كل رئيس له حاشية أو بطانة تحادثه وتشير عليه بالآراء والأفعال, وليس كل رئيس موفقًا فى اختيار بطانته لأنه ما من أمير إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالخير وأخرى بالشر. والرئيس المسدد يستمع دائماً إلى الآراء, ويأخذ منها ما كان فيه صالح البلاد, كما يقرب إليه بطانة الخير ويستبعد بطانة الشر ما أمكنه ذلك. ولست مع من يفرض على الرئيس رأياً أو فكرة, ولكنى مع من يطالب الرئيس بالاستماع إلى الآراء على نطاق واسع خاصة من أهل الاختصاص, أما الغوغاء الذين لا يدركون مصالح الوطن, وينظرون إلى الأمور من زاوية ضيقة لا تجاوز تحت أقدامهم, فهؤلاء لا يُلتفت إليهم حتى لو كانوا من أصحاب الحناجر القوية أو الأصوات العالية أو الهتافات البذيئة.. إننى مع من يطالب الرئيس بتوسيع دائرة مستشاريه ومعاونيه بشرط أن يكون الفريق الرئاسى متناغماً ومتكاملاً يخطو نحو تحقيق الأهداف بخطى ثابتة ويدرك معطيات الواقع بعين ثاقبة وعقل مستنير.. ولكننى لست مع من يطالب الرئيس بإقصاء كل من عمل مع النظام السابق, بل مع المحاسبة العادلة للفئة التى ارتكبت الجريمة فى حق الوطن, مع فتح الأبواب أمام مصالحة وطنية عامة ليصبح أبناء الوطن يداً واحدة تحمل المهمة عن جدارة وبلا معوقات. إننى مع أقباط مصر ضد من يضطهدهم أو يمنعهم حقوقهم, ولكنى لم أكن معهم حين وحدّوا أنفسهم ككتلة تصويتية تدعم مرشح العصر البائد, وهو أمر لم يكن فى صالحهم, ولكن موقفهم الأخير فى عدم المشاركة فى مظاهرات 24 – 8 قد صحح من أوضاعهم, وهو ما نتمناه لهم بل وعليهم أن يلتفوا حول القيادة الجديدة للبلاد، التى تمثل ثورة 25 يناير من أجل مصالح الوطن العليا. إننى لست مع من يدعو الرئيس إلى القطيعة مع الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة كى يبدو أنه محايد, فهذا أمر لا يصح ولا يليق, لأن معنى هذا أن يتحول الرئيس إلى قاطع لأرحامه وصلاته القديمة التى لا يستغنى عنها أصحاب المبادئ وأهل الوفاء والعرفان, بل إننى أعتب على الرئيس تجاهله لكفاءات كثيرة فى الإخوان المسلمين لم توظف فى مؤسسة الرئاسة ولعله صنع ذلك دفعاً لتهمة التحيز, ولمعرفته المسبقة بأن الإخوان لن يغضبوا منه لكونهم يريدون للمشروع أن ينجح سواء كان ذلك بهم أو بغيرهم.. كما إننى أنبه الرئيس إلى أن تأليف القلوب ومراضاة بعض التيارات لا يكون أبداً بتقديم من لا يستحق منهم بل يُستعان بأهل الكفاءة منهم فحسب, كما أنه لا اعتبار لمن يُعلق على التشكيل الرئاسى بأنه لا يلبى طموحات الوطن لأن النجاح فى اختيار تشكيل بعينه يرضى الجميع أمر لا يدرك ولا يمكن حصوله. إن مقتضى العدل أن يتواصل الرئيس مع الجميع بما فيهم الإخوان وحزب الحرية والعدالة كفصيل أصيل داخل منظومة المجتمع, وأن لا يجد فى ذلك حساسية أو غضاضة فى الأخذ برأى الإخوان إذا رأى المصلحة فى ذلك ولا يلتفت إلى من يقول إن فضيلة المرشد يحكم مصر فهذا غير حقيقى ولم يلمسه أحد من المطلعين على دائرة القرار. كما أن من يعرف الدكتور محمد مرسى يدرك أنه شخصية قيادية متميزة, وله رؤيته وقراره, بل ويستوعب دوره الوطنى ولن يكون أبداً تابعاً لفصيل بعينه، ولكنه يستمع للجميع ويقرر ما يراه فى صالح الوطن, ولعل الكثير من الناس لا يعلم أن قرارات الرئيس فى المرحلة الماضية كان بعضها مفاجئاً لكافة الفصائل بما فيها الإخوان وحزب الحرية والعدالة، ويتضح ذلك من تصريحات قيادات كبرى فى الإخوان حول التغييرات الجذرية فى القوات المسلحة، وهو ما لمسناه فعلاً على أرض الواقع. إن الذى لا يعلمه الكثير أن الإخوان المسلمين لم تكن ترغب فى تقديم مرشح احتياطى للرئاسة, بل واندهشوا حين استمعوا إلى اقتراح الجماعة الإسلامية وحزبها السياسى (البناء والتنمية) المؤسس على احتمالية شطب المهندس/ خيرت الشاطر وعدد آخر من مرشحى التيار الإسلامى، ولكنهم عادوا ووافقوا على الفكرة بعد الدراسة وقدموا الدكتور/ محمد مرسى، وبالتالى فلم يكن يدور فى خلد الدكتور مرسى شىء عن هذه الوظيفة التى جاءته دون طلب منه أو نزاع عليها, فكان ذلك عندى من علامات القبول التى تزكى الرئيس لكونه معاناً من الله بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إننى ممن يقدرون كل من يقدم نصيحة خالصة للرئيس بعيداً عن المزايدات أو الإطراء فنحن فى وقت عصيب نحتاج فيه إلى الجهد الحقيقى والكلمة البناءة والتعاون الفعال من أجل وطن جريح عاش محنة طويلة تحت نظام حكم مستبد, ولقد جاء اليوم الذى تحررنا فيه من خلال ثورة 25 يناير وتقدم لحكم البلاد من اختاره الشعب بإرادة حرة وعبر انتخابات نزيهة فلابد من إعطاء الفرصة كاملة للطاقم الرئاسى كى يعمل لتحقيق المشروع الوطنى المنشود, فمن أراد أن يعمل وفق المنظومة الجديدة فله ذلك مشكوراً, ومن لم يستطع فلا أقل من أن يدعم بدعائه وتمنياته بالتوفيق. أما من يقف حجر عثرة فى الطريق فلا شك أن من شعب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق, وستأتى اللحظة التى تزاح فيها كل المعوقات كى تسير القافلة فى طريقها الصحيح.