أكتب هذا المقال وأنا أستعد للسفر إلى بريطانيا وأسبانيا للمشاركة في بعض الندوات وإلقاء بعض الندوات، وحضور المؤتمر الدولي السادس للتقريب بين المذاهب الاسلامية برعاية المركز الاسلامي في إنجلترا يوم السبت. 12 ذي القعدة 1433ه الموافق 29/9/2012، على وجه الخصوص. كما تأتي كتابة هذا المقال أيضاً في ذكرى أليمة جداً هى شهر سبتمبر، والهجوم الذي زعمت أمريكا أن القاعدة شنته على نيويورك، وللأسف إبتلع بعض الاسلاميين الطعم، دون أن أقلل في ذلك من قدرات الاسلاميين ولا القاعدة. ولكنها مفارقة عجيبة جداً، أن يستطيع رجال القاعدة التخطيط لمثل هذا العمل القوي، بعيداً عن كل أجهزة الاستخبارات العالمية، وأن تفتح لهم المطارات الأمريكية الأربعة على مصراعيها دون أمن ولا تفتيش، ليدخلوها بسلام آمنين، ويخطفوا الطائرات التي تحتاج إلى تدريب طويل خاص، ثم يصيبوا بها الأهداف القاتلة. لم أقتنع يوماً ما بهذه التهمة التي أضافت إلى الارهاب إرهاباً، واستطاعت أمريكا من خلالها أن تعيد غزو العراق وتحدث فيه ما أحدثت، ثم إحتلال أفغانستان، وتنتزع بهذا الغزو والاحتلال الحكم من أيدي المجاهدين وطالبان وتعطيه للديموقراطي الأمريكي الكبير كرزاي، وينضم بعض قيادات المجاهدين إلى حكومة كرزاي تجنباً للفتن ودرأ للمفاسد، رغم أنهم لم يتجنبوا تلك الفتن أيام الاحتلال السوفياتي ولم يدرأوا المفاسد، آنذاك- إنما يبدو على ما كان يقوله أو يعتقده بعض أهل الفتاوى من ضرورة الجهاد ضد المحتل السوفياتي، أما احتلال أهل الكتاب لبلادنا فقد يكون مقبولاً ولا يجوز الخروج على الحاكم ولذلك فإن القوات الأمريكية سعيدة جداً في الخليج. كما أكتب هذا المقال وقد إشتعلت الفتنة من جديد بشأن الإساءة العمد إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك الفيلم السينمائي المشبوه الذي أسهم فيه أقباط المهجر في أمريكا وهم الأقباط الذين أسسوا دولة الأقباط في مصر، إما كجزء من سياسة ومخطط برنارد لويس أو الشرق الأوسط الكبير وهو ما رفضه الأقباط أو النصارى في مصر وأدانوه. ومادام قد تحقق شيءمن هذا في السودان فلما لا يتم في البلدان العربية الأخرى الكبيرة جغرافياً مثل مصر وليبيا والجزائر والسعودية. هذا ظنهم وسعيهم والله من ورائهم محيط. هل يستطيع العرب الخروج من الدوائر الضيقة والفهم الضيق إلى الدائرة الإقليمية والعالمية الأوسع، فيلعبوا الدور المناسب لهم؟. وهنا ينبغي التأكيد على موضوع التقريب ذلك المشروع العظيم، وذلك في إطار إن مرجعية المسلم في الإسلام، ومصادر التشريع الأساسية هى القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة. والرسالة التي يحملها الاسلام والمسلمون إلى العالمين، تتضح من آيات وأحاديث عديدة يشرحها ويفسرها كل الأئمة والمفسرين ولا إختلاف في الجوهر حولها. ومن هذه الآيات والأحاديث'وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين'،سورة الأنبياء. ومنها' يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً' سورة الأحزاب وهذه من أهم وظائف الرسل عليهم الصلاة والسلام. ومنها'إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق' هل يفهم