المؤشر العالمي الذي يحدد الدول البخيلة والدول الكريمة، يعتمد على معطيات غريبة مثل اختيار عينة عشوائية من كل دولة تقدر ب "ألف مواطن" ويطرح عليهم أسئلة تخص تطوعهم لعمل خير أو تبرعهم لمساعدة المحتاجين وبناءاً على الإجابات تستخرج النتائج وتنتشر عبر الصحف لتحدد الشعوب البخيلة والكريمة، هذا الأمر قد يورط مؤسسات في تجميل شعوب بعينها أو العكس. العجيب أنه فور انتهاء نتائج "المؤشرات" يقوم فريق لا أحد يعرفه بالترويج في كل صحف العالم والمواقع الإلكترونية لتلك النتائج، ويتم الإشارة للدول "البخيلة – الحريصة – اللئيمة" ونعتها بعبارات مبطنة ومسيئة لشعوبها "بلغة الأرقام - طبعاً"، ولتغيير الخلفية الذهنية عن الشعوب، ثم تقوم ببناء فكرة أخرى نابعة من طرق"شبه علمية" لترسيخ بخل أمة بعينها وتلميع أمم أخرى، فمثلاً جاء مواطنو دولة "ميانمار" بين أكثر شعوب العالم كرماً وعطاءاً ومساعدة للآخرين، متبوعين بمواطني الولاياتالمتحدة ونيوزيلنده، على الرغم من أن العالم كله شهد تواطؤ حكومة "ميانمار" وصمت شعبها تجاه عمليات التطهير العرقي ضد المسلمين، حيث كان المواطن "الميانماري" يمر في الشارع بجانب الشرطي الذي يشرف على عملية سلخ الناس وتقطيع الجثث دون اعتراض رسمي، ولم تشهد الدولة تظاهرات شعبية مثلاً لتطالب بوقف المجزرة "وقد حصدت رئيسة الدولة "أون سان سو تشي" عدة جوائز منها جائزة سخاروف لحرية الفكر سنة 1990م وجائزة نوبل للسلام سنة 1991م بحجة دعمها للنضال اللاعنفوي، ثم قامت بمهمة غير شريفة رغم تلك الجوائر تتلخص في التغطية على قتل الأطفال وتهجير شعب "الروهينجيا" بأكمله من أرضه إلى الشتات، ورغم ذلك (حازت ميانمار على الدولة الأكثر جوداً وعطاءاً) كما ورد في الأخبار التي انتشرت في آلالاف الوسائل الإعلامية الدولية والصحف العربية والمواقع الإلكترونية ويرجع ذلك إلى "مؤشر أحمق.. وإعلاميين أكثر حماقة قاموا بنقل الخبر"! إن مسألة قياس "البخل والكرم – الفساد –الشفافية – الجود والعطاء" لابد وأن يكون لها معايير ثابتة تخص معدلات الإقتصاد الكلي والجزئي بالدولة وعلاقتها بمستوى الفقر وما تقدمه تلك الدول للفقراء من دعم وتبرعات عبر الجمعيات غير الحكومية مع قياسات خاصة لهذا الدعم، ومعيار آخر عن وضع المهاجرين والمقيمين ومساعدة الغرباء ومدى الأعباء على كاهلهم ومستويات إنفاقهم وديونهم الخاصة وطريقة معاملتهم، ثم آليات محددة "للمسح Survey -" تناسب حجم الدولة الجغرافي والديموغرافي وذلك لتوفير أقل معايير المصداقية في النتائج، ثم صناعة معايير إعلامية خاصة لنشر النتائج وتحويلها لتقارير صحفية بحيث لا تسىء للدول والأمم سواء اتفقت أو اختلفت معها، فالإحصائيات التي تصنع المؤشرات الدولية غامضة وغير متفق عليها بشكل تام، وتستخدم للإساءة وخفض الروح المعنوية وإضعاف الثقة لدى الشعوب، فمثلاً يتحدثون عن الشعوب الأكثر إهانة للمرأة والشعوب الأكثر تكريماً للمرأة، ويصنعون لهذا المؤشر معايير خاصة به تختلف عن تلك المعايير العقلانية والموضوعية التي ينبغي لها أن تحكم! إن خطر هذه المؤشرات يكمن في تكريس أفكار كاستبعاد دول بعينها مثل "فلسطين" لعدم حصولها على الإستقلال، وبالتالي تلغى نتائجها من بعض المؤشرات التي تدشنها مجلة "فورين بوليسي" على سبيل المثال وكذلك صندوق السلام الدولي، ولأجل إكمال المشهد يتم اقحام قبرصوتايوان بجوار "فلسطين" لإحداث التوازن أثناء الخدعة، بحيث إذا عاتبتهم ورفضت قرارهم يقولون لك "لماذا لا تدافع كذلك عن"(تايوان)؟! هناك مساحة أمام الأمم الناضجة والشعوب الحرة لصناعة مؤشرات جديدة بمعايير جديدة وراسخة ومصادر متنوعة وباستخدام الذكاء الإصطناعي والذي لم تستخدمه مؤسسة «تشاريتيز إيد فاوندايشن» صاحبة امتياز مؤشر "البخل والجود والعطاء"! كما أود الإشارة بأنه متاح لأي "شخص – عفريت" أن يصنع مؤشراته على مزاجه الخاص وينشرها عبر الإنترنت ليسوّق لكيان أو دولة ويسىء لدولة أخرى" وبيده أن يضع معاييره الوهمية وأخرى حقيقية كما تفعل بعض المنظمات الدولية" ودون استشارة من أحد ويعلن أن هذه الدولة (الأقل نظافة) وتلك الدولة (الأفضل في النظافة) وتكون معايير التحليل الإحصائي مرتبطة بمستوى النظافة حول بيته وأمام مبنى الحي، ثم معيار آخر لقياس "تدين الشعوب ومستوى الإيمانيات والروحانيات" ويضع معيار لحجم زيارات الناس للمسجد الذي يصلي فيه ويقارنها بأماكن أخرى بعد الاتصال بأصدقاء وزملاء، ولن يلتفت أحد لتلك الكواليس، ولكن النتيجة في النهاية تبدو واضحة في تقرير صحفي ومنشور عبر مواقع التواصل الإجتماعي عليه آلالاف الإعجابات، وهكذا يمكن صناعة المعايير للمؤشرات المسيئة التي تنشر عبر الإعلام.