ثورة 25 يناير محصت الساحة الوطنية تمحيصا أفرز ثلاثة أنماط من الوطنيات المنقوصة،كلها كانت مثالا للانتهازية، وإثارة الضجيج واللغط بقصد إفساد الفرح وتحويل الاهتمام وإثارة الكآبة السياسية، كما أنها تزايد على الوطنية الحقيقة بهتاف الحناجر دون أن يكون لها على الأرض وجود حقيقى بين الجماهير. • النماذج الوطنية فى صورها الثلاثة الزائفة ليست لها قيمة. • فالوطنية الصورية تلتزم شكلا لا موضوعا ويدعيها كثيرون، فإذا جد الجد خلت الساحة من وجودهم. • والوطنية الجزئية التى تتعامل مع الوطن بما يسمى فى الفلسفة بنظرية الانتقاء فتقبل بعض أحكامه الجزئية التى تتناسب ومصالحها الخاصة بينما ترفض تحمل أعباء المواطنة وتتخلى عنها اذا صطدمت بالمصلحة. • والوطنية المشروطة التى تريد من الوطن كله أن يكون تابعا لهواها السياسى أو الأيديولوجى وإلا فلا، ومن ثم فهى تقبل بشروط الديموقراطية إذا لبّت رغباتها وجاءت بها، بينما تفضل عليها الدكتاتورية وتدعو العسكر مثلا للانقضاض والانقلاب عليها إذا جاءت بخصومها، وتتهم الشعب باللاوعى وغير ذلك من الصفات التى جرت وتجرى على ألسنة الكثيرين ممن يسمون بالنخب الثقافية والسياسية فى التجربة المصرية الآن، الأمر الذى جعل باحثا ليبراليا محترما مثل الدكتور وحيد عبد المجيد يستنكر هذا التصرف المشين ويعيب على أصحابه ويتهمهم بكل أشكال العوار السياسى والمنطقى الذى يصيب الفكر فيجعله معتلا ويصيب الفكرة فيجعلها مختلة ومن ثم يمكن وصف سلوكهم السياسى بالشذوذ والعلة، بالشذوذ فى السلوك، والعلة فى الفكرة التى أصابها الهوى فأحال بينها وبين المنطق السوى المقبول فى العرف السياسى والأخلاقى المعتبر. • النماذج التى تجمع كل أنماط الوطنية المنقوصة هم رجال المال المنهوب من ثروة الشعب، حيث صنعوا حول أنفسهم مجموعة من الصبيان هم أقرب إلى القوارض البشرية كانوا هم الأدوات التى عكرت مسيرة التغيير وخلقت الكثير من النكد السياسي، كما كانت مواقفهم وممارساتهم أشبه بكوميديا يمارسها هاو غير محترف، ثقيل الظل بارد الإحساس، يستقبل ما يقذفه به الجمهور من حبات الطماطم والبيض الفاسد على أنه هدية عيد الميلاد، ويظل مصرا فى البقاء على خشبة المسرح من باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت. • الانتخابات التى حدثت عرت ادعاء هذه الوطنية وكشفت أصحابها، وبدلا من أن يتجه أصحابها لبناء قواعد لهم بين الجماهير راحوا يتهمون الشعب بالغباء والجهل، وأنه شعب لا يعرف كيف يختار؟ • نبرات الاستعلاء وهتاف الحناجر الخاسرة لم يجد نفعا لأصحابه، غير أنه عكر صفو العرس الديموقراطى التى مرت به البلاد وحاول الشغب على نتائجه بكلام فارغ. • وبينما كانت مصر بدعوات أبنائها وصلوات أهلها تعيش فجر قدرها، كانت خفافيش الظلام تسقط فى فجوررها ، وفى ردة عقلية وحضارية وأخلاقية تبنتها بعض الأفواه التى امتلأت جيوبها بالمال الحرام، وامتلأت أفئدتها بالبغض والكراهية للشرف والطهارة الثورية راحت تلك الخفافيش تقوم