(الايمان في القلب و القلب أبيض) نسمعها كثيرا بين الفينة و الأخرى و مع الأسف شاع عند كثير من الناس و اعتقدوا حقا ان الايمان تصديق بالقلب و بعد ذلك يفعلون ما يشاءون من اتيان للمحظور و تقصير في المأمور بحجة ان الايمان في القلب ! و الايمان ليس التصديق فقط و البعض زاد الطين بلة حيث قال كل من يعرف الله فهو مؤمن ! فهو عرف الايمان بالمعرفة و صحح ايمان الكفار و المنافقين و على رأسهم ابليس و ذلك من باب كل من عرف الله فهو مؤمن. و الحمدلله كما هو واضح في نصوص الكتاب و السنة ان الايمان هو الاقرار بالقلب و اللسان و ذلك مما يؤدي الى الانقياد بالأعمال الصالحة بالجوارح. فمن قال ان الايمان في القلب فقط أو المعرفة فهذا يصحح اسلام كثير من الناس مثل يهود و النصارى الذي قال الله فيهم (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) و أيضا يصحح اسلام ابليس فابلس يعرف الله بل يعرف صفات الله (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) و ابليس يعرف ان الله خالقه (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ! و أما من يقول ان الايمان باللسان و الجوارح فقط دون القلب فهذا يصحح اسلام المنافقين لأن المنافقين يصلون و يزكون و يصومون ظاهرا و لكن باطنا (في القلب) يظهر خلاف ذلك , أي : يحملون الكره في قلوبهم على الاسلام و المسلمين. فالايمان يتفوات كما جاء في الحديث القدسي , يقول الله (اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه ، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون من عرفوا) متفق عليه. و لأجل أن نعرف الايمان تعريفا شرعيا نحتاج الى خمسة نونات (الايمان هو التصديق بالجنان , و قول باللسان , و العمل بالأركان, يزيد بطاعة الرحمن , و ينقص بطاعة الشيطان). و أدلة زيادة الايمان كثيرة , منها قوله تعالى (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) و قوله (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) و قوله (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) و أما في السنة قال عليه الصلاة والسلام ( الايمان بضع و ستون شعبة أعلاها لا اله الا الله و أدناها اماطة الأذى عن الطريق) متفق عليه .و قال الله (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) فانظر يا رعاك الله كيف ابراهيم عليه السلام يريد أن يطمئن قلبه , أي : يزداد يقينا و ايمانا , فأراد ابراهيم عليه السلام أن ينتقل من علم اليقين الى عين اليقين و سبحان الله بعض الناس اليوم لسان حالهم يقول وصلنا الى درجة العين اليقين من زمان ! و قال ابن مسعود – رضي الله عنه - (اليقين الايمان كله) و اليقين هو طمأنينة القلب بمعنى اذا اطمئن قلبك فهذا مؤثر ايجابي على باقي جوارك كما سنبين , وقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه – (اجلسوا بنا نؤمن ساعة) أي : نزداد ايمانا. و سئل الامام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أيزيد الايمان و ينقص ؟ فقال ( يزيد حتى يبلغ أعلى السماوات السبع و ينقص حتى يصير الى أسفل السافلين السبع). و لنضرب مثلا : في رمضان عندما تؤدي الصلوات و تقرأ القرآن و تؤدي التراويح و تقيم الليل و تزور أقاربك و تصل رحمك و تعفو عمن ظلمك و تطعم المساكين ألا تزداد ايمانا و تحس براحة تامة كأنك لم تشعر بها من قبل ؟ و اليوم الذي تفوتك الصلاة و تتكاسل عن بعض الواجبات و تفعل بعض المحظورات ألا ينقص الايمان و تشعر بالهم و النكد ؟ و أما أدلة نقصان الايمان , أولا : كما بينا ان الايمان يزيد فمن الطبيعي انه أيضا ينقص , كما قال سبحانه (وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) فالظلم و الطغيان نقصان في الايمان فهنا تبين لنا ان في نقصان الايمان مراتب (أظلم و أطغي) فهناك ظالم بلغ من الظلم منزلا و هناك ظالم مبتدئا ! و بهذا يكون النقص في الايمان على درجات. و قال عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) صحيح مسلم , و قال (أدناها اماطة الأذى عن الطريق). أي : أدنى شعب الايمان. ثم لنأتي الى مقولة (الايمان في القلب و القلب أبيض) , متى غالبا تقال هذه الجملة ؟ ان لم يكن دائما فغالبا عند النصيحة و الأمر بالمعروف و انكار المنكر. مثال : شخص يدخن , فيأتي شخص و يقول له لماذا تدخن ؟ هذا الفعل لا يجوز ! فيقول : يا أخي الايمان في القلب , ثم يبين له الأخ ان هذه العبارة خاطئة ثم قد يسأل لماذا حرام ؟ فيقول : ان الله أحل لنا الطيبات و حرم علينا الخبائث ثم التدخين يؤدي الى أضرار و أمراض لا يخفى على الطفل الصغير فضلا على الانسان البالغ العاقل و قد قال تعالى (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). ثم اذا كان عنيدا قد يقول : لا يوجد دليل قاطع صريح يدل على ان التدخين حرام ! فيقول له : ما شاء أنت أكيد شخص ورع تقي تريد الحق و الدليل لكن قبل أن نجيب عليك نسألك عن الشاي و القهوة الذي تشرب و السيارة التي تقودها و غيرها من الأمور هل لديك فيها نص صريح من القرآن أو السنة على أنها مباحة ؟! اذا لا يوجد اذا لماذا تشرب الشاي و القهوة و تقود السيارة ان كنت تريد الحق و لا تفعل أي شيء الا بدليل قاطع صريح ؟ ورد عن الشافعي- رحمه الله – أنه قال ( لو أراد شخص أن يستدل على كل شيء بنص قاطع صريح لعطلنا كثير من أحكام الشريعة ) ! فيا أيها الحبيب أنت تحاول أن تحتال و تخادع من ؟ قال تعالى عن المنافقين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ). فلماذا تتشبه بالمنافقين و لا تتشبه بالصالحين ؟ قال أحدهم : (تشبهوا بالكرام ان لم تكونوا مثلهم – فان التشبه بالكرام فلاح). و ربما قد تسلم من بعض ألسن الناس في الدنيا لكن هل أمنت مكر الله ؟ قال تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ). و لنضرب مثلا : تخيل قائد عسكري أعطاك سلاحا لتقاتل العدو و تدافع عن وطنك و أهلك و عرضك ثم قمت بقتل قائدك ! و لله المثل الأعلى .. الله يعطيك الأموال و الخيرات ألا تستحي أن تنفقها في المحرمات أو تنفقها في أشياء لا تحتاجها و تسرف في الأكل و اللبس و الزينة و غيرها من الأمور ؟ قال الله (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). هذا من كفران النعم و العياذ بالله (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). ثم لنأتي و ننظر الى ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا و ان في الجسد مضغة الا صلحت صلح الجسد كله ألا و هي القلب) متفق عليه. هذه دلالة على أننا مأمورون أن نؤاخذ الناس مما يصدر منهم ظاهرا و لا علاقة لنا ما يقصدونه في قلوبهم , وذلك لقول الله (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) و كذلك أسامة بن زيد كما جاء في صحيح البخاري عندما قتل رجلا يشهد ألا اله الا الله, قال عليه الصلاة والسلام ( أقتلته ؟ ) فقال : ( يا رسول الله انه لم يقصدها و قالها مخافة الموت ) فقال عليه الصلاة والسلام ( هلا شققت عن قلبه ؟ ). فنقول للذي يقول ان الايمان في القلب , أولا : نحن لا علاقة لنا بقلبك الأبيض , بل نحن مأمورون أن نحكم على أفعالك الظاهرة , ثانيا : لو كان صحيحا قلبك أبيض سليم لظهر ذلك على لسانك و جوارحك فلا تقول الا خيرا و لا تفعل الا الأعمال الصالحة و تجتنب الاعمال الفاسدة لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام ( لو صلحت لصلح الجسد كله). فمن أسباب زيادة الايمان – أيها القارئ الكريم- العلم لقوله سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) و العلم لا يطلب لذاته انما لمقصود آخر و هو العمل و زيادة الايمان كما أنك تتعلم لتزداد ايمانا و يقينا مما يؤدي الى زيادة في العمل , و ثمرة العلم العمل ! و هنا ننبه على فضل تعلم العلم الشرعي بقدر ما يستطيع المرء و أيضا مجالسة العلماء الأفاضل و لا يخفى عليكم ما حصل من الفتن في الأيام الماضية حول ولاة الأمور و طاعتهم حيث عندما قام الدكاترة الفضلاء و المشايخ النبلاء في النصح و الارشاد في فضل طاعة ولي الأمر و أذاعوه في التلفاز , قال بعض الناس ( أين كنتم طول الوقت ؟ هل كنتم منعزلون في البر ثم أتيتم ؟ ( رويدك يا أخي الحبيب – غفر الله لي و لك – ما ذنبهم ان لم يكن هناك اهتمام اعلامي لهم ؟ ثم أين أنت عن هذه المجالس الطيبة ؟ مع العلم الكثير منهم – جزاهم الله خيرا – يلقي الدروس و لا يأخذون عليه مقابل من الفجر الى الليل سواء كان في المساجد أو الدواوين و غيرها. فاحرص على التعلم في وقت الرخاء لأن في وقت الشدة و الفتن العالم العامل الناصح قد يصعب عليه أن يعرف ما يحصل في الفتن و من ثم يصعب عليه اصدار قرار لعدم اتضاح الأمر بعد فما بالك بالشخص الذي لم يتسلح بسلاح العلم و لم يقوي ايمانه بالعلم ؟ و أيضا من أسباب زيادة الايمان : قراءة القرآن و تدبره , و معرفة أسماء الله و صفاته , فما فائدة معرفة ان الله هو العليم الخبير ثم تعصيه في السر ؟! هذا مناقض لعلمك ان الله عليم خبير ! و أيضا التأمل في آيات الله , و تدبر في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام و أعماله , و الكثرة من الطاعات , و أوصي نفسي و اياكم بالأعمال القلوب لأن اذا التزمت باطانا ستستقيم ظاهرا , و أعمال القلوب مثل : التوكل, و الخوف , و الرجاء , و الرغبة , و الرهبة , و هذا كله سيؤدي الى صلاح عملك باذن الله. و أما نقصان الايمان فنذكره حتى نحاول بقدر الاستطاعة ألا نقع فيه , مثل : الجهل , و الغفلة , و الاعراض , و النسيان , و فعل المعاصي و ارتكاب الذنوب , و احذر النفس الامارة بالسوء , و الشيطان , و الدنيا و فتنتها , و قرناء السوء. و أوصيكم -أيها الأحبة الأعزاء- بقراءة كتاب ( زيادة الايمان و نقصانه ) لفضيلة الدكتور عبدالرزاق البدر العباد بارك الله فيه و نفع به العباد , و نسأل الله أن يزيدنا ايمانا و الحمدلله رب العالمين.