يقول عن نفسه, ويقول عنه ملَمِّعوه, ومن مسلطى الأضواء عليه: "إنه داعية مجدد".. مع أن واقعه, وما يطرحه من إفرازات يقطع بأنه "دعى مبدد".. ونكتفى لتأييد حكمنا السابق بموقف واحد فقط من مواقفه "العلمية جدًا.. جدًا": ********** فله من السنة موقف عجيب غريب.. ولننظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن أبى سعيد الخدرى: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". (صحيح مسلم). إن صاحبنا المتعالم يفسر هذا الحديث على النحو التالى من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده: "أى من رأى منكم منكرًا من نفسه هو فليغيره بيده فهو المسئول عن سلوكه؛ لأن كل إنسان قد أعطاه الله الإرادة والقدرة على تغيير ما يصدر منه من منكر.. فإن لم يستطع فبلسانه: "أى فإن لم يستطع الإنسان أن يغير ما فى نفسه بإرادته وقدرته، بالهمة الواجبة ودون تراخ فإن عليه أن يقف كابحا جماح نفسه، ليدور ذلك الحوار الداخلى الذى يذكر فيه الإنسان نفسه بعاقبة المعاصى. فإن لم يستطع فبقلبه "أى فإن لم يستطع الإنسان أن يردع نفسه بإرادته وقدرته، ولا حتى بلسان الحجة، وكانت النتيجة أن ظل على هذا المنكر، فإن ذلك يكون دليلاً على ضعف إيمانه ووجود المرض فى قلبه، أى أن المنكر قد استقر بقلبه، وهذا أضعف درجات الإيمان". ومن حق القارئ أن يضحك فى مرارة من هذا التفسير، أو هذه السذاجة اللاعلمية التى ابتعدت بصاحبنا المتعالم عن منطق العقل والدين واللغة: فالمعروف بداهة من قواعد التفسير أن النص يؤخذ بظاهره ولا يؤول، ولا يخرج به عن هذا الظاهر، ما لم يكن ثمة مسوغ قوى لذلك.. والحديث يجزم بأنه لا مسوغ لمثل هذا الخروج. ومن ثم لا يستقيم تفسير "الرؤية" بالإحساس والشعور النفسى، بحيث يكون التغيير فى نطاق "الذات" لأن الرؤية لغة تقتضى طرفين: رائيًا ومرئيًا.. ناظرًا ومنظورًا. ولو سايرنا صاحبنا فى تفسير اليد بالإرادة والقدرة النفسية، فمن حقنا بعد ذلك أن نتساءل: ما قيمة اللسان فى "الحوار الداخلى" أو فى لوم الإنسان نفسه إذا أتت منكرًا؟ إن "الحوار الداخلى" أو "المحاسبة الذاتية" أو " المنولوج " شعور لا حديث باللسان. والعجيب كذلك أن "صاحبنا المتعالم" جعل تغيير المنكر على درجتين فقط: تغيير باليد، وتغيير باللسان، وصرف الدرجة الثالثة للمنكر ذاته فيكون تفسيره على النحو الآتى: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه (وهاتان الدرجتان فى دائرة الذات).. فإن لم يستطع تحقيق هاتين الدرجتين: فالمنكر (قائم) بقلبه.. وهذا يدل على أضعف درجات الإيمان، على حد قوله. ولست أدرى كيف يكون "استقرار" المنكر فى القلب درجة من درجات الإيمان؟ وكيف يستقيم هذا التفسير مع البلاغة النبوية فكرًا وأسلوبًا؟ ********** والتفسير السديد للحديث يدركه أى إنسان مهما كان حظه من المعرفة.. ويظهر ذلك فى ضوء المثال العملى التالى: إذا هم بعض الشباب بخطف فتاة فى سيارتهم فى الطريق العام فموقف المسلم حينئذ واحد من ثلاثة مواقف هى: 1 أن يخلص الفتاة من أيديهم بيده وقوته، حتى لو ناله بعض الضرر.. وهذا الموقف - ولا شك- يمثل أعلى درجات التغيير. 2 أن يحاول منع الجريمة بإرشاد الشباب إلى فظاعة عملهم هذا وحرمته، أو يستنجد بالناس أو الشرطة لتخليصها, وهذا هو التغيير باللسان. 3 أن يعجز المسلم عن الموقفين السابقين لسبب ذاتى كمرض يمنعه من السعى أو النطق مع رؤيته المنكر أو محاولة الخاطفين قتله أو قتل أحد أبنائه أو ما شابه ذلك، فعلى المسلم فى هذه الحال استشعار الغضب والنقمة على هذا المنكر وكراهيته والتقزز منه. وهذه المرتبة تأتى فى الدرجة الثالثة من المرتبتين السابقتين، لذلك عبر عنها الحديث بأنها "أضعف الإيمان". وهذا الحكم لا يعنى انعدام قيمتها وإلا ما جعلها الحديث مرتبة، ثم إن "الضعف" هنا نسبى، أى بالقياس إلى المرتبتين السابقتين فأعلى المراتب التغيير باليد.. وأوسطها التغيير باللسان.. وأدناها التغيير بالقلب. ولكن: هل استشعار الكراهية للمنكر, والغضب والنقمة عليه يعد "تغييرًا" ؟ أقول نعم: وهذا ما لم يدركه "صاحبنا المتعالم". فهذا الشعور فى ذاته كما تقول الدكتورة نيفين عبد الخالق - "يشكل طاقة كامنة للتغيير يمكن أن تبزغ فجأة إذا وجدت الاستطاعة. وتبَلْوُر مثل هذا الشعور- إذا اتسعت قاعدة المشتركين فيه - يصنع ما يسمى "بالرأى العام".. وهو من الناحية الواقعية المنطلق إلى التغيير الفعلى الحقيقى. [email protected]