جامعة أسيوط تعلن شروط التقديم لحجز 15 وحدة سكنية داخل وخارج الحرم الجامعي    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    «التموين» تطرح عبوة زيت في المجمعات الاستهلاكية بسعر 46.60 جنيهًا    سعر اليوان الصيني مقابل الجنيه في مصر اليوم السبت    خالد عبدالغفار يشهد جلسة حوارية بعنوان دور الثقافة والرياضة في الهوية الوطنية    سلامًا للسودان.. ولو جاء متأخرًا!!    نتائج كأس العالم للناشئين.. بوركينا فاسو تطيح بألمانيا.. وتونس تودع    الزمالك يعلن إطلاق اسم محمد صبري على بطولة كأس الأكاديميات    ما حقيقة مفاوضات الأهلي مع أسامة فيصل وموقف اللاعب؟    سلة - قبل مباراة الفريق الأول.. مرتبط الأهلي يفوز على سبورتنج ويتأهل لنهائي الدوري    رامي عيسي يحصد برونزية التايكوندو في دورة ألعاب التضامن الإسلامي 2025    ولية أمر تحرر محضرا ضد مدرسة خاصة شهيرة بالهرم بعد إصابة ابنها بكسر بالجمجمة    محافظ الدقهلية خلال احتفالية «المس حلمك»: نور البصيرة لا يُطفأ ومصر وطن يحتضن الجميع| فيديو    أسباب الانزلاق إلى الإدمان ودوافع التعافي.. دراسة تكشف تأثير البيئة والصحة والضغوط المعيشية على مسار المدمنين في مصر    الأرصاد: تحسن في الطقس وارتفاع طفيف بدرجات الحرارة نهاية الأسبوع    أبطال فيلم شكوى رقم 713317 يتألقون على السجادة الحمراء بالقاهرة السينمائي (فيديو وصور)    الأوقاف: مسابقة كبار القراء والمبتهلين شراكة استراتيجية لترسيخ ريادة مصر    وزير الصحة يعلن توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية 2025    استشاري أمراض صدرية تحسم الجدل حول انتشار الفيروس المخلوي بين طلاب المدارس    يوسف إبراهيم يتأهل لنهائي بطولة الصين المفتوحة 2025    من مقلب قمامة إلى أجمل حديقة.. مشاهد رائعة لحديقة الفسطاط بوسط القاهرة    عاجل خبير أمريكي: واشنطن مطالَبة بوقف تمويل الأطراف المتورطة في إبادة الفاشر    طوكيو تحتج على تحذير الصين رعاياها من السفر إلى اليابان    ذكرى اعتزال حسام حسن.. العميد الذي ترك بصمة لا تُنسى في الكرة المصرية    الزراعة: تعاون مصري صيني لتعزيز الابتكار في مجال الصحة الحيوانية    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    الليلة الكبيرة تنطلق في المنيا ضمن المرحلة السادسة لمسرح المواجهة والتجوال    خبير أسري: الشك في الحياة الزوجية "حرام" ونابع من شخصية غير سوية    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    وزير الصحة يعلن توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    القاهرة للعرائس تتألق وتحصد 4 جوائز في مهرجان الطفل العربي    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    جيراسي وهاري كين على رادار برشلونة لتعويض ليفاندوفيسكي    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    أبو الغيط يبدأ زيارة رسمية إلى الصين لتعزيز الحوار العربي الصيني    أسامة ربيع: عبور سفن عملاقة من باب المندب لقناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    التعليم العالي ترفع الأعباء عن طلاب المعاهد الفنية وتلغي الرسوم الدراسية    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وادى الخيانة .. جواسيس خيرت الشاطر على جمال مبارك
نشر في النهار يوم 21 - 12 - 2013

قيادات الإخوان ورجال مبارك فى الداخلية والمخابرات والمجلس العسكرى.. شركاء فى الحكم والمصير
الجماعة اتفقت على لقاء بين الوريث الضائع وأبوالفتوح
ابن فريد عبدالخالق يرتب لقاء بين جمال مبارك وأبوالفتوح وعصام العريان ومحمد على بشر... لكن أحداث ميليشيات الأزهر تلغيه
فى واحد من تصريحاته المكثفة والموجزة قال الدكتور محمد حبيب الذى خرج من مكتب الإرشاد نائبا أول للمرشد بعد أزمة طاحنة ألمت بالجماعة وبعد رفض من تجاهه لحالة التدنى التى وصل إليها إخوانه فى العام 2010: «قبل عدة سنوات بلغنا فى مكتب الإرشاد أن هناك ترتيبا يتم للقاء بين جمال مبارك وعبدالمنعم أبوالفتوح، لكننا علمنا فيما بعد أن هذا اللقاء لم يتم، ولذلك لم نهتم بالأمر ولم نجر فيه تحقيقا داخليا».
