محال أن يسبق غضبنا بسبب الإساءة لرئيس مصر من قبل آلة التزييف السورية لوعتنا على الدماء الحرة الطاهرة المحرمة على أرض الشام كل يوم، والتى بلغت حدًا يكاد يصبح مائتى شهيد يومياً، فكلاهما وإن كان عزيزًا؛ فإن الدم لابد أن يسبق غضب الإهانة. على أن الأخيرة، لها هى أيضاً ثمن؛ فلئن كان الأبطال من الجيش الحر والمجموعات القريبة منه تنال من شبيحة النظام الفاشى فى دمشق، وضباطه وجنوده، وطائراته ودباباته كل يوم تقريباً؛ فى محاولة حثيثة لكف أذى هذا المتعطش للدماء عن جموع السوريين من غير العلويين؛ فإننا ما زلنا نتمتع بحلم واسع على تلك الإساءات والبذاءات التى تتوالى من الإعلام السوري، بل من مسؤولين كبار فى نظام بشار على الرئيس المصرى بسبب موقفه من الثورة السورية، والذى تجلى فى مؤتمر طهران الماضي.. فإن يصف وزير الإعلام السورى الرئيس المصرى بأنه "منافق سياسى"، ويقول بأن لا يوجد فرق بين مبارك ومرسى إلا اللحية، ويدعى أن كلام الرئيس مرسى عن الدم السورى وبأنه فى رقبتنا كمصر وغيرها من دول عدم الانحياز، بأنه اعتراف بدور مصر وقطر وغيرهما فى سفك دماء السوريين! وأن تتردد الخارجية السورية بذاءات الإعلام الإيرانى حول حداثة التجربة الرئاسية "رئيس ناشئ"، وتصفه تقليلاً بأنه "إخواني"، وكأنها مسبة! وتتطاول وسائل الإعلام السورية فتنعت خطاب مرسى بأنه "قلة أدب"؛ فإن ذلك لا يمكن إدراجه إلا فى خانة العداء السافر على مصر بما يمثله مقام الرئاسة من مكانة، كونه صادرًا عن انتخاب شعبى حر (لم تسمع به أدبيات الفاشية البعثية فى دمشق أصلاً). إن ما يتوجب فعله حيال مثل هذه البذاءات، لا يملأ خزان غضبه من هذه البذاءات وحدها؛ فهى ليست إلا القشة الأخيرة، وإنما هو فى الحقيقة وفر للقاهرة زخماً لموقفها من الثورة السورية، أو بالأحرى، الموقف الذى ينبغى أن يكون. والواقع أننا لسنا محصورين بين الصمت والدعم العسكرى للأحرار السوريين؛ فبين هذا وذاك الكثير من الأفعال التى يمكن لمصر أن تقصر المسافة فيها على أهلنا فى سوريا للوصول إلى حريتهم المنشودة وكنس هذه العصابة الطائفية الفاشية البغيضة من دمشق وسوريا كلها؛ فأمامنا خطوة سياسية هامة تتجلى فى تحويل كلام مصر الرسمى فى قمة طهران عن فقدان نظام بشار لشرعيته، الذى يستخف به الإعلام السورى إلى فعل؛ فتسحب مصر اعترافها بهذا النظام المجرم، وتعلن أنها ستعترف فوراً بحكومة سورية مؤقتة إذا ما أقيمت ممثلة واقعياً لقادة الداخل والخارج، والعسكريين والمدنيين، وتفتح الباب واسعاً لتحويل دفة الشرعية العربية إلى نظام جديد.. وبالطبع هذا يستدعى إغلاق السفارة السورية تماماً فى القاهرة وإغلاق سفارتنا بسوريا. وهذا أمر فى غاية الأهمية إن تم من جانب مصر بما لها من ثقل على المستوى الإقليمى، حتى لو لم تتداع دول المنطقة لتكرار ذلك (تونس فعلت من قبل)، وهو سيساهم فى تسريع سقوط بشار، ورفع معنويات أحرار سوريا، والتمهيد لعلاقة قوية مع ورثة النظام غير الشرعى فى دمشق، والتلويح باتفاقية الدفاع العربى المشترك (مع الثوار)، فى مقابل التلويح من جانب طهران بتفعيل اتفاق الدفاع المشترك مع دمشق بين النظامين الطائفيين، فعلينا أن نفكر جيداً فى الحاجة الملحة التى تدعونا إلى الإبقاء على العلاقة مع دمشق. وأمامنا تحويل رباعية الاتصال التى اقترحها الرئيس مرسى إلى ثلاثية تقتصر على مصر والسعودية وتركيا، بعدما استهانت طهران بالمقترح المصري، وحولته إلى ثلاثية من مصر وإيران وفنزويلا! وأمامنا أكثر من وسيلة، ولو اقتصرت على التنسيق على أعلى مستوى مع أنقرة. كما أن أمامنا الجهد الشعبى الذى تقوده القوى السياسية "الإسلامية"، والتى يتوجب عليها الآن وأكثر من أى وقت مضى إظهار تعاطفها الجارف مع أهلنا فى سوريا، ولا حجة لأحد الآن بعد أن استتب الأمر، وصارت مصر دولة تحكمها رأس واحدة، وتكتب أجندتها الداخلية والخارجية باستقلال كبير، وقد سقطت كل الذرائع التى تحول دون وقفة تليق بمصر من أجل وقف العدوان والمجازر اليومية الدائرة فى الشام.. والجهد الشعبى لا يكون بمثل هذا التهور الذى شهدناه حول السفارة السورية؛ فقطرات دم المصريين من المواطنين والشرطة أغلى من أن تضيع بلا ثمن هكذا، وفى معارك لا طائل من ورائها، ونحن ننتظر فعالية أكبر كمليونية سلمية تماماً مثلاً، وجهوداً فاعلة على صعيد الأحزاب والقوى السياسية، وتبارى بينها فى مد يد العون للسوريين بالداخل والخارج من النازحين واللاجئين وغيرهم.. كذلك؛ فإن ما قاله الرئيس أمام وزراء الخارجية العرب جيد، لكن السوريين سمعوا مثل هذا الكلام من أردوغان، ولديهم تطلع لما هو أكثر فعالية من الزعيمين، لاسيما أن مصر صارت حرة، ولديها ما يمكنها تقديمه مما ذكرت، وغيره.. لقد كانت مصر تساهم فى تسليح "المجاهدين الأفغان" أواخر سبعينيات القرن الماضى وثمانينياته بتمويل خليجي، حينما كانت واشنطن تطلب من العواصم العربية ذلك؛ فهل ننتظر فعلاً مكافئاً من الطرفين بغض النظر الآن عن موقف الولاياتالمتحدة المساند لنظام بشار لحساب "إسرائيل"؟! إن السلاح يتدفق من روسيا وإيران والصين على دمشق، والجيش الحر منح الطائرات المدنية مهلة أسبوع قبل قصف مطارى دمشق وحلب المدنيين بسبب هبوط جسر جوى إليهما من عواصم تلك الدول لسفك دم السوريين.. نعم، يتبقى لدينا أمل فى أن تساهم العواصم العربية الأبرز، إضافة إلى أنقرة فى موازنة هذا السيل المتدفق من السلاح الشرقي، والعمل جدياً على وقف نزيف الدم السورى العزيز.. لدينا أمل وثقة فى القيادة المصرية الجديدة أن تستنهض من حولها كما تسعى لنهضة داخلية، وقد منحنا نظام بشار مبررات جديدة ببذاءاته التى لا تنقطع على القيادة المصرية.