شرعت العبادات في الإسلام لتزكية النفوس وتهذيبها والترقي بها نحو محاسن الأخلاق, فيتغير المسلم من حسن إلي الأفضل مع كل عبادة يؤديها, وعندما ننظر في حياة صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم قبل الإسلام, وبعده نجد أن حياتهم قبل الإسلام كانت مليئة بالحروب والعصبيات الجاهلية, والقتال المستمر والمنازعات الدائمة, وبعد الإسلام تغيرت حياتهم تماما فاتصفوا بالحلم والعفو والصفح, وأصبح لديهم سعة صدر فبمجرد أن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله تغيرت حياتهم وسلوكياتهم وبدأوا يرتقون شيئا فشيئا مع كل فريضة, ومع كل أمر حتي أصبحوا من أحسن الناس أخلاقا حتي أن أخلاقهم وهي ثمرة عباداتهم كانت سببا في دخول الكثير في دين الله أفواجا. واليوم أصبح حال المسلمين لا يخلو من المنغصات والمشاكل والكروب, ورغم أداء العبادات, ولم يتغير في حياتهم من شيء للأحسن, بل تزداد أمورهم تعقيدا وتنتشر الفتن, ولم تتحقق ثمرة العبادات فيهم. في البداية يرجع الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن غياب أثر العبادة من حياة المسلم بسبب أدائه لتلك العبادات, ولم يكن متصلا بالمجتمع فلا يدخل المسجد يؤدي الصلاة فيه ثم يخرج, وقد اختلف سلوكه عن الهدي الإسلامي في الوقت الذي يجب أن يكون فيه متحليا بالأخلاق الفاضلة والصدق في القول والإخلاص في العمل مصداقا للحديث القدسي الذي قال فيه رب العزة إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل بها علي خلقي, ولم يبت مصرا علي معصيتي وقطع النهار في ذكري ورحم المسكين والمصاب والأرملة وذا الحاجة ففي هذا الحديث إشارة إلي أن الإسلام دين ودنيا ودين ودولة, وأن الأخلاق الفاضلة شرط في أداء العبادات لأن العبادة الصحيحة ثمرة السلوك الصحيح. ويقول الدكتور رشدي شحاتة رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة حلوان إن القرآن الكريم اشتمل علي آيتين, الأولي قوله تعالي وما خلقت الأنس والجن إلا ليعبدون والثانية قوله تعالي هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها وفهم البعض أن المراد بالعبادة في الآية الأولي أن الانسان العابد لربه ينقطع للعبادات ويزهد في الدنيا, وأن الآية الثانية تطالبه بعمارة الأرض من زراعة وصناعة, وغير ذلك من أوجه العمارة, واعتقد البعض أن هناك تضاربا بين دلالة الآيتين, ولكن لا يوجد بينهما أي نوع من أنواع التضارب أو التعارض بين المفهوم والمنطوق للآيتين الكريمتين, وذلك من خلال قوله تعالي في سورة الجمعة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله ثم يقول رب العالمين بعد ذكر العبادة فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض والملاحظ أن عمارة الأرض جاءت جوابا للشرط فانتشروا مقرونا بالفاء وهو ما يدل علي السرعة حيث قال العلماء أن اقتران جواب الشرط بالفاء يدل علي السرعة, فيجب علي المسلم الإسراع في الخروج من المسجد والعودة إلي ميدان العمل, وعندما ننظر إلي العبادات كقسم من أقسام ثلاثة هي عقيدة دافعة, وعبادة رافعة, وخلق يعيش به المسلم بين الناس, فالعقيدة بمثابة بذرة تزرع في القلب تنبت بعد ذلك كل شيء, وعليه فلم تشرع العبادات لذاتها إطلاقا فالله ليس صغيرا وسيكبر بعبادتنا أو فقيرا يحتاج لأموالنا, أو ضعيفا يحتاج لزيارتنا له في الحج, كلا وألف كلا إن العبادات شرعت لإعداد المسلم لميدان العمل مثل الصلاة التي تعوده علي النظام والدقة في المواعيد والنظافة واتباع القائد من خلال أسس القيادة, والحج يعلمنا كيف السعي في الحياة والاعتماد علي النفس والأخذ بالأسباب, وعدم الجدال والفسوق, كما أن الزكاة تعلمنا كيفية التعايش بين الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء, والصيام يزرع فينا الرقابة الداخلية التي تلازم الانسان في حياته اليومية فلا ينحرف, ومن ثم فالله تعالي