حبيب كان يتحدث خلال فترة الانتخابات الرئاسية 2012، عندما قرر الإخوان اغتيال عبدالمنعم أبوالفتوح معنويا، بتسريب أخبار تشير إلى أنه كان يلتقى بجمال مبارك، مدافعا عن صديقه عبدالمنعم الذى رافقه فى إعادة تأسيس الجماعة مرة أخرى فى أوائل الثمانينيات تحت مظلة مرشد الجماعة الثالث عمر التلمسانى... وكانت هذه كلمة حق قالها حبيب الذى يقول الحق ولو على نفسه «رغم خروجه من الجماعة شبه مطرود من جنتها لم يتجن عليها بشىء لم تفعله».
لكنه دون أن يقصد - ربما - فتح لنا بابا للدخول إلى الملف الأكثر غموضا خلال السنوات الأخيرة من نظام مبارك، وهو ملف موقف الجماعة من الوريث الذى كان يستعد للقفز على كرسى العرش فى 2011، لولا أن الثورة قطعت أصابعه وكسرت قدميه، ولم تتركه إلا وهو سجين فى زنزانة باردة وضيقة.
قد يبدو الملف ملتبسا بعض الشىء، وذلك بسبب التصريحات المتضاربة من قيادات الجماعة حول جمال مبارك ووضعيته فى الحياة السياسية المصرية، وعندما أشير إلى قيادات جماعة الإخوان المسلمين أقصد تصريحات المرشدين تحديدا، ولا أنصرف إلى اجتهادات البعض أو تحليلاتهم.
فى 4 يونيو 2006 كان مهدى عاكف يتحدث فى حوار مطول مع جريدة «الكرامة»، ويبدو أنه كان يخاطب قواعد جماعته وشبابها الغاضبين، فصرح بأن الإخوان يرفضون التوريث نهائيا، لكنه وبعد يومين فقط وعلى موقع «إخوان أون لاين» أصدر بيانا باسمه، قال فيه إنه مستعد لأن يستقبل جمال مبارك كشاب مصرى، لكن أحدا لم يرد عليه فى تصريحه الأول بالعتاب، ولا فى بيانه الثانى بالترحيب أو الثناء.
وفى ديسمبر 2008 نشر موقع «إخوان ويب» الناطق باللغة الإنجليزية حوارا مع المرشد مهدى عاكف قال فيه إنهم يوافقون على ترشيح جمال مبارك كمواطن لأن له الحق الدستورى فى ذلك، ولكن بعد أن يترك والده القصر الجمهورى، لنرى إذا كان الشعب سيختاره دون تأثير من نفوذ والده أم لا.
فى يناير 2010 أى قبل الثورة بعام واحد فقط، كان محمد بديع يتحدث إلى قناة الجزيرة عبر مدير مكتبها فى القاهرة - وقتها - حسين عبدالغنى، سأله حسين: دكتور بديع هل تعارضون ترشيح جمال مبارك ضمن آخرين فى الرئاسة؟ فرد بديع: لا نعارض ترشيح الأستاذ جمال، مثله مثل أى مواطن شريطة ألا يتميز عن أى مواطن مصرى فى طريقة العرض على الشعب، وبآلية تسمح بالاختيار الحر النزيه دون ضغط أو قهر.
