بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 بالقليوبية    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025    استقرار نسبي في أسعار الفراخ بمحافظة المنيا يوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025    محافظ أسيوط يتفقد إنشاء أول سوق حضري بالبداري بتكلفة 115 مليون جنيه    استقرار وانخفاض طفيف في أسعار الحديد بأسواق المنيا اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025    ترامب: الساعات المقبلة حاسمة لإنهاء الحرب فى غزة.. ومبعوثاه كوشنر وويتكوف فى مصر لاستكمال المفاوضات    عاجل- موعد ومكان عزاء الراحل الدكتور أحمد عمر هاشم اليوم بالتجمع الخامس    اليوم.. محاكمة 62 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية    الخريف يبدأ فعليًا.. منخفض البحر الأحمر ينشط ويعيد الأجواء الممطرة للمملكة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في محافظة الأقصر    علبة واحدة يوميًا قد تدمر الكبد.. دراسة صادمة تكشف خطر المشروبات الغازية على الصحة    عميد كلية الطب: وحدة أورام العيون تقدم خدمات تشخيص وعلاج متكاملة بالمجان    بن غفير يقود اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى فى عيد العرش    فيفا: منتخب مصر يبحث عن النهاية السعيدة فى تصفيات كأس العالم 2026    محمد صلاح يهدد عرش حسام حسن من بوابة جيبوتى وغينيا بيساو    غموض مصير عماد النحاس من البقاء مع الجهاز الفنى الجديد للأهلى    أسعار البنزين والسولار فى محطات الوقود    مصر الخير تتعاون مع تربية حلوان لتمويل منح تعليمية فى التوكاتسو    توقف قطار بسبب مشاجرة بين عائلتين في دشنا بقنا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    3 طرق للتقديم لحج القرعة لعام 2026.. إنفوجراف    دبلوماسيون: اختيار مصر لرئاسة "اليونسكو" تتويجٌ سياسى لمكانتها وريادتها    ماذا قال رئيس الوزراء عن زيادة البنزين والتضخم؟.. فيديو    زحام من المرشحين على أسبقية تقديم أوراق انتخابات مجلس النواب بالأقصر    تزوجت بقصد الإنجاب عبر الحقن المجهرى دون جماع والطلاق بعده.. ما حكم الدين    العالمي يتجاوز ال 4000 دولار.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 8-10-2025 بعد ارتفاع عيار 21 للبيع    بوتين: القوات الأوكرانية تتراجع على طول خط التماس القتالي بأكمله    صافرة مصرية تدير أولمبيك اسفي المغربي الملعب التونسي في الكونفيدرالية    بعد "الصمود"، إسرائيل تستعد لاعتراض "أسطول الضمير" قبل وصوله إلى غزة الليلة    تامر حسني يحيي حفلا في الساحل الشمالي الجمعة المقبل    محمد سعيد محفوظ ل "الفجر الفني": مهرجان الإسكندرية السينمائي قدم جرعة سينمائية متميزة    توصلوا إلى مفتاح القتل، "علاج ثوري" قد يُنهي عذاب حصوات الكلى    وزير التعليم للرئيس السيسي: 88% من طلاب الثانوية التحقوا بالبكالوريا    باسم يوسف يكشف سبب عودته للظهور الإعلامي في مصر    ترحيل عصام صاصا وآخرين لقسم شرطة دار السلام بعد إخلاء سبيلهم    ضبط المتهم بالتعدي على شقيقتين أثناء سيرهن بأحد شوارع القاهرة    «كنت أسير خلفه».. كيف بشر نبي الله الراحل أحمد عمر هاشم بمستقبله    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 8 أكتوبر    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 8 أكتوبر    الخارجية المصرية: إجراءات إثيوبيا الأحادية على النيل تسببت في غرق أراضي مصرية وسودانية    زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب تايوان    ابنة أحمد راتب: أشهد الله أنك يا حبيبي تركت في الدنيا ابنة راضية عنك    نائب رئيس الزمالك: «مفيش فلوس نسفر الفرق.. ووصلنا لمرحلة الجمود»    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    في اليوم العالمي للفتاة.. كوبتك أورفانز تحتفي بفتياتها المُلهمات    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    «حرام عليكم الجمهور.. ادوا للنادي حقه».. ميدو يوجه رسائل بشأن الزمالك    «صحح مفاهيمك» تنشر الوعي وتتصدى للظواهر السلبية بالمنوفية    افتتاح أول نادي للفتيات بالرزيقات قبلي بالأقصر.. خطوة جديدة نحو تمكين المرأة في الصعيد    الخريطة الكاملة لأماكن ومواعيد قطع الكهرباء عن محافظة الدقهلية «اعرف منطقتك»    «تعابين متعرفش تمسكها».. 