لعله من الأهمية هنا الإشارة إلى أننى لست ضد "الأخونة" ولكن ضد "تهييف" الدولة.. فإذا كانت "الأخونة" تعنى استعادة تجربة الحزب الشيوعى الصينى أو "البعث" العراقى والسورى.. فإن المسألة تتجاوز هذا الهاجس؛ لأنه من الصعوبة بعد الثورة أن تعاد هندسة البيئة السياسية المصرية على النحو الذى تمسى عليه مناخًا لاستنبات تلك التجارب.. وإنما تتعلق بهاجس آخر، شديد الصلة بالمعايير التى يتم الاحتكام إليها فى تشكيل "الأطقم المعاونة" سواء للرئيس أو للمؤسسات الأخرى. كما قلت يوم أمس إن المخاوف ليست من "الأخونة" إذا جاءت وفق معايير وضوابط تعتمد على "الكفاءة" وليس على "الطاعة".. ولكن المخاوف، هى من نزعة "التهييف" التى نراها الآن رأى العين، والتى تجرى على خطى مبارك وكأنها استكمال لمشروعه فى الإجهاز على قوى مصر الناعمة. على الجماعة أن تحمل مسؤولية إثبات عكس ذلك.. وليس من مسؤوليتى أو من مسؤولية غيرى أن يلوى عنق ما يراه ليدافع عن الإخوان.. لأن الأزمة الحقيقية فى قدرة الوعى العام داخل الجماعة، على تفهم المخاوف التى باتت مشاعًا عند الجميع، بما فيها التيار الإسلامى ذاته.. بل ربما لا أخفى سرًا، إذا قلت إن قيادات رصينة وعاقلة بالحركة، أسرت لى بأن لديها ذات المخاوف من "الأخونة"... لأنه بحسب وعيها محض فخ كبير قد تتورط فيه الجماعة، على النحو الذى يحيلها فى الضمير الوطنى إلى منتج سياسى مستنسخ من الأنظمة الفاشية التى يمقتها التاريخ الإنسانى الآن. أتمنى من صانع القرار الإخوانى، أن يدرك مجموعة الثوابت المستقرة لدى النشطاء السياسيين، وربما تلك التى قد يفضى إليها أى اطلاع ولو سريعًا على قدر يسير من علم الاجتماع السياسى، والذى يؤكد أن الجماعة التى تقوم على "السمع والطاعة" فى حقيقتها "معادية" للحريات وللديمقراطية ولقبول التعدد والتنوع والخلاف والمشاركة.. وتنزع بطبيعتها التنظيمية الكولينالية نحو "المغالبة" والإقصاء وربما إلى حل "أزماتها" مع المخالفين.. بالاحتكام إلى الزنازين والتعذيب والقوانين الاستثنائية والمحاكم المسيسة والترويع والمعتقلات حال وصلت إلى السلطة. أنا حتى لا أُُفهم خطئًا لا أنتقد أو أهاجم الجماعة أو حزب الحرية والعدالة.. وإنما أنقل "المخاوف" إلى دائرة الضوء لتظل حية وعفية لدى مؤسسات إدارة شؤون الجماعة خاصة الملفات المتعلقة بالجانب السياسى والعلاقات مع الفرقاء.. لأن تجاهلها أو التعاطى معها باعتبارها "تصيدًا" أو "معاداة" لله ولرسوله وللإسلام وما شابه من اتهامات مغلفة وجاهزة وكسولة.. لن يتجه نحو مصلحة الجماعة.. وإنما نحو فرض المزيد من العزلة عليها.. والمزيد من الكراهية الجماعية لها. أتمنى بإخلاص أن ينجح الرئيس محمد مرسى.. وأن ينجح الإخوان وحزب "الحرية والعدالة" فى إنجاز هذه المهمة الصعبة والشاقة.. فنجاحهم هو فى مصلحة البلد أولاً ونجاح للتيار الإسلامى وللتجربة السياسية الإسلامية ثانيًا. والله تعالى من وراء القصد. [email protected]