هذا العنوان مستوحىً من عنوان كتاب للإمام جلال الدين السيوطي (849-911ه ) هو : ( المضبوط في أخبار أسيوط ) .وهو كتاب وضعه السيوطي في تاريخ أسيوط وفاءً لذكرى أجداده الذين عاشوا بها ، أما هو نفسه فإنه لم يكن من أهل أسيوط ، بل لم يثبت أنه قد دخلها قط ، وإنما الثابت كما في كتابيه : "حسن المحاضرة " و" التحدث بنعمة الله " أنه رحمه الله ولد ونشأ وعاش بالقاهرة، وتحديداً في منطقة جزيرة الروضة . وقد بقي بها إلى أن توفاه الله ،حيث دُفن بحوش قوصون خارج باب القرافة كما ذكر تلميذه ابن إياس في بدائع الزهور ( ص: 735 ) ، وهو عند ما يسميه العامة الآن بوابة السيدة عائشة على ما حققه العلامة أحمد تيمور باشا في كتابه : (قبر الإمام السيوطي وتحقيق موضعه ص: 16) . وإنما جاءت نسبته إلى أسيوط لأن أجداده كانوا قد عاشوا بها كما ذكرنا ،وبها وُلِد والده ، فنسب إليها. وعلى ذلك فالضريح الموجود بالمسجد المسمى باسمه في أسيوط لا صلة له به رحمه الله .كما أن المحققين على أن الإمام السيوطي لم يعقب نسلاً ،مع أن هناك من ينتسب إليه في أسيوط وهم المعروفون ببيت "الجَلالي "، فلعل نسبتهم إليه كما يذكر تيمور باشا في كتابه المشار إليه آنفاً كانت لاتصالهم بالضريح المنسوب إليه بأسيوط ، أي أنهم من نسل نظار الضريح وخدمته . على كل حال ليس مقصودنا هنا الحديث عن السيوطي ، ولا عن كتابه المشار إليه ، وإنما نهدف إلى تحقيق اسم أسيوط وتطوره عبر العصور. وقد كان الباعث على هذا البحث الطريف أني قرأت كلاماً لبعض الكاتبين يذكر فيه أن أسيوط كان اسمها منذ عهد الفراعنة "سيوط "، وأن السبب في تسميتها أسيوط أن الفرنسيين إبَّان حملتهم على مصر ، لما أرادوا التوجه إلى أسيوط للاستيلاء عليها قالوا بلغتهم : ( أُو سيوط ) أي : ( إلى سيوط ) ،ثم بمرور الوقت ادمج حرف الجر ( أُو ) في اسم المدينة سيوط فصارت : أُسيوط بضم الهمزة وحذف الواو ،ثم تحورت إلى أَسيوط بفتح الهمزة . والحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح ، وإن كان الجزء الخاص بتسميتها في العصور الفرعونية : ( سيوط ) صحيحاً ، وهو مذكور في كثير من المصادر ، على ما جاء في كتاب : ( مدينة أسيوط بحث في بيئتها بين الماضي والحاضر ) لمؤلفه عثمان فيض الله حيث ذكر في ( ص: 29-30 ) أنها كانت في مصر القديمة تسمى سيوط ،واستمر اسمها كذلك إلى أن حكم البطالسة مصر فنُسيت كلمة "سيوط " ،وأطلق الإغريق على المدينة اسم "ليكوبوليس "،ومعناها مدينة الذئب ، واستمر الحال كذلك إلى أن فتح المسلمون مصر فنقل العرب اسم المدينة القديم ونطقوه : (أسيوط ) أو ( سيوط ) . أي أن تسميتها بأسيوط تسمية قديمة ولا علاقة لها بمجئ الحملة الفرنسية إلى مصر .