النظم السياسية في الوطن العربي اختلطت فيها الأوراق كما تختلط أوراق الكوتشينة وتحتاج لمن يفك طلاسمها وأسرارها ويعيد قراءتها لفهم رموزها ومعرفة من الذي يحكم.. الولد أم الست أقصد البنت أم الشايب.. كذلك معرفة من هو »الأس« الذي تحول إلي »فول اس« بلغة القمار وراح »يقش« كل ما هو أمامه علي الطاولة اعتمادا علي نفوذه وقربه من أفراد صور الكوتشينة ورموزها الكبيرة.. الولد والبنت والشايب. والنظم السياسية تتراوح ما بين الديكتاتورية التي تؤمن بالشمولية وتطبقها من خلال استحواذ الحاكم علي كل مقدرات البلد وبين الديمقراطية التي تقوم علي احترام الحرية والمساواة. والشمولية هي كلمة مهذبة مرادفة للديكتاتورية أي لحكم الفرد ويتمحور فكرها حول القناعة بأن الفرد في المجتمع هو مجرد »ترس« في عجلة تدور لمصلحة الحاكم.. وبمعني أدق أن يكون الشعب كله في خدمة الحاكم ينفذ كل ما يريده ولي النعم كواجبات مقدسة ويقبل منه كل ما يتبرع ويجود به علي المواطنين من حقوق.. أي أنه صاحب الحق والمالك الوحيد لسلطة المنح والعطاء.. هو وحده الذي يفكر ويقرر وليس علي الشعب سوي السمع والطاعة. أما الديمقراطية فتعني أن الكلمة للشعب وليست للحاكم.. الشعب هو الذي يختار حاكمه بحرية تامة دون ضغوط من الأجهزة الحاكمة وبالتالي فإن الحاكم ينفذ ما يريده المواطنون لأنهم هم الذين اختاروه وأوصلوه لسدة الحكم ويمكنهم أن يسحبوا منه الثقة إذا خالف رغباتهم فيصبح مواطنا عاديا بعد أن كان هو الحاكم.. وذلك معناه أن الحاكم في الدول الديمقراطية يحكم بأمر الشعب علي عكس الحاكم بأمره في الدول الشمولية. والديمقراطية تعني أيضا الحرية والتعددية وتبادل السلطة بهدوء بين الأحزاب القوية وليس استمرار السلطة وديمومتها لشخص أو لحزب واحد لأن التغيير هو سنة الحياة وهو الذي يدفع بالدماء والأفكار الجديدة ويمنحها الفرصة لخدمة الدولة والمواطنين علي السواء. والنظام الشمولي يمارس أسلوب »الجلاجلا« طالما يحقق مصالحه، وأبسط دليل علي ذلك أن الحزب الوطني الذي فشل في أن يحقق الأغلبية التي كان يحلم بها في الانتخابات النيابية الماضية عام 2000 سارع إلي خطب ود من سبق له أن فصلهم من عضويته لأنهم أصروا علي خوض الانتخابات ضد من رشحهم الحزب و»لحس« قرار فصلهم بعد أن فازوا علي مرشحيه وأعادهم إلي صفوفه ليضمن الأغلبية في المجلس النيابي الذي اشتهر باسم مجلس »موافقون.. موافقون«! نفس الأسلوب يتكرر هذه الأيام رغم إعلان الحزب الوطني وتأكيده علي حتمية فصل من يخرج من أعضائه علي الالتزام الحزبي ويصر علي ترشيح نفسه ضد من رأي الحزب ترشيحهم. فقد سارع ترزية الشعارات الذين ينافسون ترزية القوانين بايجاد خط رجعة مكشوف يضمن الاحتفاظ بعضوية هؤلاء إذا فازوا كمستقلين ضد مرشحيه حيث تراجع أمين عام الحزب عن الموقف السابق وقال إن الفصل يشمل فقط من ينضم إلي حزب آخر ولا يسري علي من خالف تعليمات الحزب ورشح نفسه ضد المرشح الحزبي!! وصحافة الدول الديمقراطية هي صحف حرة يملكها أفراد أو هيئات مهمتها بالإضافة إلي نقل الأخبار ايصال رأي ورغبات الشارع إلي الحكام.. أما في الدول الشمولية فالصحف ووسائل الإعلام هي ملك للدولة ومهمتها هي التسبيح بحمد الحاكم والعمل علي ارضائه