أحوال المصريين, خصوصًا بعد الثورة, تؤكد أننا لا بد أن نعى الرؤية الإستراتيجية الإسلامية لإدارة مجالات الحياة من خلال التكامل بين أركان الإسلام فى إطار منهج يستهدف تحقيق النهضة وفقًا لهوية الشعب فى مناخ الحرية. - إن شهر رمضان لا يمكن إلا أن يكون مركز تدريب مكثف، روحى ومادى، على ثقافة الصيام والمقاومة فهل هناك شعوب غيرنا تتخذ فترة التدريب فى حد ذاتها كهدف من هذا المركز؟ أم أن البديهى أن يكون الهدف هو أيضًا فترة ما بعد مركز التدريب.. إن تدريب الأفراد بالقوات المسلحة يستهدف الانتصار فى الحروب التى تعد أكبر مشروع قومى لدولة أو أمة فهل هى مجرد صدفة أن تكون كل هذه الانتصارات الإسلامية فى رمضان.. بدر، الخندق، فتح مكة، القادسية، اليرموك، عين جالوت، حطين، والعاشر من رمضان الأخيرة؟ - القرآن الكريم يؤكد ذلك، -﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة)، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِى يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ﴾ (البقرة: من الآية 197). - أى أن الحكمة من الصيام هى التقوى، والتى تمثل فى الآية الأولى الهدف فى حد ذاته، لكن التقوى فى الآية الثانية تمثل الزاد أى الوسيلة، أى أن الصيام لا بد أن يكون هدفًا ووسيلة فى نفس الوقت. ونلاحظ أن الآية الأولى لا تشير إلى أولى الألباب لسهولة فهم أن أركان الإسلام الخمسة تمثل أهدافًا فى حد ذاتها لكن الآية الثانية تؤكد أن التوجيه لأولى الألباب لإدراك الإستراتيجية الإسلامية من خلال ضرورة اتخاذ أركان الإسلام الخمسة ليس فقط كأهداف إيمانية روحية مثل أداء العبادة لإسقاط فرضية ركن الصيام فى رمضان، بل أيضًا وسائل عملية مادية لتفعيل الحياة.. ونحن بصدد ركن الصيام- كمثال- والذى يتولى تدريب الفرد والأمة على الإرادة الداخلية لدعم ثقافة المقاومة والمقاطعة السلمية لكل ما هو ضد الإسلام فى كل المجالات.. مثلاً وليس حصرًا: - المجال الاجتماعى: الاختلاط فى حد ذاته ليس من المحرمات وصولاً لتحقيق تضامن المرأة مع الرجل فى مسئولية الاستخلاف وإعمار الأرض لكن مع ضرورة مقاومة أى خروج على الضوابط الشرعية لاجتناب الإباحية ومحاكاة الغرب والزواج السرى وخلافه. - المجال الإعلامى والثقافى: التليفزيون والإنترنت والفضائيات كلها وسائل مباحة (بل الأصل أن الواجب شرعًا هو مبادرة المسلمين باختراعها) ولا بد من التفاعل الإيجابى معها لمواكبة تطورات العصر لكن مع ضرورة اعتبار الضوابط المذكورة لأخذ المفيد واجتناب الضار لحماية الشباب والجميع من الغزو الثقافى الغربى العلمانى فى كل المجالات، والذى وصل لاختراق الأسرة المسلمة من الداخل. - المجال الاقتصادى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)﴾ (الفرقان)، كيف يمكن ذلك فى ظل الثقافة الاستهلاكية العلمانية وغزو الإعلانات التجارية الكاسح، والذى يضغط بقسوة على المواطن لإنفاق الحد الأقصى من خلال تقسيط السلع وصولاً لأقصى درجة من الرفاهية وحب الظهور والكسل وكلها مستهدفات تضاد الإسلام، الذى يوجه لثقافة الضرورة ثم الحاجة ثم التحسينات. - المجال الصحى: ثلث لكل من الطعام والشراب والتنفس، مقاومة شهوة البطن!! - المجال الشخصى: غض البصر، الغضب، الموضة، شهوة اللسان، الإدمان.. لماذا لا يمتنع المسلم عن التدخين المحرم شرعًا ليس فقط فى نهار الصيام بل طوال العام؟ - المجال العام: فمثلاً المقاطعة الاقتصادية اللازمة لتحقيق قوة وكرامة المجتمع بشأن عدم شراء منتجات الدول، التى تستهدف الإسلام والمسلمين بالظلم والعدوان، لقد أفتى مفتى الديار المصرية بوجوبها شرعًا والواقع يؤكد عكس ذلك عملاً، حيث إن الكثير منا يستغرق فى النوافل فى شهر الصيام، وأيضًا طوال العام.. فأين مفهوم الأولويات الذى يعتبر من أهم أساسيات الفكر الإسلامى؟؟ - لقد ضيعنا ثقافة الصيام ليس فقط كوسيلة عملية لتفعيل نهج المقاومة اللازم للفرد والأمة لتحقيق التقدم والنهضة.. بل أيضًا ضيعناها كهدف إيمانى روحى بدليل الارتفاع النسبى لأسعار السلع الغذائية نتيجة لزيادة الطلب بالإسراف فى الطعام فى رمضان، وهو عكس المطلوب! وكذلك الارتفاع النسبى لسعر دقيقة الإعلانات بالقنوات والفضائيات نتيجة لزيادة الإقبال على مشاهدتها فى رمضان، وهو أيضًا عكس المطلوب! - إنها مسئولية العلماء والمفكرين نحو ضرورة استثمار وتوجيه الصحوة الشعبية تجاه الإسلام كمنهج حضارى وصولاً لتحقيق النهضة. * رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار