رئيس أركان حرب القوات المسلحة يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    البيئة تنظم ورشة عمل "الإطار العام للإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050"    عاجل| تعليق ماكرون على وفاة مواطن فرنسي كان محتجزا في غزة منذ 7 أكتوبر    الدبلومات الفنية 2024.. 51 ألف طالب يؤدون الامتحانات بالقاهرة غدًا    تعرف على الحالة المرورية بالجيزة اليوم    الإسكان:إعادة استخدام الحمأة الناتجة عن الصرف فى إنتاج الطاقة والأسمدة    15% زيادة في أسعار الدواجن بالأسواق المحلية رغم استقرار أسعار العلف    قصف إسرائيلى مكثف على غزة.. وكارثة صحية بعد توقف محول مستشفى شهداء الأقصى    واشنطن تدرس تعيين مسئول أمريكى للإشراف على قوة فلسطينية فى غزة بعد الحرب    اليابان تفرض عقوبات على 9 كيانات روسية    "حان وقت الشباب".. جيرو يعلن اعتزاله دوليًا بعد يورو 2024    تشافي يستعد للرحيل.. موعد الإعلان الرسمي عن تعاقد برشلونة مع المدرب الجديد    أشرف بن شرقي يقترب من الدوري السعودي    رئيس "المركزى للتعمير": الجهاز نفذ 450 كم طرق بالساحل الشمالى الغربى    محافظ بني سويف يتابع انتظام العمل بسوق بيع السيارات    إقبال على شواطئ الغردقة فى أول ويك إند بعد الامتحانات.. فيديو    ظهرت الآن.. رابط بوابة التعليم الأساسي للحصول على نتيجة الفصل الدراسي الثاني 2024    عاجل.. أنباء عن العثور على آخر ضحايا حادث معدية أبو غالب    ضبط تشكيل عصابي يروج المخدرات وبحوزتهم 7 كيلو «حشيش» في القليوبية    المرصد الأورومتوسطى: وثقنا عددا كبيرا من حالات تعذيب الفلسطينيين بسجون الاحتلال    4 أفلام تتنافس على جوائز الدورة 50 لمهرجان جمعية الفيلم    الإسلام الحضاري    وزارة الثقافة تحتفي بأعمال حلمي بكر ومحمد رشدي بحفل ضخم (تفاصيل)    تجديد ندب أنور إسماعيل مساعدا لوزير الصحة لشئون المشروعات القومية    الأكاديمية العسكرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر    نقل شعائر صلاة الجمعة المقبلة من ميت سلسيل بالدقهلية    وزير العمل يشهد تسليم الدفعة الثانية من «الرخص الدائمة» لمراكز التدريب    موعد ومكان تشييع جنازة شقيق الفنان مدحت صالح    مجلس أمناء جامعة الإسكندرية يوجه بضرورة الاستخدام الأمثل لموازنة الجامعة    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    العنب لمرضى القولون العصبي- هل هو آمن؟    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    بوتين يصحّح لنظيره لوكاشينكو تعليقه على محادثاته مع ملك البحرين في موسكو    مصرع 14 شخصاً على الأقلّ في حريق بمبنى في وسط هانوي    «المعلمين» تطلق غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الدبلومات الفنية غدًا    عائشة بن أحمد تروي كواليس بدون سابق إنذار: قعدنا 7 ساعات في تصوير مشهد واحد    هشام ماجد: الجزء الخامس من مسلسل اللعبة في مرحلة الكتابة    سويلم يلتقى وزير المياه والري الكيني للتباحث حول سُبل تعزيز التعاون بين البلدين    «الأهلى» يتمسك بالنجمة ال 12    حملات توعية لترشيد استهلاك المياه في قرى «حياة كريمة» بالشرقية    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    «الإفتاء» توضح مناسك الحج بالتفصيل.. تبدأ بالإحرام    «الإفتاء» توضح نص دعاء السفر يوم الجمعة.. احرص على ترديده    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    الحج بين كمال الإيمان وعظمة التيسير.. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    نقابة المهندسين بالغربية تنظم لقاء المبدعين بطنطا | صور    جهاد جريشة: لا يوجد ركلات جزاء للزمالك أو فيوتشر.. وأمين عمر ظهر بشكل جيد    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 10 مساجد بالمحافظات    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدنيا مزرعة الآخرة
نشر في المصريون يوم 09 - 11 - 2019

"الدنيا مزرعة الآخرة" من المفاهيم الإسلامية والأساسية والمهمة في هذا الوقت الذي تطغى فيه الفلسفة المادية التي تنكر أو تهمّش عالم الغيب والآخرة، ولهذا المفهوم المركزي العديد من الأبعاد المهمة نعرض لبعضها باختصار.
فمن المعلوم أن نفي الغيب والآخرة أو تجاهلها في الفلسفة المادية تتسرب لأجيال شباب المسلمين عبر أدوات التوجيه الناعمة كالأفلام والأغاني والروايات والألعاب الإلكترونية وما شابه تحت شعارات الاستمتاع وامتلاك اللذة اللحظية وتحقيق الأحلام والشعور بالبهجة والحبور، بغضّ النظر عن الأحكام الشرعية أو اعتبار المستقبل في الدنيا أو الآخرة.
وبسبب البحث عن اللذة العاجلة والتجافي عن أحكام الشريعة الإسلامية وعدم الاكتراث بالحساب في اليوم الآخر يتجرأ المنحرفون على ارتكاب المنكرات والمعاصي، وبعضها مؤذٍ للنفس وللآخرين كإدمان الخمر والمخدرات والزنا والشذوذ والسرقة والقتل أو قيادة السيارات والدراجات بتهور أو تشكيل عصابات ومجموعات للعربدة والبلطجة.
لأجل هذا فإن مفهوم "الدنيا مزرعة الآخرة" يكتسب موقعا مركزيا لكل من كان الوحي الرباني -قرآناً وسنة- هو مرجعيته ومصدر تشكيل قناعاته ومفاهيمه، يقول الله تعالى: "قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لِمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً" (الأحزاب: 21)، والإيمان باليوم الآخر يستلزم استحضار تلازم ثمار عمل الخير والشر في الدنيا والآخرة، قال تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" (الزلزلة: 7-8)، وهذا المعنى تكرر كثيراً في القرآن الكريم ومن أمثلته قوله جل شأنه: "من عمِل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد" (فصلت: 46).
فالمرجعية الربانية ترشد لمفهوم "الدنيا مزرعة الآخرة"، ما تزرعه = تعمله سوف تحصد نتائجه، فإن زرعت نباتات طيبة ستكون الثمار طيبة، وإن زرعت الخبائث ستكون الثمار حشيشا وقنبا ودخانا، وكلها من الخبائث المضرة، وكذلك أعمالك وأفعالك، إن زرعت الخير ستراه في الدنيا والآخرة، وإن زرعت الشر ستراه أيضاً.
وينبغي أن نلاحظ أن القرآن الكريم يستخدم لفظ الخير والصلاح ولم يستعمل لفظ العبادة فحسب، لأن مفهوم العبادة والخير والصلاح في الإسلام أشمل من العبادات المجردة أو الشعائر والطقوس، بل العبادة والخير والصلاح مفهوم واسع في الإسلام يشمل الدين والدنيا جميعاً، وبهذا يتضح شمول مفهوم "الدنيا مزرعة الآخرة".
ولذلك كان المطلوب من المسلم والمسلمة زراعته في الدنيا العبادة بشموليتها والخير والصلاح بكل أشكاله وأنواعه، ومن هنا جاء الحث الرباني "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" (المطففين: 26)، فعلى أهل الإيمان استحضار النية الصالحة والمخلصة لرب العالمين في سائر أعمال الخير والنفع والتي تقرها الشريعة لتكون لهم ثمار طيبة في الآخرة حيث النعيم العميم والحياة الحقيقية.
