فى مثل هذا الشهر "أغسطس" من عام 2008.. احتفت إحدى الصحف اليسارية ب"خلع" زميلة لهم "الحجاب"، والوسط الفنى المصرى مشغول ب"سينما الحجاب" وقلق من "تحجيب" السينما بعدما "تحجب" المجتمع.. ثم الفزع من "أخونة" الدولة بعد وصول رئيس إسلامى إلى سدة الحكم.. زوجته وبناته محجبات! قد نتفهم "القلق الثقافي" فى أوروبا من انتشار الحجاب، أو من ارتفاع قباب المآذن على أبراج الكنائس، أو الدعاية الانتخابية الغربية التى ترفع شعار "أعطنى صوتك أهدم لك مسجدا".. فأوروبا كما قلت من قبل فى أكثر من مقال غير متدينة ولا يهمها المسيح ولا المسيحية ك"دين" أو ك"عقيدة"، ولكنها قلقة على هويتها الحضارية التى تستقى من المسيحية "الرمزية" لا "الدينية".. والتى يهددها التمدد الرمزى الإسلامى: "الحجاب" و"المآذن" على سبيل المثال، وتوجد الآن العشرات من المؤلفات التى لا تخفى قلقها من "أسلمة" أوروبا سلميا ب"التراكم" وليس عنفا ب"الصدام" المسلح. ما يكتبه الغربيون فى ذلك الشأن ليس من قبيل "التحريض" المفتعل، ولكنه يصدر بدافع "قلق" حقيقى من تحول أوروبا ثم أمريكا بالتبعية إلى "ولاية" إسلامية على حد تعبير دانيال بيبس.. ربما يكون هذا القلق مبالغا فيه ولا يخلو من إسراف يبلغ مبلغ إثارة المخاوف مما يضمره من نوايا حقيقية، غير أنه يظل مشروعا أو مقبولا فى سياقه، إذ إنه يصدر من داخل المنظومة الغربية القلقة من هذا الوهج المتنامى لحضارة وثقافة نضالية ورسالية فى آن واحد مثل "الإسلام". ولكن عندما يصدر القلق من "الحجاب" مثلا من داخل ذات النسق العروبى الإسلامى، فإن ذلك ما يدعو إلى التفتيش فى "النوايا"، وإن أغضب مثل هذا القول من يريدون قطع الألسنة ومصادرة حق إبداء الرأى باسم " لايجوز التفتيش فى النوايا". والحال أن المسألة برمتها، لا تحتاج إلى التورط مع "الغوغائيين" فى مثل هذا الاشتباك الذى عادة ما يستغل على طريقة "خذوهم بالصوت"، فالتجارب والمحكات هى التى "تختبر" و"تمحص" القلوب، وتفرز المواقف وتصنف الرجال، وهى واحدة من سنن الله تعالى لفرز القوى داخل أى مجتمع منقسم أمام "خيارات" فرضتها عليه مرحلة تاريخية معينة. الثرثاريون من دعاة "التنوير" فى مصر، يعتبرون الحجاب " تقليدا اجتماعيا" وليس "فرضا دينيا"! حسنا! ولو ذهبنا معهم إلى التسليم افتراضا بهذا "الفهم" الذى يستقونه من "اجتهادات" بعض منتحلى صفة "فقيه" أو "مفكر" إسلامى.. فلم كل هذا القلق من انتشار الحجاب.. طالما أنه مثل أية "تقليعة" اجتماعية؟! فإذا كان الأمر على هذا النحو "على قد فهمهم"، فلم يحتفى صحفيون فى مؤسسة صحفية يسارية بخلع زميلاتهم الحجاب، ولم تُشكل كتلا وجماعات على نمط "مصريون ضد الفساد".. ويرفعون شعار "فنانون ضد الحجاب"؟! كما قلت.. المحكات تمحص النوايا، وتخرج ما يكتمون.. فإذا كان الحجاب فى الغرب يمثل "رمزا" لهوية مغايرة، تهدده فى هويته المسيحية، فإنه بالنسبة لمن يحاربونه من العرب والمسلمين يمثل حتى وإن لم تلتزم به بعض الفتيات والنساء رمزا للطهر والعفة، يكرهونه كراهيتهم للعمى، لأنه يذكرهم بيوم استباح "الفساد الأخلاقى" عفة ضمائرهم وطهارة قلوبهم.. إنهم يكرهون كل ما يذكرهم به، حتى وإن كان قطعة قماش تضعها المرأة على رأسها، طلبا للحشمة أو تمشيا مع ثقافة المجتمع. [email protected]