3 أبراج بارعة في الكذب    باسم يوسف: فقدت أهلية إني أكون طبيب.. من 15 سنة ما حطّتش إيدي على عيّان    «لو أنت قوي الملاحظة».. اعثر على الوجه المخفي في 10 ثوان    عاجل- قوائم تبادل الأسرى تكشف أسماء بارزة.. ومصر تكثف تحركاتها لضمان نجاح اتفاق خطة ترامب وتهدئة الأوضاع في غزة    فيريرا يخطر أجانب الزمالك بموعد الانتظام في التدريبات تجنبا للعقوبات    "هزم السرطان".. سائق بالبحيرة باكيًا: ربنا نجاني بدعوات الأهالي وقررت أوصل المواطنين أسبوع بالمجان (فيديو)    صراع ثلاثي على صدارة هدافي الدوري الإيطالي قبل التوقف الدولي    وجبات عشاء صحية في لمح البصر.. حضّرها في 10 دقائق فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العثمانيون الجدد يصدرون الحرملك
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 05 - 2012

تحتفظ المسلسلات التركية بشفرة خاصة فيظل المشاهد مأخوذا برونقها واطلالتها الأنيقة لما تحمله من شحنة إبداعية قوامها الصدق‏,‏ وحرارة الاداء‏,‏ والصياغة الدرامية الذكية‏,‏ بالرغم من أنها ليست منزهة عن التطويل, وتقليدية القصة لكنها مبرأة أيضا عن الرتابة والعويل المتكرر والعشوائيات بمفرداتها.. نجحت هذه المسلسلات في أن تنزع عن الأجواء الملتهبة المحيطة بنا بعض سخونتها, إضافة إلي وجود صلات نفسية كامنة في الارتباط بالأتراك الذين قال عنهم يوما جمال عبد الناصر: إن كل دار من دور العرب تمت إلي الأتراك بصلة ويتصدر مسلسل حريم السلطان الذي يعرض الآن في أكثر من ثلاثين دولة أعلي نسب المشاهدة.. فالنص الذي كتبته التركية ميرال أوكاي, ويبدو فيه جهدها لإخفاء أثر الجهد فالجماليات منثورة إخراجيا في نسيج العمل بإحكام من مناظر طبيعية, وأزياء وقصور, وهو لا يسرد فقط تاريخ الإمبراطورية العثمانية من خلال حريم السلطان والحاشية, حيث كانت هناك فترات في تاريخ الدولة عرفت باسم سلطنة النساء نظرا لتدخلهن في شئون الحكم, ولكن المسلسل يستعرض فترة مزدحمة بالأحداث في تاريخ الإمبراطورية قبل أن تدركها الشيخوخة, ويقعدها الجمود الفكري, واقصاء الأكفاء وتفشي الفساد, وتراخي السلاطين وانتكاس العلم.. حيث تحول الفلك إلي تنجيم, والطب إلي سحر والتاريخ إلي أساطير, كما يحدث دائما في عصور الاضمحلال.. عذابات الحب وأجواء القرن السادس عشر وثقافة الوأد والدهاليز المظلمة وإيقاع الموسيقي الحزين.. من أهم مفردات هذا العمل الشاحذ لكل مفردات الجمال, فصناع الدراما التركية تمرسوا بالإسلوب الذي لا يمكن تقليده أو اقتفاء أثره.. واعتبروه سرا من أسرار قوتهم الناعمة, وإذا كان الزمان يؤاخي بين الكثير من الأحداث بالرغم من اختلاف المكان فإن خلخلة الزمن في مسلسل حريم السلطان تؤكد أن إشكالية السلطة وتحدياتها في تلك اللحظة التاريخية الفارقة التي يطالب فيها البعض بالعودة إلي الوراء إلي زمن محاكم التفتيش التي تزامنت مع مولد البطل سليمان القانونيحيث كان يحرق المخالفين في العقائد بالمحرقة.. التي بدأت حمائمها تتطاير الآن لتلامس مملكة الفن وتعتقل حرية الإبداع بدعاوي متناقضة بين مزاعم تحررية ونزعة استبدادية وحالة من الفوضي والهذيان نكابدهما ويستدعيها حكم السلطان المطلق, وخليفة المسلمين في هذا المسلسل الناجح.. فالأتراك حين بدأ يصعد نجمهم أدركوا أن الخلافة في الأرض وتعميرها هو الغاية لا الاستمرار الأبدي في السلطة وبراثنها.. مسلسل القرن العظيم أو حريم السلطان يؤكد حقا انه لا سلطان إلا سلطان الفن الرفيع.