فزراعة الآخرة في الدنيا تكون البداية بعد الإيمان بعمود الدين الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يحاسَب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر" رواه الترمذي وصححه الألباني، ومن ثم بقية أركان الإسلام والعبادات، ولا يتوقف الأمر في الإسلام على ذلك بل نجد النبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى أن أفضل إنفاق الخير يكون على الأسرة: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك"، رواه مسلم. وقارن هذا التفضيل للنفقة على الأسرة في الشريعة الإسلامية بما أفرزته الفلسفة المادية من طرد الأبناء من المنزل خشية الإنفاق عليهم!! وكما أن الشريعة تمنع اللذة المحرمة وتعاقب عليها فإن الشريعة تكتب الأجر وتثيب الحسنات على اللذة الحلال لقوله صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة" رواه مسلم.
بل يوسع الإسلام عمل الخير المطلوب زراعته في الدنيا لحصد ثماره في الآخرة ليشمل كل الكائنات لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: "في كل كبد رطبة أجر" متفق عليه، وهذا يظهر شفقة الإسلام ورحمة الشريعة بحقوق الإنسان والحيوان قبل الأمم.
ومن الخير والصلاح الذي يزرع للآخرة في الدنيا عمارة الأرض لقوله جل جلاله: "ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون" (الأعراف: 129)، بل جاء الأمر النبوي بالاستمرار في زراعة الشجر ولو انتهى عمر الدنيا وقامت القيامة، بل إن الإسلام عدّ إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان.
ومن أبعاد مفهوم "الدنيا مزرعة الآخرة" البعد الحضاري، فالحضارة الإسلامية تميزت في جوانب متعددة منها الجوانب المادية كالمخترعات والمكتشفات والمنشآت وأيضا الجوانب المعنوية كالأخلاق والسلوك والأحوال الاجتماعية والقانونية وغيرها، وإن تخلفت في عصرنا قوة الحضارة الإسلامية في الجوانب المادية، إلا أن الحضارة الإسلامية لا تزال متفوقة في الجوانب الحضارية المعنوية.
فحرص المسلمين على ترابطهم الأسري -برغم فقرهم وبؤس أحوالهم حيث تندر بينهم دور المسنين والأيتام لتكافل المجتمع وتراحمه- هو من آثار مفهوم "الدنيا مزرعة الآخرة"، نعم نشكو من الصورة السلبية التي يرسخها الإعلام في أفلامه وحكاياته عن التفسخ الأسري والظلم، لكن هل يعقل أن عشرات ومئات الأفلام السلبية لا نجد مقابلها فيلما أو حكاية أو خبرا في صحيفة عن ملايين الذين يرعون أيتامهم أو كبارهم أو المرضى من أقربائهم وأنسبائهم، وكثير منهم متواضع الحال فضلاً عن الألوف ممن ينفقون أموالهم على رعاية الأيتام والمسنين والمرضى والعجزة من أهل الخير والإحسان؟
ولأن الكثير من المسلمين يستحضرون قوله تعالى: "ويُطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا" (الإنسان: 8-9)، وتجد ذلك في صور شتى منها موائد رمضان وطرود الخير وتبادل الطعام بين الجيران وتفقد المحتاجين منهم، وهم يفعلون ذلك سجية وعادة مع الغريب والقريب سواء كانوا أغنياء أو فقراء لأنهم يدركون "أن الدنيا مزرعة الآخرة".
ويتضح لنا بما تقدم ما لمفهوم "الدنيا مزرعة الآخرة" من دور فاعل وإيجابي في صيانة الأمة المسلمة من غزو الفلسفة المادية، وشحن نفسية التنافس في الخيرات بدلا من التنافس التافه والخبيث في عالم الجريمة أو برامج الفضائيات، ونشر الخير وتعميمه وتوسيع دائرة الإيجابية في الأمة وبث طاقتها في النافع والمفيد، والعاقل من حرص على تحسين أعمال الخير التي يزرعها والبحث عن أكثرها نتاجاً ومردوداً وأطولها زمانًا ويعمل على توفير كل ما يلزم لدوام إثمارها وتعظيم كميتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.