ستقول إن كلامهم واضح، فهم يرفضون التوريث، لكنهم لا يريدون أن يصادروا على حق جمال مبارك فى الترشح للرئاسة، لأنه فى النهاية مواطن مصرى مثل أى مواطن آخر له نفس الحقوق والواجبات.
هذا هو ظاهر القول، أما باطنه ففيه كلام كثير يمكن أن يقال.
أولا: على مستوى التفسير، وهو ما تبناه كثيرون فيما يتعلق يتصريحات قيادات الإخوان عن جمال مبارك، فقد تلقت المجموعة المحيطة بجمال هذه التصريحات على أنها محاولة من الإخوان لمساندته حتى يصل إلى الحكم، وبعدها يمكن أن ينقلبوا عليه، لأنهم يعتقدون أنه سيكون أكثر ضعفا من أبيه، وعليه يسهل افتراسه، لتخلو لهم الساحة السياسية تماما بعد ذلك، ولذلك زادت هذه التصريحات جمال مبارك نفورا من الجماعة، وزادته تشككا فى نواياهم تجاهه.
وثانيا: على مستوى محاولة التواصل مع جمال مبارك والمجموعة المحيطة به، وهنا يمكن أن نعود قليلا إلى العام 2004، وهو العام الذى يمكن أن نقول إن الجماعة بدأت فيه التفكير فى فتح قنوات اتصال مع جمال مبارك، وكان لابد أولا أن تخترق الدائرة القريبة المحيطة به، ولم يكن هناك هدف أسهل من أمانة السياسات التى كان يرأسها جمال مبارك
فى هذا العام كان خيرت الشاطر هو النائب الثانى لجماعة الإخوان، بحث عن منفذ يعبر من خلاله إلى جمال مبارك، وكان أن عثر على عادل عفيفى مسؤول اللجنة السياسية للإخوان فى محافظة الجيزة، كان لعادل شقيق داخل أمانة السياسات، رجل أعمال من رجال الحزب الوطنى ومقرب من جمال مبارك، وقد استطاع أن يمهد الطريق للإخوان المسلمين على الأقل من أجل أن يسمع جمال منهم بدلا من أن يسمع عنهم.
استغرق إقناع جمال مبارك ما يقرب من عامين من أجل الجلوس مع جماعة الإخوان المسلمين، وتم بالفعل تحديد موعد معه العام 2006، لكنه لم يأت هذه المرة عن طريق عادل عفيفى، بل عن طريق أسامة فريد عبدالخالق - ابن القيادى الإخوانى الراحل الكبير والذى كان من بين الرعيل الأول للجماعة الذين رافقوا حسن البنا - وهو أيضا رجل أعمال وكانت تربطه علاقات صداقة وبيزنس مع رجال الحزب الوطنى.
تحددت أسماء من سيحضرون لقاء جمال مبارك من قبل الجماعة، وكانوا الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان والدكتور محمد على بشر، وأغلب الظن أن هذا هو اللقاء الذى كان يشير له محمد حبيب، وهو ما يعنى من زاوية معينة أن حبيب لم يكن مطلعا على كثير مما يحدث داخل الجماعة، وأن خبر اللقاء الذى أشيع بين أبوالفتوح وجمال مبارك، لم يكن إلا لقاًء تم الاتفاق عليه بمعرفة قيادات الجماعة.
وقفت الأقدار دون أن يتم هذا اللقاء، فقبل الموعد المحدد، قام طلاب الإخوان فى جامعة الأزهر بعرض رياضى استعرضوا فيه إمكانياتهم، وتم تصوير الأمر على أن الجماعة تستعرض ميليشياتها العسكرية لتخويف المجتمع والتأكيد على أنها جاهزة للمواجهة مع النظام فى أى وقت، فتم إلغاء الموعد، لتبدأ حرب علنية بين النظام والإخوان، دخل على إثرها خيرت الشاطر وأكثر من 35 قياديًا إخوانيًا السجون على ذمة قضية غسل الأموال التى أدى فيها معظمهم.
