صاحب الإمبراطورية السلطان سليمان الأول، حاكم بيت عثمان، سلطان السلاطين، خان الخانات، أمير المؤمنين، وخليفة رسول الله فى الأرض، حامى المدن المقدسة الثلاث :مكة والمدينة والقدس، إمبراطور: القسطنطينية، وأندرينو بولو برصة ودمشق والقاهرة وأرمينيا والقيروان وحلب وعراق العرب والعجم، والبصرة والإحساء والرقة والموصل وديار بكروقليقيقية وأضنة وأرض البربر والحبشة وتونس وطرابلس، وبغداد وكردستان واليونان، وتركستان وجورجيا، وبلاد التتر والبوسنة وصربيا وبلجراد وألبانيا وقلاعها وحصونها، وبلدان أخرى كثيرة، وبحر مرمرة والبحر الأسود وشواطئه. إنه السلطان سليمان خان الأول بن السلطان سليم خان الأول، ابن بايزيد الثانى، عاشر سلاطين بنى عثمان، وصاحب أطول حكم امتد من سنة 1520 حتى وفاته فى مثل هذا اليوم عام 1566م. عرف عند العجم باسم "سليمان العظيم"، وفى الشرق عرف باسم "سليمان القانونى"، لما قام به من إصلاح فى النظام القضائى العثمانى، وكان من أبرز وأقوى حكام العالم فى زمنه، يتزعم قمة سلطة الإمبراطورية العثمانية العسكرية والسياسية والاقتصادية، قاد الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون فى بلجراد ورودس، وأغلب أراضى مملكة المجر، وضم أغلب مناطق الشرق الأوسط فى صراعه مع الصفويين (الفرس)، ومناطق شاسعة من شمال إفريقيا حتى الجزائر تحت حكمه، وسيطرت الأساطيل العثمانية فى عهده على بحار المنطقة من البحر المتوس إلى البحر الأحمر، وحتى الخليج العربى. فى خضم توسيع الإمبراطورية، أدخل سليمان إصلاحات قضائية تهم المجتمع والتعليم والجباية والقانون الجنائى، فحدد قانونه شكل الإمبراطورية لقرون عدة بعد وفاته، وكان شاعرًا وصائغًا وراعيًا كبيرًا للثقافة ومشرفًا على تطور الفنون والأدب والعمارة فى العصر الذهبى للإمبراطورية العثمانية، وكان يجيد أربع لغات: العربية والفارسية والصربية والتركية. ولد سليمان فى طرابزون، الواقعة على سواحل البحر الأسود يوم 6 نوفمبر 1494، حينما بلغ سبع سنوات، ذهب ليدرس العلوم والأدب والتاريخ والعسكرية فى مدارس الباب العالى فى القسطنطينية، وبعد وفاة والده السلطان سليم الأول تولى الحكم كعاشر السلاطين العثمانيين منذ 22 سبتمبر سنة 1520م. فى الفترة الأولى من حكمه نجح فى بسط هيبة الدولة والضرب على أيدى الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سن السلطان الذى كان فى السادسة والعشرين من عمره فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القوية التى لا تلين، فقضى على تمرد "بردى الغزالى" فى الشام، وأحمد باشا فى مصر، وقلندر جلبى فى منطقتى قونية ومرعش الذى كان شيعيًا، جمع حوله نحو ثلاثين ألفًا من الأتباع للثورة على الدولة.. غير أن الذى اشتهر به واقترن باسمه هو وضعه للقوانين التى تنظم الحياة فى دولته الكبيرة.. حيث كان القانون السائد فى الإمبراطورية هو الشريعة الإسلامية وكان تغييرها خارج صلاحيات السلطان، حتى ظهر قانون سليمان الذى غطى مجالات القانون الجنائى وحيازة الأراضى والجبايات، جمع فيه جميع الأحكام التى صدرت من قبل السلاطين العثمانيين التسعة الذين سبقوه، وبعد القضاء على الازدواجية والاختيار بين التصريحات المتناقضة، أصدر مدونة قانونية واحدة، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، وحرص على أن تتفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية.