عندما يقر القائد الأعلى للحرس الثورى الإيرانى الجنرال محمد على جعفرى الأحد الماضى بأن عناصر من "قوة القدس" التابعة للحرس الثورى موجودون فى سوريا ولبنان فإن هذا الاعتراف الذى يحدث لأول مرة بشكل رسمى هو تحصيل حاصل لأن الوجود الإيرانى فى البلدين على كل المستويات معروف وواضح. إنه ببساطة وجود أقرب إلى الاحتلال، فإيران تملك أوراقًا قوية للتأثير فى صناعة وتوجيه القرار فى البلدين بما يخدم مصالحها. بالنسبة للتواجد الإيرانى فى لبنان فإنه يتم بالتنسيق مع حزب الله، وليس مع الدولة اللبنانية، ولذلك سارع الرئيس اللبنانى ميشيل سليمان باستدعاء السفير الإيرانى وطلب إيضاحات رسمية حول ما جاء على لسان جعفرى، رغم أنه لا أحد يعتقد أن سليمان لا يعلم فعلاً بوجود عناصر مسلحة من قوة القدس فى لبنان، إنما المؤكد أنه يفتقد القدرة على اتخاذ موقف يحفظ سيادة البلد الذى يرأسه. حزب الله له وجه لبنانى، لكن عقله وقلبه وفكره وتسليحه وتمويله إيرانى، وزعيم النصر الإلهى حسن نصر الله يتفاخر بذلك، بل يزيد بأن مرجعيته هى المرشد الأعلى فى إيران، هذا الحزب جزء من المنظومة العسكرية الإيرانية، وله دور وظيفى حيث ينشط عندما تريد إيران توجيه رسائل إلى أمريكا فتدفعه للتحرش بإسرائيل، أما مسألة المقاومة فقد صارت محل نظر بعد حرب 2006 التي اعترف نصر الله بأنه لو كان يدرك حجم الدمار الذى ستسببه إسرائيل لما خطف جنودها، كما صارت مشروعية سلاح الحزب خارج التقدير بعد أن وجهه فى 2008 لصدور اللبنانيين، وأسقط ضحايا منهم، واحتل بيروت، ودور السلاح يمتد إلى إرهاب القوى السياسية لفرض رؤى ومواقف خارجية على لبنان، فقد أطاح بسعد الحريرى من رئاسة الحكومة رغم أن لديه أكبر تمثيل فى البرلمان وذلك ليأتى بحكومة يسيطر عليها وتأتمر بأوامر سوريا وإيران. أين الدولة اللبنانية من تصريحات الجعفرى الرسمية؟ هل هناك دولة فعلا تستطيع الدفاع عن سيادتها؟ أين زعماء لبنان وقادته السياسيين عندما تقول طهران إن الحرس الثورى موجود في بلدهم؟. بالطبع لاوجود لدولة لبنانية، إنما هناك دولة أقوى وأشرس وهى دولة حزب الله الإيرانى.! أما فى سوريا فإن إيران شريك أساسى فى قتل الشعب السورى طوال أكثر من 18 شهرًا، بل لو أراد الأسد يومًا التسليم فإن إيران لن تسمح له بذلك لأنها تدرك أن سقوطه أو أى تسوية سياسية تنتهى بخروجه ستكون هى أكبر الخاسرين فيها حيث ستفقد سوريا التى هى طريقها للتمدد والعبث فى المنطقة، كما سيصبح بقاء حزب الله رأس حربتها على قيد الحياة محل شك كبير. إيران تحارب فى الصف الأول فى سوريا، فهى المعنية أكثر من روسيا والصين ببقاء الأسد حيث تدعمه بالسلاح والمال والجنود والمستشارين، هى تقاتل لتدافع عن وجودها واستثماراتها السياسية فى المنطقة التى أنفقت عليها الكثير من ثروات شعبها الفقير رغم موارد النفط والغاز الضخمة وذلك حتى يبقى نظام دمشق دمية فى يديها مثل حزب الله. أين العروبة التى يتاجر بها النظام السفاح، وأين السيادة التى يتحجج بها مع منظمات الإغاثة لإعاقتها عن إنقاذ الملايين، ويرفعها فى وجه الموفدين الدوليين لإفشال مهمتهم فى إيقاف القتل، بينما إيران تحتل بلاده، وإسرائيل تحتل جزءًا منها "الجولان" منذ 45 عامًا، بل إنه هو نفسه سلطة احتلال على الشعب السورى. من يتحدث عن أن إيران هى جزء من الحل فهو واهم، ولذلك فإن اقتراح الرئيس محمد مرسى بتشكيل لجنة رباعية من ضمنها إيران لحل الأزمة هو تضييع للوقت لأنها أصل الأزمة، وهى المشكلة وليست الحل، وهى لن تتخلى عن الأسد أبدًا إلا تحت تدخل دولى مباشر، أو تسليح الجيش الحر تسليحًا نوعيًا يجعله يسقط النظام سريعًا، وعندئذ قد لا تتورع عن القتال المباشر والصريح فى معركة ستكون انتحارية لها، والجعفرى ألمح إلى ذلك بالفعل، ومثل هذا التهديد تكرر كثيرًا من قبل، والملالى جادون فيه. لكن لماذا تعترف إيران اليوم رسميًا بوجود عناصر عسكرية لها فى سوريا؟. الملاحظ أن هذا التصريح صدر غداة زيارة المبعوث العربى والدولى الأخضر الإبراهيمى، وهناك تحليلات بأنه إذا فشلت مهمته بعد فشل كوفى عنان فسيكون الأسد مسئولاً عن عدم التوصل لحل، وبالتالى لن يكون أمام القوى الكبرى إلا التسريع بالتخلص منه، وسيترافق ذلك مع انتهاء الانتخابات الأمريكية ليكون الرئيس الجديد سواء أوباما أو رومنى فى وضع يمكنه من اتخاذ قرارات جريئة، وبالتالى تريد إيران القول إن المهمة لو فشلت فإنها لن تسكت لو وجدت نية للتدخل، هى تبعث برسالة تحذير مبكرة. ربيع سوريا هو الأصعب والأعقد والأكثر كلفة لأن الشعب الثائر لا يواجه نظامًا واحدًا شرسًا فقط، إنما يواجه بمفرده تحالفًا من الأشرار يضم أيضًا إيران، وحزب الله، وروسيا، والصين.