لم تتوقف جهود عالم الفيزياء و الحاسوب الهندي سي كيه راجو C.K.Raju عند إعادة الاعتبار للعلوم و الحضارات الشرقية القديمة و الوسيطة مثل الحضارة الهندية والفرعونية والفارسية و العربية الإسلامية من خلال كتبه المتعددة ، ومنها إنهاء الإمبريالية الأكاديمية ending academic imperialism ، و كتاب هل العلم غربي النشأة ؟ Is science western in Origin و غيرها من الكتب التي أشاد فيها بالعلوم الإسلامية و التراث العريق الذي قدمته الحضارة الإسلامية للبشرية بل امتدت جهوده في مجال تاريخ العلوم لتشمل نقد بعض المسلمات العلمية و التشكيك في حقيقتها التاريخية . ومن تلك القضايا التي أثارها سي كيه راجو أنه لا وجود لعالم الرياضيات اليوناني الشهير إقليدس ، و أن كلمة إقليدس و التي نسب إليها الكتاب الشهير : "العناصر " هي كلمة عربية تتكون من مقطعين : إقليد وتعني مفتاح في اللغة العربية (له مقاليد السموات و الأرض) ، ولكمة دس وتعني القياس و الهندسة ، وتكون معنى كلمة إقليدس – وفقا ل راجو : مفتاح الهندسة ، وهو كتاب أسهم في ترجمته و شرحه بعض علماء العرب ، لكن العالم الغربي و المركزية الأوروبية Euro centrism -التي يقف منها راجو موقفا سلبيا وربما معاديا – هذه المركزية هي التي جعلتهم ينسبون كتاب الرياضيات هذا إلى شخص يوناني (لا وجود له) . فما الأسس و الأدلة التي استند إليها راجو لنتعرف على منهجه النقدي ، هل هو منهج علمي حقيقي يتسم بالرصانة و الموضوعية أم إنه مجرد موقف عاطفي و عدائي يأتي في سياق ردود الأفعال على المركزية الأوربية ؟ يقول راجو : While the Arabic-Islamic tradition of the Elements is quite clear, it is not so clear that there was any actual person called Euclid who wrote the Elements. The only Euclid known to classical Greek tradition was Euclid of Megara, a contemporary of Plato في الوقت الذي يتضح فيه الإرث و التقليد العربي الإسلامي في كتاب العناصر ، فإنه ليس من الواضح أن هناك شخصا حقيقيا يسمى إقليدس قام بكتابة كتاب العناصر . إن إقليدس الوحيد المعروف في التراث اليوناني هو إقليدس الميغاري ، و هو أحد المعاصرين لأفلاطون . و يوضح راجو سبب اللبس و الخلط بين عنوان الكتاب إقليدس(مفتاح الهندسة) و اسم إقليدس الوناني ، و يرجعه إلى أن كتاب العناصر تعرف عليه العالم الغربي من خلال العلماء العرب و تراجمهم ، فظنوا أن هذا الاسم هو إشارة إلى إقليدس اليوناني ، يقول راجو : When medieval Europe first came to know about the Elements and Aristotle from the Arabs, Europeans thought that Uclides was a reference to Euclid of Megara " و عندما بدأت أوروبا الوسيطة في التعرف على كتاب العناصر وعلى أرسطو من خلال العرب ، ظن الأوروبيون أن مفتاح الهندسة كان إشارة إلى إقليدس المغاري . و يؤكد راجو فكرته بأن اعتبار إقليدس هو عالم الرياضيات هي مجرد إشارة تنسب إلى بروكلس ProclusK ، ويعرض راجو بعض مقولات بروكلس ويبين كيف حدث هذا الخلط . و تتفق بعض المصادر الغربية مع راجو على ندرة المصادر التي تتحدث عن إقليدس (الشخص) للدرجة التي جعلت ويكيبيديا الإنجليزية تقول : Because the lack of biographical information is unusual for the period (extensive biographies being available for most significant Greek mathematicians several centuries before and after Euclid), some researchers have proposed that Euclid was not a historical personage, and that his works were written by a team of mathematicians who took the name Euclid from Euclid of Megara و بسبب أن ندرة المعلومات الشخصية أمر غير معتاد على الرغم من وجود تراجم كثيرة متاحة لمشاهير علماء الرياضيات اليونان قبل وإقليدس بقرون عديدة ، فقد ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن إقليدس ليس شخصا و أن أعماله كتبت بواسطة مجموعة من علماء الرياضيات الذين أخذوا هذا الاسم من إقليدس الميغاري .، ثم تعقب ويكبيديا بالقول : ولكن ذلك رأي غير مقبول عند أكثر الباحثين . و من ذلك يتضح أن العالم الهندي راجو و الذي يثير كثيرا من الجدل في المجتمع العلمي الغربي محق فيما ذهب إليه من التشكيك في وجود شخص يسمى إقليدس . وفي النهاية أدعو المؤسسات العربية إلى ترجمة أعمال راجو إلى العربية ، تلك الأعمال التي تنحاز للحضارة العربية و المنجز العلمي العربي ، وتقف في ثقة مدهشة ضد المركزية الغربية ، وسيكون ذلك حافزا مهما للأجيال الجديدة للاعتزاز بالتراث العربي الإسلامي ، وتمحيص ونقد تاريخ العلوم التي كتبت على ما يبدو بتعصب غربي في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر . ينبغي على المؤسسات و الأكاديميات العربية أن تلقي الضوء على ذلك العالم الهندي بدلا من الترجمات العبثية لأعمال بلا قيمة علمية أو فنية .