عبدالمنعم أبوالفتوح دافع وقتها عن طلاب الأزهر، واتهم الجهات الأمنية بأنها من ورطت الطلاب فى هذا العرض، واتهم الإعلام كذلك بالمبالغة فى وصفهم بأنهم ميليشيات، وحاول أن يبحث عن مخرج للجماعة من ورطتها، لكن نظام مبارك كان قد أعلن عن خطته فى تصفية منابع الجماعة المالية مستغلا هذه القضية.
كان يمكن للجماعة أن تطوى صفحة جمال مبارك تماما، خاصة أن الأجهزة الأمنية رفعت تقارير تحذر من محاولات الإخوان إجراء لقاءات مع رئيس أمانة السياسات، لكن تجدد الأمر مرة أخرى فى العام 2008، وهذه المرة جاءت المبادرة من الخارج.
كان الزميل شارل فؤاد المصرى يجرى مجموعة من الحوارات مع يوسف ندا - ضمنها بعد ذلك فى كتابه الأب الروحى - الذى كان يوصف وقتها بأنه المفوض السياسى للإخوان المسلمين، سأله: قرأت أنك رتبت العلاقة بين إيران والسعودية، ما مدى صحة ذلك؟ فرد ندا: يا ليتنى أستطيع ترتيبها بين الإخوان وجمال مبارك.
عاجله شارل: إذن هل توافق على التوريث؟ فرد ندا بإجابة مطولة: قال: لا أنظر إلى الموضوع على أنه توريث، ولكننى أنظر إليه على أنه حق لكل مواطن مصرى، على أن يكون هذا الحق غير مقرون بالسلطة، وإذا هو نافس أى مصرى كمصرى، فهذا حقه وأنا لا أستطيع أن أنزع منه الجنسية، وإذا كانوا هم يضعون القوانين حتى يمنعوا غيرهم، وأقول لهم: إنهم مخطئون فيجب ألا نقع فى الخطأ وننادى بمنعه، وهو من حقه كمصرى أن يرشح نفسه، وإن كنا ننادى بحقوق المواطنين فكيف نناقض أنفسنا ونحرمه من هذا الحق، ولكن لابد أن يكون هناك تكافؤ فى الفرص، وإن أراد المصداقية فلابد ألا يرشح نفسه إلا بعد إلغاء القوانين والبنود الدستورية التى فصلها الترزية على مقاسه.
ويستكمل ندا رؤيته حول جمال مبارك يقول: الإخوان لا يهمهم من يحكم مصر، ولكن يهمهم كيف تحكم مصر «تبين أن هذا وهم كبير فيما بعد بالطبع» وصحيح أنهم لا يقبلون أن يأتى شخص أمريكى أو إنجليزى لكى يحكم مصر، ولكن أن يأتى شخص مصرى يحكمها كما يجب أن تحكم وكما يجب أن يحكم الحاكم العادل والمخلص أيا كان، ما دام مصريا فليتفضل، ولكن أن يسير على نفس النظام الموجود حاليا، فكما رفضوا من قبله سيرفضونه، وسيبدأ حياته بغياب القبول والشرعية، أما إذا كان فى مصر «مش عارفين يتفاهموا، فأنا مستعد أتفاهم على هذا الأساس، وله - يقصد جمال - صديق مشترك سويسرى من عائلة مصرية اسمه محمود يمكنه التمهيد».
مبادرة يوسف ندا كانت واضحة جدا لا لبس فيها، أطلقها من أجل أن يجلس جمال مبارك والإخوان على مائدة تفاهم واحدة، وتبرع بأن يتوسط فيها من خلال صديق جمال السويسرى، ثم ترك الأمر ليتفاعل هنا فى مصر، وخلف الكواليس تأكد أن ندا نقل للوسيط السويسرى وجهة نظره فى أن يجعل جمال مبارك يستمع إلى وجهة نظر الإخوان ويضعها فى اعتباره فى مقابل دعمهم له ومساندتهم إياه.