احتل الأتراك مصر عام1517 علي يد السلطان التاسع سليم الأول بعد أن شنق طومان باي علي باب زويلة ثم غادرها ومعه خيرة أصحاب الحرف والصناع وكان أول من توسع في البلدان الإسلامية بحجة توحيدها, وأصبح أول خليفة تنازل له الخليفة العباسي في مصر وخضعت له الأراضي المقدسة والحجاز بعد وأصبح لقبه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين اختلطنا بالعثمانيين احتلالا ونسبا ومصاهرة وطوال ثلاثة قرون ورثنا عنهم الكثير من المساوئ وعلي رأسها تقديم الرشاوي والهدايا وإن لم نرث مثلهم القتل غيلة, لكننا ورثنا القتل المعنوي والقضاء علي المنافسين.
هذه الدولة التي حملت لواء الخلافة الإسلامية حتي عام1924 ثم سقطت علي يد مصطفي كمال أتاتورك, وبلغت أوج مجدها في عهد سلطانها العاشر سليمان القانوني الذي حكمها46 عاما تطل برأسها مرة أخري علي القارات الثلاث التي شملت رقعتها إفريقيا وآسيا وأوروبا من خلال مسلسل حريم السلطان الذي يجسد فترة حكم سليمان القانوني1520 1566 الذي يدعي القرن العظيم, حيث كان الإسكندر الأكبر مثله الأعلي يتطلع لإمبراطورية عالمية تجمع بين الشرق والغرب, فكان له ما أراد حتي إنه وصل إلي أبواب مدينة فيينا لكنه لم يفتحها ثم بدأ الانحسار, أطلق عليه القانوني لعنايته بتطبيق القوانين التي سنها.. لم يكن شاعرا وخطاطا وصائغا فقط, ولكن كان أيضا عادلا- في تطبيق تلك القوانين واكتمل بها النظام الإداري للدولة حتي إن الملك هنري الثامن أرسل وفدا إلي اسطنبول للاقتداء بنظام العدالة في عهده وتطبيقه في انجلترا, كان سليمان راعيا للعلم والثقافة ويعد حاكما عالميا له نقش بارز في مجلس النواب الأمريكي.. لم يبلغ التاسعة عشرة من عمره حين كتب ميكيافيللي كتابه الشهير الأمير الذي أوصي فيه كل حاكم بأن يكون رجل مكر وحرب وسياسة يتقن أساليب الغدر والخيانة والبطش, ولا يضع في حسبانه الفضائل, ينكل بمن يقف في سبيله, ومن تعاف نفسه الأبية هذه الأساليب, نصحه ميكيافيللي بالابتعاد عن الحكم ليريح ويستريح واستطاع سليمان القانوني طوال فترة حكمه الأطول في تاريخ السلاطين الاحتفاظ بهيبته وكان يستهل خطاباته بالآية القرآنية الكريمة إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم وكان نصيبه من التناقضات عظيما شأن معظم الشخصيات التاريخية, فكان مستبدا يفعل أقصي الخير وأقصي الشر, تزوج وأنجب ابنه الأكبر مصطفي ثم وقع في حب جارية روسية تدعي روكسلانة اختطفها أحد تجار الرقيق من القوقاز وهام بها السلطان عشقا ولم تكن جميلة بقدر ما كانت جذابة وذكية لها ابتسامة ساحرة انضمت لحريم السلطان ذلك العالم الذي تختلط فيه السياسة والعطور وتتحالف فيه الأغوات والجواري.. وأصبحت قصة حب السلطان سليمان.. أشهر قصة في تاريخ السلاطين وأكبر دليل علي نفوذ الحريم في الدولة العثمانية, وإذا كان لكل امرأة تفاحتها التي تقود بها آدم للخروج من الجنة.. فقد فعلتها روكسلانة أو( هويام) التي جسدت دورها الممثلة التركية مريم أوزرلي الألمانية الأم بشفافية وصدق أدائي يغوص في أعماق تلك الشخصية المركبة من خلال الاستخدام الأمثل للإيماءات ولغة الجسد والعيون علي وجه الخصوص بدرجة رفيعة تميزه عن غيره من كل المسلسلات التركية.. إضافة