ونقل أفكاره ورغباته للشعب وتجميلها والتهليل بها باعتبارها هبة من ولي النعم. في الدول الشمولية هناك دائما خيار وفقوس حيث تقع التفرقة باستمرار بين أهل الثقة وأهل الخبرة.. فالقانون لا يسري علي كبار المسئولين طالما يتمتعون بالثقة الغالية بينما يطبق علي عامة الشعب ومن لا سند ولا ظهر لهم يحميهم ويعفيهم من المسئولية. وفي الدول الديمقراطية فعلا وليس قولا يحاسب الوزراء وكبار المسئولين ويحاكموا أمام المحاكم الجنائية إذا اخطأوا وهو ما كانت تنص عليه المادة 66 من دستور مصر عام 23 إلا أن الدستور الحالي حذف هذه المادة لحماية الفاسدين والمفسدين وجعل المساءلة فقط لمجلس الشعب مما أتاح لبعض الوزراء فرصة العمل بدون رقابة أو الخوف من المحاكمة. قد يتساءل البعض أليس هناك نظاما آخر في المناهج السياسية للدول غير الديمقراطية والشمولية.. وأسارع بالقول نعم هناك نظام »الديموشمولية« أي الشمولية الدائمة وهو يقوم علي مظهر خارجي ديمقراطي الشكل يختلف عن مخبره الداخلي الشمولي حيث يحرص ويعمل باستمرار علي ديمومة نظام الحكم الذي يتململ منه الشعب وذلك لقناعة الحاكم الفرد بأنه هبة السماء لشعبه ولتصوره الخاطئ بأنه شعب لم ينضج بعد ليتحمل حريته ومسئولياته كاملة. ويبقي سؤال.. أين نقع نحن المصريين اليوم من هذه التقسيمات الثلاثة.. النظام الديمقراطي.. أم الشمولي.. أم الديموشمولي؟ لقد عرفنا النظام الديمقراطي أيام الملكية وإن كان لنا عليه ملاحظات.. ثم عرفنا النظام الشمولي مع قيام حركة ضباط الجيش في 23 يوليو 1952 وظللنا نعاني من الشمولية الكاملة وتبعاتها حتي بدأت أولي نفحات الديمقراطية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات بعد حرب أكتوبر 1973.. أما اليوم فالواقع أننا نتمتع بقدر من الديمقراطية مع بقاء كثير من تبعات الشمولية وهو الأمر الذي يضعنا في تصنيف »الديموشمولية«. إن الأنظار كلها تتجه اليوم إلي الانتخابات النيابية المقبلة.. فإن جاءت نتائجها محبطة للآمال كنتائج كل المجالس النيابية السابقة منذ عام 52 فسنبقي نراوح مكاننا مع الديموشمولية.. أما إذا جاءت الانتخابات حرة ونزيهة وأمينة ونظيفة بالفعل وكانت معبرة عن تطلع الشارع المصري إلي تحقيق التعددية وليس عن تطلع ورغبة الحزب الحاكم ولجنة سياساته في استمرار الاستحواذ علي الحكم.. ففي هذه الحالة يمكن القول بأن عهدا جديدا من الديمقراطية قد بدأ في عهد الرئيس حسني مبارك لينهي عصر الديموشمولية أو الشمولية الدائمة. البعض يتساءل: ماذا ينقصنا لكي ننعم بالديمقراطية كغيرنا من الدول المتحضرة.. ولمن يتساءلون أقول تنقصنا الصراحة والصدق والشفافية والمساواة بين البشر في جميع الحقوق والواجبات.. وينقصنا قبل كل شيء الإيمان بمبدأ انكار الذات ونبذ الأنانية والإيمان بأن مصلحة الوطن هي التي يجب أن تأتي دائما في المقام الأول عند أي تصرف لفرد أو لجماعة بعيدا عن المصالح الشخصية وعن الكذب والخداع وأسلوب ليّ الحقائق. هل هناك أمل في أن يقتنع من تعودوا الكذب علي الناس بأن الكذب حرام وبصفة خاصة في شهر رمضان؟ ليس لي تعليق بعد ذلك سوي القول »اللهم إني صائم«! -------------------------------------------------------------- الوفد