بعمليات التزييف وممارسة كل أنواع العار السياسى وتجنيد الساقطين وصراخ الموتورين فى إثارة بعض الكنائس وإغرائها بالخروج ضد أول شرعية قانونية للدولة منذ 7 سبعة آلاف سنة، • من باب التذكير وليس من باب صرد الحكاية،نتذكر جميعا بأنه وقبل أن يبدأ الرئيس أولى خطواته فى طريق التغيير كان المجلس العسكرى قد استبق الأمور وأصدر أوامره ليمسك بيده كل الخيوط ،الخفية منها والظاهر وليجد الرئيس نفسه مكبل اليدين والرجلين ممنوعا من الحركة ولو كانت مشاركة فى جنازة شهداء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم، وماتوا بأخطاء وإهمال غيرهم ممن شغلوا عن واجبهم الأول وانفتحت شهيتهم للعب على أحبال السياسة. • أصحاب الوطنية المدعاة بدأوا فى تشويه صورة الرئيس الجديد والنيل من كرامته بأقذر الأساليب، وبشكل تجاوز كل الحدود ليصل حتى إلى حرمه وأبنائه. • التحرش لم يتوقف عند حدود السب العلنى الذى يعاقب عليه القانون عندما يوجه لمواطن عادى فضلا عن رئيس الدولة، بل تجاوز ذلك ليصل إلى التحريض على قتله وتأليب الشعب عليه والدعوة العلنية لمحاصرة مقره وإسقاطه. • حملات صحف وبرامج دورات المياه الفاسدة امتد تطاولهم على أهل بيته فى سخرية وقحة، لدرجة استفزت بعض الصحفيين الأجانب حتى كتبت إحداهن قائلة "لماذا تسخر الصحافة المصرية من زوجة الرئيس مرسى وهى تمثل نساء مصر الحقيقيين، السيدة أم أحمد هى رمز لكل امرأة مصرية شريفة، هى رمز لكل أم مصرية ولكل أخت ولكل زوجة فلماذا يسخرون منها...؟ • الصحفية التى كتبت ذلك لا تعلم أن أتباع الكاوبوى وتلاميذ مدرسة هوليود وشيكاغو فى مصر المحروسة لا تروق لهم قطعا المرأة المصرية العفيفة لأنها فى عصمة من خيالهم المريض، وليست بين أيديهم كلما شاءوا وشاء لهم شيطان الحضارة الزائفة. • صنف النساء الطاهرات واللائى يمثلن 99 فى المائة من نساء مصر رؤيتهم لا تسر الناظرين من أصحاب الهوى الجامح والشهوات القبيحة، ولذلك يتحدثون بتندر عن العفيفات،! ويرون أنه لا يليق بسيدة القصر أن تكون من هذا النوع ! وأنها لابد أن تكون ممن تمت هزيمتهم دينا ووجدانا وفكرا وثقافة، ولابد لسيدة القصر أن تكون من أميرات الكورسيه والمونوكير والباديكير وأن تكون رهينة لما يصدر عن كيرستانديور وأسيرة لجيفينشى. • وَصَبَرَ الرئيس وتحمل، وصبر الشعب الحمول أيضا وتحمل. • المجلس العسكرى الذى تحمل مسئولية المرحلة الانتقالية تعثر فى أدائه فانحاز ووظف بعض مؤسسات الدولة كالمحكمة الدستورية لتُخَدِّم عليه، ومن ثم وقع فى خطأ مضاعف. • صحيح أنه أشرف على أول انتخابات نزيهة، وقدم صورة حضارية لمصر وشعبها لكنه لم يظل على حياديته، وزج بالجيش فى معترك سياسى متقلب وثائر، أمواجه عاتية ورياحه خماسينية ومحيطه ملىء بأسماك القرش، وعواصفه كادت أن تغرق سفينة الوطن وتغتال حلم الثورة ورمز شرعيتها فى التغيير السلمى والتحول الديمقراطى وذلك هو الخطأ الأول. • أما الخطأ الثانى فقد تمثل فى سيطرة المجلس العسكرى على كل مقاليد