بات وجود حزب الإخوان في ظل صلاته بمرجعية تنظيمية أكبر "الجماعة"، موضع قلق حقيقي لدى قطاع ليس بالقليل من المهتمين بالشأن العام. لم يستبد القلق ب"خصوم" الحركة وحسب، وإنما استبد أيضا بأصدقائها ومحبيها وبالمتعاطفين معها.. فالمسألة إذن من الصعوية التصور بأنها من باب "التصيد" وممارسة هواية جلد الإخوان، وإنما هي سؤال مشروع وليس مفتعلا ويحتاج إلى اجتهادات عميقة تكون قادرة على الإقناع وتبديد المخاوف بافتراض حسن الظن فيمن يطرحون السؤال ومن منطلق أنه صدر من "محبين" أو على الأقل من وعي غير مفتعل بأن الإخوان هي الجماعة السياسية الأكبر في مصر الآن والتي من المفترض أن تكون "قوة مسئولة" تليق على صعيدي الفكر والحركة بما يعلقه الكثيرون عليها من آمال مستقبلا. أعرف جيدا، بأنه من الصعب على جماعة في وزن الإخوان، أن تضحي ب"تنظيم" عمره ما يقرب من تسعين عاما مقابل "حزب" وليد وبلا خبرات سياسية سابقة وفي بيئة "غامضة" وغير واضحة ولم تقدم حتى الآن أية ضمانات تجعل الجماعة مطمئنة، وبشكل يحملها على التخلي طواعية عن "التنظيم" ذي التاريخ الكبير لصالح "الحزب" الجديد. ويبدو أن الجماعة فعلا غير مستعدة لتقديم هذه التضحية الكبيرة، مقابل "مستقبل" لا يزال قيد التشكل ولا يعرف على وجه التقريب، مآلات الحقوق المدنية والسياسية فيه.. ما يحمل الإخوان على الاحتفاظ ب"العصفورين" معا، فإذا طار "الجديد" بقي "القديم" على حاله فلا تخسر الجماعة شيئا. ربما يتفهم البعض هذه الإشكالية التي تواجه "قرار" الجماعة.. وهو القرار الأهم والأخطر في تاريخها كله.. وعلى من يطالبون بحل التنظيم، أن يقدروا مشاعر الإخوان حال وضعوا أمام هذا الخيار "المر" : إما الجماعة وإما الحزب الجديد!.. فالمسألة لا تتعلق بقرار إداري، وإنما بتاريخ كبير وتضحيات أكبر لا يمكن بحال أن تُلغى بجرة قلم نظير "وعود" ليس لها أية ضمانات "دستورية" و"إجرائية" حتى اليوم.. غير أن هذا التقدير والإحساس بتعقيدات خيارات الجماعة التي فرضت علهيا بعد ثورة 25 يناير، لا يمنع الإخوان من أن يقدموا ابداعات جديدة تحل ولو مؤقتا مأزق "تبعية" الحزب للتنظيم، لأن المسألة فعلا مثيرة للقلق، خاصة حال وصل الإخوان المسلمون للسلطة، إذ سيظل والحال كذلك استقلالية القرار والمسئولية السياسية والقانونية والجنائية، موضع التباس شديد الاضطراب.. فإذا شكل حزب "الحرية والعدالة" الحكومة، فإن الانطباع العام والمشكلة الكبرى ستظل في الاعتقاد بأن مصر ستحكم ليس من مقر رئاسة الوزراء في القصر العيني، وإنما ستحكم بالتبعية من مكتب الإرشاد في المنيل.. وهو مأزق كبير وحقيقي، وسيجعل حكومة "الإخوان" تهدر من وقتها الكثير في اقناع الناس بأنها "مستقلة" وليست "تابعة" للمرجعية الأم "الجماعة". أنا كرأي شخصي اتفهم موقف الجماعة، وأميل إلى أنه ليس من المناسب أن يُحل "التنظيم" الآن وفي الظروف الحالية، وإنما يمكن أن يفكك تلقائيا مستقبلا حال استقرت مصر على نظام سياسي يعيد للأحزاب السياسية هيبتها الجماهيرية التي تجعلها اكبر واهم واعظم قدرا من أي تنظيم مهما كانت "شرعيته التاريخية".. ومع ذلك فإن الجماعة اليوم أمام مشكلة حقيقية تحتاج كما قلت إلى ابداعات لا تتجاهل المشكلة ولا تحرق المراحل ولا تقفز عليها، وإنما توائم فيه بين "الحسنيين" من خلال على سبيل الاقتراح وضع سقف زمني قد يطول او يقصر، ولكنه يضع حدا في النهاية لهذه الأزدواجية بحسب التطور السياسي في مصر، وليس نزولا عند ضغوط الشوشرة الإعلامية.. وعليها حينئذ الاختيار كمعطى لاستحقاقات التجربة واللحظة التاريخية : إما الحزب (العمل السياسي) وإما "الجماعة" بالعودة إلى العمل التربوي والدعوي. [email protected]