للسيناريو الذكي الذي يشبه المنمنمات العثمانية التي تبعث همسها من الماضي السحيق.. لم يقدم تاريخا فاترا كليلا.. لكنه نجح في الإفلات من الصورة النمطية للأعمال التاريخية.. فالمسافة الزمنية الفاصلة أضفت علي العمل تألقا وخيالا.. وأكسبت الحاضر رونقا خاصا للتأمل والاستلهام, فالقصة الحقيقية تحفل بهذه المآسي المتتالية من الصراع بين الأسلاف.. فالأب سليم الأول انقلب علي أبيه بايزيد الثاني وخلعه بواسطة الجنود الانكشارية ونصب نفسه سلطانا.. وعلي نفس الدرب سار ابنه سليمان القانوني حيث أوعزت إليه زوجته روكسلانة من خلال الوقيعة بينه وبين ابنه الأكبر مصطفي- من زوجته الأولي- بقتله كي تفسح الطريق أمام ابنها سليم الثاني لخلافة أبيه.. وكان لها ما أرادت ثم شربت من نفس الكأس حين وقع الخلاف بين ابنيها سليم الثاني وبايزيد وتوفيت قبل أن تشاهد مقتل ابنها بايزيد وأبنائه الخمسة علي يد أبيه سليمان بعد أن أعلن تمرده عليه.. وشككت روكسلانة أيضا قبل وفاتها في ولاء الصدر الأعظم وصديق السلطان( إبراهيم) فدعاه إلي عشاء في القصر وكان العشاء الأخير حيث أمر بقتله.. عرف ابن روكسلانة سليم الثاني بأنه بداية عهد تنابلة السلطان, ثم تولي ابنه مراد الثالث حفيد روكسلانة زمام الأمور فذبح أخوته الخمسة لكي يأمن دسائسهم وتولي من بعده ابنه الأكبر محمد الثالث فذبح أخواته التسعة عشر.. هذا ليس فيلما هنديا, ولكنه التاريخ الرسمي للسلاطين في هذا البلاط العريق الذي يمثل فيه عنصر القرب من أسطنبول عاملا مهما من عوامل الإستيلاء علي السلطة.. ويذكر أنه في عهد سليمان القانوني تمتعت الأقليات بهامش لا ينكر من الحريات..
وجاء ذكر سليمان في رائعة شكسبير تاجر البندقية ربما لهذا التماس في الأحداث في عهده بين اليهود من جهة وفينسيا من جهة أخري.. وأصبحت الدولة العثمانية الرجل المريض الذي لا يرتجي شفاؤه.. فسماء البسفور ملبدة دائما بالغيوم, وأوروبا تلك القارة العجوز لم تنس بعد ما فعله بها هذا المريض الذي تخشي أن يتعافي مرة أخري.. فاسطنبول التي تحاول الآن تصدير الفتوحات والمجد والريادة من خلال الدراما التليفزيونية وتكشف النقاب عن وجهها الإمبراطوري الأنيق بالعمامة والجواري بنبرة خافتة لا ينقصها الجدية ولا الإثارة الفنية تدرك تماما أن فكرة إحياء الخلافة الإسلامية مازالت تداعب خيال البعض في دول الجوار ممن يتطلعون للعودة إلي الوراء إلي عصر الجواري والحريم وما ملكت أيمانهم.. والاستئثار بالسلطة المطلقة وإحياء مآثر الأسلاف.. أما الأتراك فهم يؤمنون بمقولة المؤرخ توينبي: فالحضارة لا تموت بالمعني العضوي ولكنها تختفي لعدة قرون ثم تعود للظهور وهم لديهم من الموروثات والقوة الكامنة ما يكفي لصحوة جديدة.. العثمانيون الجدد أو الألمان الشرقيون- لجديتهم وحذرهم وصبرهم علي المشاق- كما يسميهم سلطانهم عبد الحميد الثاني ينقضون كالبرق من أعالي السماء في سبيل تصدير هذا التراث العثماني مصحوبا بطموحات تتسق مع العصر سياسيا وفنيا وثقافيا ولا تتخلف عنه.. فالحكيم الصيني العظيم سون تزو صاحب كتاب: فن الحرب يؤكد أن استراتيجية النصر تصلح لشتي المجالات في الحرب والسياسة والفن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.