية حتى تلك التى تمس أمنها القومي. أما بعد ثورة يناير وانتخاب الشعب رئيسًا للبلاد يأتى على رأس أولوياته دور مصر الخارجى، الذى هو انعكاس لحالة العافية الداخلية كانت أول زياراته الخارجية للسعودية. حيث شهد الدور السعودى الإقليمى خلال السنوات الماضية صعودًا واضحًا، فمنذ أن قدمت السعودية المبادرة العربية فى قمة بيروت 2002، وسياستها الخارجية تنشط مستثمرة أربعة عوامل بشىء من التكامل بينها: رمزيتها الدينية، ووزن النفط الاستراتيجي، وانخراط المملكة فى غالب الملفات الإقليمية واحتفاظها بعلاقات جيدة مع الدول الكبرى، وكذلك الطفرة النفطية التى جعلت من السعودية أحد أهم بيوتات المال العالمية. ومن خلال هذه الإمكانات والقدرات الاقتصادية مارست المملكة ضغوطًا أو استمالت أطرافًا لحل كثير من الصراعات، أو التخفيف من حدتها. والراصد للسياسة الخارجية السعودية خاصة مع تولى الملك عبد الله مقاليد الحكم يجدها تشهد تحولاً جذريًا، فمن الحَذَر المشوب بالترقب وانتظار تبلور مواقف الأطراف الأخرى إلى المسارعة فى طرح المبادرات فى محاولة لاستباق فعل آلية المشاورات العربية ولفرض اختيارات سياسية معينة، حتى تميزت الدبلوماسية السعودية بنشاط مكثف، والعمل المتواصل على عدة ملفات عربية وإقليمية على التوازى. ولعل ذلك انعكاس لتصريح الملك عبد الله: "لا نريد من أحد أن يدير قضايانا ويستغلها فى تعزيز مكانته فى الصراعات الدولية". وفى كل الملفات الإقليمية يميل النهج السعودى إلى قَدْر من الحيادية وفتح الأبواب مع مختلف الأطراف، وإن اقتصرت أدوات السياسة الخارجية السعودية على ركائز القوة الناعمة: (تقديم مساعدات – طرح مبادرات – تسوية خلافات). جاءت زيارة الرئيس المنتخب لتشى بعمق العلاقات المصرية السعودية، وجاءت ردود فعل وخطاب الملك عبد الله وزيارة ولى العهد الأمير سلمان للرئيس وكلمته لتشى بعمق واقعية قادة المملكة.