الأمور فى البلد، والعمل على تكبيل وغل أيدى الرئيس الجديد بمجموعة الإجراءات التى كانت تحمل أقصى درجات التحدى المحملة باستفزاز وتجاهل لإرادة الشعب، الأمر الذى دفع الناس إلى الهتاف فى كل مناسبة "يسقط يسقط حكم العسكر". • غير أن المجلس العسكرى ليس هو الجيش، فجيش مصر جيش عريق يعرف جيدا حدود مهامه العسكرية فى حماية أرض وسماء الوطن، ويتناغم ويتكامل مع قيادته السياسية ليشكل ضمن منظومة الدولة صمام الأمان وحامى الثغور والحدود. • رسالة الجيش هنا يثمنها الوطن عاليا، ويعرف لرجاله قدرهم ومكانتهم، ويحمل لها المواطن كل التقدير والفخر. • أعرف أن شعب مصر الأصيل والذى تذوق طعم الحرية الحقيقية واستطاب مذاقها لن يفرط فيها، ولن يسمح لعبيد النظام السابق وفلوله وعشاق تلوثه أن يعكروا على الشعب فرحته بليلة قدره التى صدرت فيها قرارات خَلَاِصِه من حكم العسكر. • القرارات الجريئة والشجاعة كشفت عورات الدولة العميقة وتبجحها بعدما أعماها غرورها حين صور لها أن سكوت الرئيس الجديد ضعف، ولم تدرك أن الرجل من طراز فريد ، وأنه يثير إعجابك رغم بساطته، ويثير انتباهك رغم تلقائيته، ويثير فضولك فى معرفة مكوناته الثقافية والفكرية والوجدانية. ومن الواضح فى تكوينه أنه لا تدنيه رغبة ولا تقصيه رهبة. • وهذا النوع النادر من الرجال يشكل مشكلة كبيرة لخصومه فى المبادئ والسياسات، فهو لا يمكن إغواؤه بمنح مباهج الحياة له، وتلك مشكلة لدى الذين يعتقدون أن لكل ضمير ثمنا يمكن شراؤه به، ومن ثم فهم أمام شخصية تمثل حالة غير قابلة للتفريط فى مبادئها وثوابتها وليست للبيع بأى ثمن. • كما أنه لا يمكن تهديده بمنع الحياة عنه، لأن الحياة الدنيا بالنسبة له ليست غاية ومطلبا، وإنما ما بعد الحياة الدنيا هو المطلوب المرغوب فى نظره، ومن ثم يكون خصمه أمام نموذج عقائدى لم يسبق له التعامل معه. • الهمة العالية فعلتها فى ليلة من ليالى قدر مصر، وجعلت قلوبنا تخفق وتضطرب قلقا وخوفا عليه فى صدورنا. • فى صلاة التراويح عندنا فى استراليا وعلى بعد عشرات آلاف الكيلومترات من مصر سمعت هنا آلاف الألسنة فى ليلة القدر تلهج إلى ربها داعية وراجية أن يحفظ الله مصر وعزيزها المرسى، وأن يثبت على درب التطهير والإصلاح خطا. • أعرف أيضاً أن شعب مصر يفرق بوعيه بين جيش مصرالباسل بجنوده وضباطه الذين هم خير أجناد الارض، وبين الذين صنعهم مبارك وكانوا أركانا لدولته. • ما فعله الرئيس مرسى كان بمثابة رد الاعتبار بلغة القانون لقواتنا المسلحة والعودة بها إلى الحقل الصحيح لدورها، والميدان الأول لرسالتها وهو حماية الوطن والذود عن شرفه وترابه بعيدا عن التجاذبات السياسية التى كثيرا ما تصاب بعمليات تحول وانتكاسات وردات غير محسوبة وما يجوز لدرع الوطن وصمام الأمان أن يدخل إلى تلك الدائرة التى تشبه رمال الصحراء المتحركة بغير ضمان أو أمان. حفظ الله مصر، وحفظ عزيزها ليصنع بها من جديد حضارة وتاريخا. مفتى عام القارة الأسترالية Email: [email protected]