لا أعرف على وجه الدقة، متى بدأت صناعة الحلويات فى مدينة دمياط، هل بدأت فى العصر الفاطمى أم فى العصر المملوكى، لكن الشىء الذى أعرفه ويعرفه معى الكثير جداً، من أبناء مصر وبعض البلاد العربية، أن حلويات دمياط مميزة ومشهورة، وربما لا يكون لها مثيل فى كل القارة الإفريفية. وتعد هذه الصناعة الشعبية التاريخية، من أبرز الحرف والمهن التى يشتهر بها شعب دمياط،غير أن هذه الصناعة الهامة، يشتكى العاملون فيها بمرارة منذ سنوات.. وبدلاً من حدوث تطور ودفعة تكنولوجية فى هذه الصناعة، حدث العكس.. والحال، أن مصر غير قادرة على الاستفادة من هذه الثقافة أو تحويلها لمصدر قوى ثابت لمعيشة أهالى المنطقة ولجعل هذه الصناعة تدر مداخيل مالية سنوية. تخيلوا معى، لوّ أن هذه الحرفة القديمة لها وجود فى دول مثل الصين أو سنغافورة أو كوريا واليابان، ما الذى كان يمكن أن يحدث فيها من تطور وجعلها مصدراً بارزاً فى قائمة الصادرات العالمية. مثلاً، سويسرا دولة أوروبية صغيرة لا تملك أراضى زراعية ولا يزرع فيها شجر الكاكاو ولا قصب السكر ولا حتى البنجر وعدد سكانها قليل، لكنها تمكنت خلال الخمسين سنة الماضية من التحول لواحدة من أبرز دول العالم فى إنتاج الشيكولاتة القائمة على الكاكاو والسكر، وصارت أغلب ماركات الشيكولاتة العالمية مرتبطة بسويسرا. فى تركيا، تمكن التجار وأصحاب المصانع الصغيرة للحلويات، عبر مساعدة الدولة وغرف التجارة والصناعة والبلديات ومراكز التعليم، من القفز قفزات حديثة بالحلويات التركية.. اهتمام بالتغليف والتعبئة، وبالحساسية فى المكونات والجودة والنظافة، وبخلق أسماء وماركات للحلويات.. والحال، أن محلات الحلويات التركية، تنتشر اليوم فى دول الخليج وآسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا. على مدار ربع قرن من الزمان، وأنا أشترى حلويات دمياط وأقدمها هدية لأهل زوجتى فى تركيا، ولمن يزورنى بمنزلى ومكتبى.. يأكلها الناس هنا، وهم يعبرون عن إعجابهم ودهشتهم.. حتى أن بعض الأصدقاء من العالم الغربى، يعرب عن نفس الإعجاب، حين يتذوق حلويات دمياط. فى مصر، لدينا زراعات السكر والبنجر والسمسم والفول السودانى والحمص والقمح والذرة (دقيق) وعباد الشمس والقطن والكتان(كزيوت نباتية) وغيرهم، يعنى تقريباً لدينا أغلب المواد الخام الخاصة بصناعة الحلويات، أما الناقص أو اللازم وجوده فيتم استيراده.. كذا، لدينا الأيدى العاملة الرخيصة.. ومع هذا، لم تتمكن دمياط، ولا مصر عامة، من أخذ مكان لها فى سوق ماركات الحلويات العالمية. بكل تأكيد، العيب ليس فى أهالى دمياط، وإنما فى الحكم والإدارة الجاهلة والمستبدة، التى لم تملك يوماً، على مدار 60 عاماً، فكراً ومشروعاً قومياً منتجاً، ولم تتمكن من تطوير وتحديث الصناعات المحلية، وفشلت فى الاستفادة، مما هو لدينا من ثقافة وحضارة. إن نظرة عميقة لها أبعاد اجتماعية واقتصادية، مدعومة حكومياً وبلدياً، قائمة على برامج تأهيل وتطوير وتحديث لصناعة الحلويات، تحت إشراف أساتذة التغذية بكليات الزراعة وخبراء الحلويات، كفيلة برفع أى معاناة تعيشها حلويات دمياط، وستقود لخلق ماركات حلويات مصرية، تأخذ مكاناً فى السوق العالمى، وتعود على دمياط ومصر وشعبها بالخير. قال الأجداد إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.