مثلت مأساة رفح ترهل قطاع مهم من قطاعات الوطن، وهو ما استدعى مبضع الجراح بسرعة وبموضوعية، وفى كل قطاعات الدولة نحتاج إلى مبضع الجراح قبل أن نصل إلى رفح ولكن بالعدل.. ولكن كيف؟ القاعدة بسيطة ولا تحتاج إلى سفسطة.. كل من تَنَعَّم فى فراش الحزب الوطنى يخرج من معترك السياسة، حتى ينصلح نظام الدولة، ثم يعود بعد عِقد مثلاً. وكل من اقتنص فرصة ليست من حقه بالتعيين فى وظيفة عامة نتيجة تقارير أمنية ونتيجة عدم وجود معايير معلنة شفافة عادلة للوظيفة، وبالتالى حرم آخر من خدمة البلد فى تلك الوظيفة يتنحى لفترة.. ولا يقتصر الأمر على فساد ما قبل 25 يناير 2011م بل يتعداه فى حالة مخالفة القانون فى الفترة، التى تلت تلك الأحداث؛ حال تفكك مفاصل الدولة؛ بعقوبات مشددة غير تقليدية، فالانتهازية لا تصب قطعاً فى صالح الوطن. وباختصار فكل من تبوأ مركزاً قانونياً أو مالياً نتيجة فساد الأنظمة عليه أن يُعيد ما نهبه من مال الشعب ويُقدم للمحاكمة حتى يمكننا إعمال العدل فى المجتمع من مراكز متكافئة.. وعلينا بالأساس أن نقدم للمحاكمة كل من شارك فى تقنين أوضاع غير عادلة كفاعل رئيس فى الفساد، الذى أنتجه عدم أداء وظيفته حسب أصول المهنة! وحتى لا ندخل فى متاهات القوانين التى تقنن الفساد يمكننا حل هذا الموقف غير العادل بتطبيق كامل لأحكام عرفية مؤقتة جزئية التنفيذ فى قطاع ومجال بعينه حتى لا ندخل فى متاهة قانون الإجراءات وغيره الذى تمكن العديد من تجار المخدرات من الإفلات من العقوبة بسببه! قضية إعمال العدل فى منظومة فاسدة تحتاج لحلول غير تقليدية فهل نحن على استعداد لذلك، أم أن ما حدث فى قطاع الجيش فورة حماسة وثأر شخصى، كما يعتقد البعض؟ قضية الوطن ليست فورة أو ثأرًا بل منظومة كاملة عادلة تستنفر جميع طاقات الأمة، ولكن من خلال عمل دءوب من خلال هدف وآليات محددة، وهو ما يجتهد البعض فى طرحه. فى متابعتى لأداء الحكومة الحالية تعجبت من نغمة التصريحات القديمة فأول تصريح لوزير الكهرباء: أزمة الكهرباء ستنتهى خلال 48 ساعة لأن ذلك ليس فى مقدور أحد، وتعجبت من تصريح وزير البترول عن دعم البنزين للمواطن المصرى، لأنها نفس النغمة القديمة، التى تفترض تصدير البترول المصرى، وبالتالى عند بيعه للمواطنين بسعر أقل من السعر العالمى نكون قد دعمناه، وهو دأب الحكومات السابقة، وبعيد تماماً عن المنطق لأن الشعب كل الشعب يملك موارده ولا يُعقل أن يُقال إن سعر الغذاء فى العالم أعلى من سعر المنتج المصرى، وبالتالى فالدولة تدعم الغذاء.. هناك خلل فى أسعار الطاقة الموردة للصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، والتى تقوم بتصدير منتجاتها بالسعر العالمى فمن المفيد مراجعة تلك الاتفاقيات، وليس التغنى بدعم المواطن العادى.. وحسبنا أن نتفهم وجود منطق سليم فيما يُقال حين ننشد الصدق والعدل.. تذكرت كل هذا وأنا أتصفح الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة الصادرة عن الهيئة العامة للاستعلامات، والتى تضم 4269 عالماً مصرياً، وتعتبر حسب علمى قاعدة بيانات قومية وتعجبت من خلوها من أسماء جل الوزراء الحاليين وهو ما جعلنى أتساءل عن معايير اختيار الوزارة الحالية، والتى تضم العديد ممن تبوأ منصباً تنفيذياً فى النظام البائد، وكل أملى أن تُعلن معايير اختيار هؤلاء الوزراء تثبيتاً لشفافية الحكم، وإعمالاً للمبادئ المعلنة من اختيار الكفاءات للتصدى لتنمية الدولة! فى هذا السياق تذكرت سطوة الإعلام وغياب الإعلام القومى عن ذكر حقائق الأوضاع المحلية والعالمية، من هذا خلال متابعتى للإشادة بقرض البنك الدولى الحالى والذى لا نحتاجه حسب بعض الروايات إلا لنثبت قوة الاقتصاد المصرى، وهو كلام متناقض يحتاج للتوضيح فإن لم نكن فى احتياج للقرض فلماذا نكبل الأجيال القادمة دون داعٍ، وإن كان هناك احتياج فمصارحة الشعب أمر أساسى.. وازداد عجبى من تصريح أحد الذين يتصدرون الواجهة الإعلامية، والذى طمح فى رئاسة البلاد سابقاً ثم تراجع: إن الإعلام القومى لا مكان له فى نظام ديمقراطى! الانتهازيون كُثُر وسينقضون فى حالة أدنى تراجع؛ فالفترة فترة ترتيب الأوراق ومعرفة مدى جدية مسلسل إعادة ترتيب الدولة على أسس سليمة عادلة.. وحتى لا ننتظر العمل الحكومى، الذى أتمنى أن يواكب الأحداث، هناك العمل النقابى الذى أتمنى أن ينشط على جانبيه الإيجابى والسلبى. وبالمثال يتضح المقال.. كثرت حالات هدم المبانى قليلة الارتفاع لتحل محلها الأبراج بما ينافى التصميمات الأساسية للأحياء ومرافقها الأساسية من طرق وكهرباء ومياه وصرف صحى وغيرها، ولم تحرك نقابة المهندسين ساكناً فى الموضوع وأتساءل لماذا؟ هل أخذت النقابة المبادرة بتحويل مهندسى الأحياء، الذين أصدروا تراخيص ذلك، والذين تقاعسوا عن متابعة حالات البناء دون تراخيص للتحقيق معهم تمهيداً لشطبهم من النقابة وتحريك الدعاوى الجنائية ضدهم لمخالفتهم أصول المهنة؟ وعلى الجانب الآخر هل وقفت النقابة مع من رفض مخالفة أصول المهنة برفضه إصدار تراخيص هدم وبناء أو تعلية بالمخالفة لأصول مهنة الهندسة؟ وهل حركت النقابة دعاوى ضد من يصدر الأوامر بذلك دفاعاً عن المهنة، التى تصب فى مصلحة الوطن؟ هلا تذكرنا قول أمير الشعراء أحمد شوقى: الحَقَّ سهمٌ لا ترِشهُ بِباطلٍ:: ما كان سَهمُ المُبطِلين سَديداً. أ.د. محمد يونس الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر [email protected]