الغرب ذلك حتى يكف عن سب الرسل عليهم السلام جميعاً؟. ومن وسائل تحقق ذلك كما جاء في القرآن الكريم 'إن هذه أمتكم أمة واحدة' وكذلك 'ولا تنازعوا فتفشلوا' ومنها 'واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا'. أما الخسائر بل والأثام التي تتحقق بالتنازع والتفرق وإهمال التقريب واضحة للعيان، لأنها متحققة ومنها وجود 57 دولة إسلامية أعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي. ومنها أننا أيضاً أعضاء متفرقون متشاكسون في جامعة الدول العربية وفق تخطيط سايكس بيكو. ومنها أننا دول ممانعة ودول موالية، ومنها أننا دول غنية ودول فقيرة، ومنها أننا دول شبه كبيرة، ودويلات صغيرة لا يحسب لها حساب في الميزان العالمي ولا ميزان التكتلات القوية، حتى مع عضويتها في الأممالمتحدة. أما الفوائد والمحاسن التي يجب أن تتحقق من مشروع التقريب القوي الصادق فمنها، إنتشار الحوار الديني العلمي الهادف، ومنها العلاج الناجح لمشاكل التطرف والغلو والتكفير المستعصية منذ زمن الخوارج الأوائل، ومنها الإحسان في بناء قاعدة للسلم الاجتماعي، وتحديد أهم مشروع عملي لبناء الأمة الواحدة أمام الهيمنة الغربية والتحديات الكبيرة التي تحول التنمية والبناء الحقيقي في الأمة كلها، والمأمول مع نجاح هذا المشروع مواجهة الغزو الثقافي للأمة، ودحض الشبهات القائمة ضد الاسلام وخصوصاً في الغرب، ومنها تعزيز الصحوة الاسلامية وحسن توجيهها. ومنها إنشاء مشروع يوضح دور التقويم الكبير الذي يقبل به الجميع في التصحيح والتصويب المطلوب للمسار الحضاري وتحقيق السلم الاجتماعي. ومن أجمل ما قرأت في هذا الصدد من كلام الأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم وهو يحقق كتاب: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، قوله: 'وقد قامت جماعة تقول بوجوب التقريب بين المذاهب الإسلامية،وعدم جواز التعرض للخلافات بين الفرق الإسلامية المختلفة، حتى نحافظ بذلك على وحدة الصف بين جميع المسلمين، وعلى هذا الرأي يكون نشر كتاب مثل 'منهاج السنة' فيه نقد لمذهب الشيعة والمعتزلة مما يزيد الخلاف ويشيع الفرقة، وهو ما يجب أن نعمل على تلافيه وتجنبه. ولا ريب أن اتحاد المسلمين واجتماع كلمتهم هو ما يجب أن يسعى إليه جاهداً كل مسلم غيور على دينه مخلص لعقيدته، على أن هذا الاتحاد يجب أن يكون على الحق لا على الباطل، وعلى أسياس التمسك بالكتاب والسنة، كما أمرنا الله تعالى بذلك في قوله 'واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا' سورة آل عمران، وحبل الله هو كتاب الله'. أما في ضوء ما يقع في مصر من أحداث، أرى أن معظمها إيجابي، إذ يحاول كل جهده في البرلمانيات القادمة إذا لم يعد مجلس الشعب إلى الانعقاد وإلغاء قرار الإبطال. هناك في جانب الإيجابيات اسقاط الديون عن صغار الفلاحين، وتواصل الحملات الأمنية وزيارات الرئيس مرسي الإيجابية، والغضب الشعبي الواسع من الفيلم الذي يسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. قرأت مقالاً جدير بالقراءة والتأمل، في جريدة الوطن يوم الاثنين 10 سبتمبر الاعلامي البارز مجدي الجلاد - سواء إتفقنا معه أو