ومما يؤكد ذلك أن أسيوط ذكرت بهذا الاسم في كثير من المصادر قبل قدوم الفرنسيين إلى مصر بعشرات السنين ،بل بمئات السنين : 1-فمن ذلك ما ذكره الجبرتي في تاريخه المسمى (عجائب الآثار في التراجم والأخبار ) فإنه ذكرها مراراً باسم أسيوط من قبل قدوم الفرنسيين إلى مصر ، ومن ذلك ما ذكره في حوادث سنة 1183 ه 1769 م ، أي قبل قدوم الفرنسيين بنحو ثلاثين عاماً ( حيث كانت الحملة الفرنسية في سنة 1798م ) ،وذلك حين تحدث عن الوقعة الشهيرة التي كانت بين عساكر علي بك الكبير الذين يسميهم الجبرتي بالمصريين ،وبين جنود شيخ العرب همام من الهوارة ومن انضم إليهم من أهل الصعيد وكذلك بعض المماليك الذين كانوا هاربين في بلاد الصعيد ، حيث ذكر أن الفريقين التقيا عند أسيوط ، وذكر طرفاً من سير تلك الحرب وما دار فيها إلى أن قال : ( وانجلت الحرب عن هزيمتهم – أي الهوارة ومن معهم - ونصرة المصريين عليهم وذلك عند جبانة اسيوط. فتشتتوا في الجهات وانضموا إلى كبار الهوارة ،ومَلَك المصريون أسيوط ). 2-وقبلَ الجبرتي ذكرها السيوطي باسم أسيوط في كتابه الذي سبقت الإشارة إليه ( المضبوط في أخبار أسيوط ) ، وإن كان قد ذكر أن في اسم أسيوط لغات أخرى كما سيأتي ،والسيوطي رحمه الله قد توفي كما ذكرنا سنة 911ه وهو يوافق الموافق 1505م أي قبل مجئ الفرنسيين بحوالي ثلاثمائة سنة. 3-بل إن أسيوط ذكرت بهذا الاسم في كتاب : ( معجم البلدان ) لياقوت الحموي فإنه ذكرها باسم أَسْيوط ، وذكر أنها مدينة في غربي النيل من نواحي صعيد مصر ،وأنها مدينة جليلة كبيرة ، وأشار إلى كثرة النصارى بها ، ومن عجيب ما ذكره ياقوت عن أسيوط أنه يصنع بها الأفيون حيث يُعتصر من ورق الخشخاش الأسود والخس ويحمل إلى سائر الدنيا ، كما ذكر أن الدنيا قد صورت لهارون الرشيد فلم يستحسن إلا كورة أسيوط ، وأنها كانت أحد متنزهات خمارويه بن أحمد بن طولون . إلى أن قال : ( وينسب إليها جماعة منهم أبو علي الحسن بن علي بن الخضر بن عبد الله الأسيوطي توفي سنة 273 وغيره ). [ معجم البلدان : 1/ 192]. وصاحب معجم البلدان متوفىً سنة 626ه- 1228م ، أي قبل مجئ الحملة الفرنسية بأكثر من خمسة قرون . وأخيراً نشير إلى ما ذكره السيوطي رحمه الله من لغات في طريقة نطق أسيوط حيث قال في كتابه التحدث بنعمة الله ص: 12 : (( والذي تحرر لي بعد مراجعة كتب اللغة ومعاجم البلدان ومجاميع الحّفاظ والأدباء وغيرهم أن في أسيوط خمسَ لُغاتٍ: أسيوط بضم الهمزة وفتحها،وسيوط بتثليث السين)) ، أي : أُسيوط وأَسيوط ،وسُيوط ،وسَيوط ،وسِيوط. ومن أجل ذلك تجد النسبة إليها أسيوطي وسيوطي وكلاهما صحيح . وقد كنت قديماً أسمع شيخاً لنا هو الشيخ محمد سويفي –وهو من علماء أسيوط - إذا ذكر السيوطي ينطقه : ( السَّيوطي ) بفتح السين وليس بضمها ، وكنت أظن ذلك خطأ من الشيخ رحمه الله ،إلى أن وقفت على هذا الذي ذكره السيوطي فعرفت وجه ذلك ،والحمد لله رب العالمين.