لا أستغربُ القرار الهولندى الأخير بمنح الأقباط المصريين حق اللجوء السياسى، الأمر الذى يُصوِّر أقباط (مصر) على أنَّهم يتعرضون ل (هولوكست) مُبير! لا أستغربُ لأنَّ (هولندا) فى العقد الأخير تُعدُّ من أشدِّ دول العالم عنصرية وطائفية ضدّ المسلمين، ف(هولندا) هى الدولة التى بثَّت فيلمًا كرتونيًّا إباحيًّا يُسيءُ لنساء أطهر العالمين. وهولندا هى الدولة التى تَخصَّص رئيس أحد أكبر أحزابها (جيرت فيلدرز) فى الإساءة للإسلام والمسلمين مدعومًا من شخصيات كبيرة لها وزنها فى الحكومة الهولندية ابتداءً برئيس الوزراء نفسه (مارك روت) صاحب المواقف العنصرية المشهورة ضد المسلمين عامةً والأتراك والمغاربة خاصةً، وهو ما اعترف به وزير الداخلية السابق (فان تاين) الذى طالما حذَّر من مخاطر العنصرية ضد المسلمين، والتى انتشرت على حدِّ تعبيره فى كلِّ مكانٍ؛ قائلًا: «التمييز والعنصرية ضد المسلمين تجده فى البرلمان كما تجده فى الشارع»، وقد وصف (فان تاين) فيلم (جيرت فيلدرز) المسيء للرسول - صلى الله عليه وسلّم- بأنه وصمة عارٍ فى تاريخ (هولندا). ورغم ذلك صُدم كلُّ المحترمين فى (هولندا) وخارجها من توصيات الادِّعاء العام فى هولندا بتبرئة (فيلدرز)، واعتبروه تدنيسًا لنزاهة القضاء التى يتشدقون بها. لا أستغربُ لأنَّ المركز الهولندى لرصد مظاهر التفرقة العنصرية لم يجد بُدًّا من الاعتراف بأنَّ المسلمين هم أكثر الفئات تضررًا من التفرقة العنصرية فى هولندا، مُنتقدًا الحكومة التى خصصت 900 مليون يورو عام 2004 لمقاومة كل ما هو إسلامى تحت ستار مقاومة الحركات الراديكالية. لا أستغرب؛ إذ أصدرت منظمة العفو الدولية فى إبريل من العام الجارى تقريرًا عنونته بعنوان "الخيارات والأحكام المسبقة: التمييز العنصرى ضد المسلمين فى أوربا". حيث انتقدت المنظمة التمييز الواضح ضد المسلمين فى هولندا، وضمَّنت تقريرَها مظاهرَ عديدةً لهذا التمييز فى التعليم وسوق العمل وتقييد الحريَّات فى ممارسة الشعائر الإسلامية، وحظر النقاب حظرًا تامًّا اقتداءً بفرنسا أمّ الحريات!!! والصعوبة البالغة التى يُعانيها المسلمون فى بناء المساجد التى هى فى الغالب زوايا صغيرة لا تتجاوز عشرة أمتار مربعة... إلى غير ذلك مما ذكره التقرير. إذا استدعينا هذا التاريخ (الهولندى) العنصرى ضد المسلمين فلا نستغربُ من تدخُّلها السافر فى شئون (مصر) إلى هذا الحدِّ الذى يُصوِّر (مصر) أمام العالم على أنَّها دولة فاشية نازية يتعرَّض فيها الأقباط لما يتعرَّض له المسلمون فى (هولندا) حامية حمى الحرَّيات، ولسان حالها: رمتنى بدائها وانسلَّت!!! أمَّا الذى أتعجَّب منه أشدَّ العجب، فهو الصمت المريب من الخارجية المصرية – لا أَسكتَ الله لها صوتًا- وهو ديدنها إبَّان النظام البائد حتى فقدنا أبعادنا الإفريقى منها والعربى والدولى وأصبحنا بمثابة (الكنز الإستراتيجى) أو (الفرخة بكشك) لأعدائنا.. أما ونحن بعد الثورة؛ فأين وزير الخارجية وأين وزارته؟ لماذا لم تخرج علينا الوزارة بتوضيح للأمر؟! لماذا لم تستدعِ السفير الهولندى لاستيضاح القرار وأبعاده ودوافعه، ثمَّ تتخذ موقفًا قويًّا لا يقتصر على التعبير عن رفض مصر لهذا التعدِّى الحاضر على سيادتها، وإنَّما يستدعى التاريخ العنصرى لهولندا، ورفضه برُمَّته بأثر رجعيٍّ، حتى تصل الرسالة قوية بأنَّ (مصر) قد تغيَّرت فعلًا، وأنَّها قادرة على فتح (الدفاتر القديمة). أعجبُ – كذلك – لشرفاء الأقباط الوطنيين الذين لم يبادروا برفض هذا العدوان الهولندى على السيادة المصرية.أعجبُ أكثر إذ تجاوز الأمر السكوت إلى ترحيب بعض الأقباط بهذا القرار، واعتباره فتحًا مُبينًا. الأمر الذى يجعلنا نتساءل: هل هناك شيءٌ يحاكُ بليلٍ؟! أمَّا العجبُ الذى لا ينقضى؛ فمن إعلاميينا وكُتَّابنا ومثقفينا الذين هبُّوا للجهاد الأكبر فى معركةٍ (مصطنعة) من أجلِ مُمثِّلة فلوليةٍ مُنتهية الصلاحية، فاستُهلكَتْ من أجلها عشرات الأطنان من المداد فى تسطير البيانات المتوعدة والمقالات التراجيدية المندِّدة، وذُرفت من أجلها بحارٌ من الدموع، ولم نرَ أحدًا يُندِّدُ بهذا التطاول الهولندى السافر، أو يبكى من أجل سيادة (مصر) المنتهكة. ويبدو أنَّ المدافعين عن التجربة الدنماركية لا يرون فى التجربة الهولندية الحاليّة إلا نوعًا من أنواع التغيير لزوم الفرفشة!!