اختلفنا معه ومع رؤيته. المقال بعنوان: أحمد شفيق رئيساً لمصر، يتصور فيه كيف كانت ستكون الأوضاع لو ان شفيق كان قد فاز في إنتخابات الإعادة للرئاسة، وأصبح رئيساً لمصر. التصور في الغالب وفي المجمل صحيح بشأن فلسفة صناعة الفرعون، وقلب الحقائق، والقضاء جاهز لذلك أيضاً. المنظر لو كان فاز شفيق في تصور الجلاد، سيكون هو الوضع الحالي بالمقلوب. كيف كان من الممكن أن يكون ذلك؟. التصور يقول لو أن شفيق فاز بالرئاسة كان قد فتح الجاكيت مراراً وتكراراً وليس مرة واحدة كما فعل الرئيس مرسي حتى يحين الوقت لخلعه تماماً، ثم لقاءات مع جميع القوى والأزهر والأقباط والقضاة والاعلاميين كما فعل مرسي، ثم إختيار ضابط متقاعد لرئاسة الحكومة يعني من جماعته وخلفيته، ثم إلقاء رؤوس المعارضة كلهم في السجون والمعتقلات، أو إجبارهم للرحيل مبكراً إلى الخليج بدلاً منه شخصياً الآن، ووجوده في الامارات كقلعة محارب قديمة. أما عصام سلطان الذي أبلغ عن فساد شفيق في أرض الطيارين، فكان سيحال فوراً إلى المحاكمة بتهمة البلاغ الكيدي ضد شفيق، وطبعاً سيكون متهماً وضالعاً في الفساد، وكنا سنرى أعضاء لجنة السياسات في عهد المخلوع في قمة المسؤولية الجديدة للدفاع عن شفيق ونظامه ودعمه وخصوصاً بعض الكتاب مثل عبدالله كمال ليهتم بقطاع الاعلام. ومن لزوم ذلك إغلاق قناة 25 يناير بتهمة التحريض ضد شفيق، وسيتقدم من يكرهون الإخوان أو المنافقون الجدد بتهم جديدة أو إحياء التهم القديمة ضد الإخوان، ومنها عدم قانونية وضع الإخوان، والتمويل الخارجي، والمليشيات، وربما محاكمتهم من جديد على جرائم قتل الخزندار والنقراشي. وكل التهم تتأكد عند الكراهية، وتزداد السلبيات مع الغل والحقد وتنتهي الحسنات والإيجابيات. هذا المقال موجه أساساً إلى الرئيس مرسي و الحرية والعدالة والإخوان، وليس لشفيق، حتى يعود إلى أرض الوطن ويمثل أمام القضاء في التهم المنسوبة إليه، ويبرئ ساحته إن كان بريئاً ويشارك في العمل السياسي وفق نصيحة الرئيس أوباما له بعد الفشل في الانتخابات. ويبدو أن شفيق كان يعلم بما سيحدث له لو بقى في مصر بعد الانتخابات فسارع وأسرته إلى الامارات لعل ضاحي خلفان يرضى عنه ويطلق مجموعة من صواريخه ضد الاسلاميين ويدعم شفيق طالما أوباما يرضى عنهما، مما يذكرنا بإستقبال السعودية أيضاً للمخلوع الهارب علي زين العابدين. طبعاً هو من العابدين للغرب والمال والشهوة والسلطة والفساد والتعذيب للمعارضة وطردهم إلى خارج البلاد وتعقبهم بالإنتربول وغيرها من الوسائل السيئة. ولم يستطع شفيق أن يحدد موعداً حتى الآن للعودة إلى مصر عندما سأله الإبراشي عن ذلك الأمر. هذا النقد بعين فاحصة من الجلاد، هو إنذار للنظام القائم من الوقوع في الخطأ الذي يؤدي إلى الفشل والفوضى أو الاستبدال، ويحذر الجلاد في مقاله من وجود المنافقين الذي يدافعون عن الرئيس والنظام بالحق أو الباطل كما يحذر من عودة لجنة السياسات. وللأسف فإن بعض إعلامنا لا ينسى أن يكتب عن موضوعات لقضاء الوقت ومنها بيع ملابس مارجريت تاتشر في المزاد العلني. أظن أن عهد من كان يذهب من مصر لمثل هذه المزادات قد ولى إلى غير عودة. نقلا عن القدس العربي