مع تنامي ظاهرة الإلحاد الجديد new atheism أو (الإلحاد العلمي) يمكننا الآن أن نرصد المنهج الذي يتبعه الملحدون لرفض ومحاربة فكرة الإيمان ، و أن نلخصه ( أي المنهج الإلحادي) في نقطتين أساسيتين :النقطة الأولى إنكار الخالق بدعوى تناقض (الرواية) الدينية مع (الحقيقة) العلمية في القضايا الكونية مثل عمر الكون وعمر الأرض وكيفية نشأة الحياة، والنقطة الثانية هي التشكيك في بعض القصص والأحداث الكبرى التي كان لها تأثير مباشر على الجنس البشري و الحياة بشكل عام ، ومن هذا النوع الثاني تبرز قضية التشكيك في طوفان نوح عليه السلام ، مع ملاحظة أن المنهج الذي يتبعه المشككون في الحالتين منهج (يتستر بالعلم) ، وينادي (باختبار الفكرة الدينية )اختبارا علميا بعيدا عن (العاطفة الدينية )، وربما لهذا السبب ، فهم لا يركزون على معجزات مثل (عصا موسى ) و (ولادة المسيح من عذراء) باعتبار أنها قضايا فردية ، لم يكن لها تأثير في التغيير الجيولوجي للأرض ، ومع ذلك فهي أيضا مطروحة على مائدة نقاشهم العلمي . وباسم هذا المنهج العلمي المزيف تقدم افتراضات علمية تتسم بالغرابة بل و العنصرية أحيانا ، فمثلا يفترض بعض الباحثين أن قصة الطوفان المذكورة في ملحمة جلجامش السومرية الشهيرة تدل على تأثر التوراة بالثقافة السومرية التي تسربت إلى الفكر اليهودي إبان السبي البابلي لليهود على يد نبوخذ نصر الملك البابلي ، هكذا بكل بساطة دون مراعاة أن التوراة كتاب مقدس أوحاه الله إلى النبي موسى عليه السلام ، وهم بذلك يلمزون القرآن الكريم نفسه الذي أكد رواية التوراة عن الطوفان ، فهل القرآن أيضا تأثر بملحمة جلجامش أم تأثر بالتوراة ؟ و أما من الناحية العلمية و الجيولوجية فقد شغلت قصة الطوفان قطاعا كبيرا من الفلاسفة و العلماء على مر العصور ، وخصوصا مع وجود كثير من الحفريات المائية Marine Fossils على قمم الجبال و في أماكن كثيرة من العالم ، وقد انقسمت الآراء و التفاسير إلى مذهبين ، المذهب الديني الذي يؤكد ان تلك الحفريات البحرية أو المائية بسبب طوفان عالمي أغرق الكرة الأرضية ، وهو ما يسمى بمذهب flood geology أو جيولوجيا الطوفان ، و المذهب الثاني الذي يحتكر العلمية ويطلق على نفسه Modern Science geology الذي يرفض فكرة الطوفان العالمي ، ويعتبر أن بقايا الحيوانات و النباتات هي تطور طبيعي في جيولوجيا الأرض على مدار ملايين السنين . وقد اشتد الجدل في السنوات الأخيرة بين المدرستين (الدينية العلمية ) و (الإلحادية العلمية ) و أخذ كل فريق يستقطب إليه كبار علماء الجيولوجيا لتقديم الأدلة على صحة المذهب الذي ينتمي إليه كل فريق ضد الآخر .و قد شاركت الكثير من المجلات العلمية الشهيرة والمواقع العلمية مثل Live Science وغيرها في طرح و مناقشة مثل هذه القضايا من أجل التشكيك فيها أو على الأقل اعتبارها مجرد لغة مجازية أو من قبيل الأمثولة Fable و العبرة الروحية التي تتحدث عن عقاب الله للعصاة و لا علاقة لها بالواقع العلمي أو الجيولوجي. وقد قامت المجلة بتفنيد آراء هنري موريس Henry Morris مؤلف كتاب الأسس الإنجيلية للعلم الحديث The Biblical Basis for Modern Science و هو أحد أنصار مدرسة التوفيق بين الرواية الدينية و النظريات العلمية ، و اعتبرت المجلة أنه يستحيل وفقا لحسابات موريس أن تكون قصة الطوفان مقبولة من الناحية العلمية ، و أن سفينة نوح لا يمكن أن تسع كل حيوانات الأرض وخصوصا إذا كان هناك بعض الديناصورات التي يبلغ وزنها عشرات الأطنان ، ليس هذا فحسب بل هناك اعتراضات أخرى- من وجهة نظرهم - عن الكيفية التي استطاع من خلالها نوح أن يحمل حيوانات مثل الكنغر من أستراليا والبطريق من القارة القطبية الجنوبية و حيوانات أخرى من أمريكا الجنوبية بينما تقبع السفينة في الشرق الأوسط؟ وهكذا من خلال هذا (التذاكي) في طرح تلك الأسئلة التي قد (تبدو علمية) ، يتم نسف الروايات المقدسة بدعوى تعارضها مع العلم . لذلك آثر فريق ثالث الجلوس في المنطقة الدافئة مفترضا أن الطوفان كان جزئيا ، وفي منطقة محدودة من العالم .لكن من ناحية أخرى فإن المؤمنين يستخدمون نفس السلاح – أعني- (سلاح العلم) لتأكيد حدوث هذه الروايات المقدسة ، وهناك العديد من الكتب التي تناولت قضية طوفان نوح و تأييدها من (وجهة نظر علمية) ، ومن هذه الكتب كتاب : طوفان نوح ..الاكتشافات العلمية الحديثة عن الحدث الذي غير التاريخ Noah's Flood ..the New Scientific Discoveries about the Event That Changed History للمؤلفين وليام ريان وولتر بيتمان ، وهما عالمان في الجيولوجيا الفيزيائية ، أثبتا فيه من خلال استخدام التقنيات الحديثة تعرض الأرض لفيضان كارثي منذ حوالي 7600 سنة من خلال دراسات علمية في منطقة البحر الأسود . من الملاحظ إذن أن كلا الفريقين يدلل على صحة مذهبه الديني أو الإلحادي من خلال الاكتشافات العلمية ، ويتم قراءة الحدث العلمي الواحد بطريقتين مختلفتين وفقا للأيدلوجيا التي يعتنقها العالم ، وهذا يؤكد أن الإلحاد ليس قضية علمية خالصة كما يحاول أن يروج معتنقوه ، وبخاصة إذا علمنا أن هناك قضايا علمية كثيرة في كل المجالات المختلفة و التي يسميها العلماء مشاكل لا حل لها Unsolved problems ، بل و تؤدي ببعضهم إلى تقديم مقترحات و افتراضات تشبه الأساطير و الخرافات التي يعترضون عليها ، ومنها مشكلة ظهور الأكسجين على الأرض والتي يطلق عليها المجتمع العلمي (كارثة الأكسجين) Oxygen Catastrophe ، وهي واحدة من المشاكل العلمية الكبرى التي يواجهها الفكر الإلحادي والتي لا حل لها سوى الاعتراف بوجود الخالق .