يطلب من العبد الاستفادة من طريقة إعداده للصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من العبادات والقربات لكي ينطلق إلي دنيا قال عنها الله سبحانه وتعالي ولا تنس نصيبك من الدنيا وقوله تعالي أيضا يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وقوله تعالي أيضا قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده من الطيبات. ويري الشيخ فكري حسن عضو مجمع البحوث الإسلامية الأسبق أن العبادات شرعت في الإسلام لتزكية النفس وتطهيرها من النقائص والنزوات, وإذا كان للعبادات الأثر الاجتماعي والأخلاقي والتربوي والسلوكي, وليست كما يفهمها البعض علي أنها طقوس مبهمة أو تمارين محددة, فالإسلام شرع الصلاة والزكاة لتكوين إنسان نقي يحب الآخرين قبل أن يحب نفسه. ويضيف الشيخ فكري مما يؤسف له أن البعض اختزل أركان الإسلام في مظاهر وعبادات جوفاء, فالصلاة عنده لابد فيها من الإطالة وإكثار من تلاوة القرآن أثناء الصلاة, وإذا خرج من الصلاة ارتكب أعمالا لا يقرها الدين, فلا يصدق في قوله ولا في فعله, والمتأمل في هذه العبادات يلاحظ أنها لن تقبل عند الله إلا إذا تحقق أثرها الأخلاقي والاجتماعي قال تعالي إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر والرسول صلي الله عليه وسلم يقول من لم تنهه صلاته عن فعل الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. ويشير الشيخ رضا حشاد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف بالقاهرة إلي أن لكل عبادة ثمرة فإذا لم تؤد هذه العبادة علي الوجه الصحيح لم تظهر ثمرتها كما ورد عن المرأة التي تؤذي جيرانها باللسان, مؤكدا أن العبادة التي تنهي صاحبها عن ارتكاب المنكرات يكون صاحبها مصابا بانفصام عقدي بمعني أن له وجهين, فعندما يكون في المسجد يكون تقيا وإذا خرج لا يعبأ بالحرام من أكل الربا ونظر للنساء, وهذا دليل علي عدم فهمه للعبادة, وأنه ما أدي العبادة ليتقرب بها إلي رب الأرض والسموات, وتساءل كيف يقول إياك نعبد وإياك نستعين, إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم؟ وهو يفعل فعل من تبرأ منهم بقوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين موضحا أن عدم تحقق ثمرة العبادة يرجع أيضا إلي عدم الملازمة والمواظبة علي شروط العبادة وأركانها وكيفيتها لقوله تعالي إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم علي صلاتهم دائمون فما وصل العبد سوء الأخلاق إلا بسبب عدم مداومته علي العبادة كالصلاة مثلا لأنها إذا صلحت صلح سائر العمل وإذا فسدت فسد سائر العمل, فإذا قام الانسان بحقها من إحسان الوضوء وإقامتها وأركانها والاطمئنان فيها دفعته إلي الزكاة والصيام وحسن الخلق وحسن الجوار وبر الوالدين وصلة الرحم, والرسول يقول الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر والدين يبني علي الحياء, وهو دليل علي الخلق الحسن, فالعبادات ليست حركات وعادات, وإنما هي خضوع وليست تمثيلا لقول الرسول صلي الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون من المفلس؟ فقالوا من لا درهم له ولا متاع فقال صلوات الله عليه المفلس هو من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج, وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت أخذ من سيئاتهم وطرحت علي سيئاته ثم طرح في النار فلو علم العبد أن صلاته وقيامه وحجه وزكاته, وكل أعماله الخيرة يعطيها لغيره بسبب سوء سلوكه, وتذكر ذلك عند ارتكابه لأي مخالفة لارتدع ولازدجر ورجع إلي صوابه وحافظ علي أعماله, ومن ثم تتحقق ثمرة طاعته. وينهي الشيخ رضا حديثه قائلا إن عدم الإخلاص في العبادة لله يقضي علي ثمرتها, والتي تتحقق بالإخلاص كما أنها أيضا تتحقق بتصحيح العقيدة ومعرفة المولي عز وجل حق المعرفة ما يجب له, وما يستحيل عليه, وما يجوز في حقه, ومعرفة صفات الكمال والجلال.