التصريحات التي قالها الزميل الأستاذ ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم على شاشة إحدى الفضائيات القريبة من السلطة ، والتي عبر فيها عن شكوكه في أن جمال مبارك ينسق مع الإخوان أو أن هناك "لعبا" في الفناءات الخلفية بين الطرفين ، لا أتصور أنه محض انطباعات خاصة به ، لأن رزق قريب من دائرة الرئاسة ، وأهل لثقتها ، وبالتالي ، فما قاله هو صدى "أجواء" حول الرئيس عبد الفتاح السيسي قيلت فيها هذه العبارات وطرحت تلك الهواجس ، وبالتالي فمثل هذه الرؤى والتقديرات لا ينبغي أن تمر مرور الكرام ، وإنما تحتاج إلى وقفة للتأمل والتحقيق . رزق قال أن تحركات جمال مبارك الأخيرة تثير الشكوك حول نواياه ، وكثرة ظهوره تطرح أسئلة عن مغزاها ، وتساءل بوضوح : هل يفكر في الترشح للرئاسة ؟ وقال أن مصر لم تحاكم جمال المحاكمة السياسية التي كان يستحقها ، وأنه حوكم وأدين فقط في قضية قصور الرئاسة وهي قضية جنائية ، وأنه كان جديرا بالمحاكمة على تهمة قلب نظام الحكم الجمهوري ، لأن عملية توريث السلطة من أبيه له التي كان يجري الإعداد لها هي انقلاب على السلطة ، كما قال أن جمال كان عليه أن "يبوس يده" ويحمد ربنا ، في إشارة إلى رأفة النظام الجديد به وعدم التنكيل به ، والأهم في كلامه هو تكراره الإشارة إلى هواجس حول علاقة ما تربط بين الإخوان وجمال مبارك . كلام "رزق" ربما يفسر بعض الضيق من أبناء مبارك ونشاطهم الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية وضيق البعض في السلطة من هذا النشاط ، كما أنها أول تأكيدات لها طابع "شبه رسمي" لوجود تقارير رسمية ، ربما تكون أمنية ، عن رصد تواصل بصورة أو أخرى بين الإخوان وجمال مبارك ، وأن هذا ما أثار قلقا لدى الرئاسة ، كذلك يشير الكلام إلى تهديد مبطن لجمال مبارك ، بأنه ما زال تحت سيف "العدالة" ، وأن عليه أن يبتعد عن تلك "اللعبة" التي لن تتسامح السلطة معها أبدا . على المستوى المادي الملموس لا توجد دلائل واضحة تشير إلى تواصل بين جمال مبارك والإخوان ، ولا أعرف ما إذا كان كلام زميلنا ياسر رزق يفهم منه أن "أجهزة" رصدت إشارات على تحرك ملموس أم أنها مجرد شكوك حتى الآن وتحذيرات مبكرة ، ولكن على المستوى الافتراضي فالمسألة ليست مستبعدة من جانب الإخوان تحديدا ، لعدة أسباب ، أولها أن الإخوان سبق وراهنت على جمال مبارك في الخمس سنوات الأخيرة من حكم أبيه ، بل إن المرشد محمد بديع والمرشد السابق مهدي عاكف تحدثا لمجلات وصحف مصرية بأنهم لا يمانعون في "توريث" السلطة لجمال ، إذا تقدم للشعب باختيار حر وانتخابات نزيهة ، وكالوا لجمال الكثير من الصفات الإيجابية كقائد شاب ، وفهم الأمر يومها على أنه غزل مبكر من الجماعة لحجز مقعدها في المركب الجديد ، أو التي كانت تتصور أنه سيكون المركب الجديد حسب السيناريو الذي كان مبارك ودولته يرتبان له بوضوح . الأمر الآخر أن الجماعة الآن نفضت يدها تقريبا من قوى المعارضة المصرية الأخرى ، بما فيها القوى الإسلامية التي كانت متحالفة معها بعد أحداث 3 يوليو 2013 ، وتسبب أداء الإخوان السياسي والإعلامي في الداخل والخارج ونشاطهم على صفحات التواصل الاجتماعي إلى تعميق الخلافات وتمزيق صفوف المعارضة وتأكيد شكوك المعارضة المدنية بشكل خاص تجاه الجماعة ونواياها ومدى إيمانها بالديمقراطية والدولة المدنية ، فضلا عن أن تجربة حكم الجماعة القصيرة تركت أثرا لا يمحى عن الهلع والمخاوف من روح الهيمنة والإقصاء التي تتحرك بها والرغبة في ابتلاع الدولة والوطن ، وبالتالي فإن المتوقع أن يبحث الإخوان عن "رهان" آخر بديل ، وإذا كان رهان الجماعة على النظام نفسه تراجع حاليا بسبب رفضه تسريبات الإخوان المتتالية والمقصودة عن مصالحة ، فإنه لن يكون مستبعدا أن يفكر الإخوان في سيناريوهات بديلة أو في "رمز" سياسي مثل جمال مبارك ، اعتقادا أن قاعدة شعبية كبيرة من مؤيدي أبيه سيوالونه ويدعمون موقفه السياسي . البراجماتية التي تصبغ سلوك جماعة الإخوان منذ نشأتها وحتى اليوم ، تجعل من تلك الفرضيات احتمالات قائمة بالفعل ، والإخوان تمسكوا بالحياد أمام دعوات 25 يناير ولم يعلنوا المشاركة إلا بعد ظهور قوة الحراك وأنه ثورة بالفعل ولها قدرتها على إسقاط النظام ، فهم يقلون عند الجزع ويكثرون عند الطمع ، والإخوان تحاوروا مع "الوريث" المؤقت لمبارك ، رجله القوى ونائبه المعين اللواء عمر سليمان أثناء مليونيات ميدان التحرير ، كما نسقوا بعد ذلك مع المجلس العسكري ، فالقاعدة التي تنتهجها الجماعة دائما تسير وفق المثل الشعبي "اللي تغلب به العب به" . غير أن مثل هذا التفكير سيكون متصفا بالسذاجة السياسية ، أيضا لأكثر من سبب ، الأول أنه سيكون محاولة انتحارية من جمال مبارك نفسه إذا فكر في مثل هذا السيناريو ، ولن تتعامل معه الدولة بأي مستوى من الرأفة ، ثانيا أن فكرة أن جمال مبارك يملك قاعدة شعبية الآن ، استنادا إلى "هاشتاجات" على التواصل الاجتماعي تحن إلى عصر مبارك ، هو هراء ، فمعظم مؤيدي مبارك كانوا "دولجية" ، وهذا الصنف يكون ولاؤه للسلطة الجديدة القائمة التي تدير الدولة ودولابها ، ولذلك معظم هذه النوعية تحول ولاؤها اليوم للرئيس السيسي ونظامه بداهة . وتبقى الحقيقة الأخيرة ، أن لا أحد في مصر الآن يفكر في بدائل من الماضي ، لا الإخوان ولا مبارك وأولاده ، تلك صفحات من الماضي طويت ، وعلى الجميع أن يستوعب هذا الدرس ، وأن يشتري وقته ووقت الوطن أيضا . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1