فى هذا الوقت كان محمد مرسى مسؤولا عن الملف السياسى داخل الجماعة، ووقتها نسبت له تصريحات قال فيها: لا علم لدى بهذه المبادرة ولا إجابة عندى بخصوصها، وأنا لست متأكدا أساسا من حقيقة ما قاله يوسف ندا «فى إشارة إلى التشكيك فى المبادرة من أساسها»، وأضاف نصا: وأنا كمسؤول سياسى أؤكد أن الجماعة لم تناقش أمر التوريث ولم تقطعه تماما وفكرة قبول الإخوان ترشيح جمال مبارك رئيسا تفرض عليها الجماعة عدة شروط.
لقد حاولت الجماعة عبر مسؤوليها أن تخفى موقفها الحقيقى من جمال مبارك، لكن أعتقد أن الرسالة التى وجهها المستشار على جريشة وهو أحد قيادات الجماعة التاريخيين إلى مبارك ونشرها موقع إخوان أون لاين فى 16 يناير 2007، كانت فيها إشارات كثيرة إلى أن الجماعة تنتظر فقط أن يأمر مبارك ابنه بأن يجلس مع الجماعة.
هنا سأورد لكم نص الرسالة التى يمكن أن نعتبرها فى النهاية وثيقة تؤرخ للعلاقة بين الإخوان المسلمين ومبارك، ولأنها فى النهاية كاشفة لأكثر من رغبة الإخوان فى الجلوس إلى جمال مبارك، بل إلى أنهم يخفون ودا قديما بينهم وبين مبارك نفسه.
يقول على جريشة موجها كلامه مباشرة إلى حسنى مبارك: قرأت تصريحاتك الأخيرة عن الإخوان، وبصفتى صنفت أخيرا متعاطفا معهم - أقول لك كما صرحت بذلك كله «دير شبيجل»: لقد كنت يوما واحدا منهم، عرفتهم عن قرب، ولو بقيت لكنت اليوم أحد كوادرهم، فبالله عليك كيف عرفت عنهم؟
أنا راض بعد حكم الله بحكمك؟
أما حديثك عن الإسلام السياسى فذلك تعبير لا يليق صدروه منك، وأنت شرقى وأنت مسلم، وهو يذكرنى بحديث سلفك «لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين»، الأمر الذى اعترضت عليه مباحث أمن الدولة فى تقرير لها رصدت به رد الفعل الشعبى، فعاد ليقول: «الإسلام دين ودولة» نعم، ولكن لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين.
وهو فرع عن مقولة سادت أوروبا إثر طغيان الكنيسة فيها، «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله» فكأنما قسموا نفوذ الدنيا بين قيصر وبين الله، فجعلوا الكنيسة لله، وجعلوا الشارع والمجتمع والدولة لقيصر، وهى قسمة جائرة فضلا على أنها خاطئة».
وهنا جاء ديننا الإسلامى السمح ليصحح الكثير، ومنها هذه المقولة، فلا شىء لقيصر فى كل إسلامنا، إلا أن يكون قيصر فرعونا من الفراعين، الأمر فى إسلامنا كله لله «قل إن الأمر كله لله» و«قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين»، إسلامنا لا يعطى شيئا لقيصر، ولو كان القيصر هو حسنى مبارك، لأن الحاكم فى الإسلام وكيل عن الأمة وخادم لها، والسيد فى إسلامنا هو الله «هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون» ثم الشعب، يختار وكيلا عنه فى إدارة أمر الأمة، ومن حق الموكل أن يقيل وكيله متى أراد.
من أجل ذلك يا أخ حسنى لا تسمع لقولهم ولا تضعن نفسك موضع المدد لشعاراتهم، واعلم أننا ننتظر منك غير ذلك، ننتظر منك أن تنظر فيمن حولك، فأكثرهم كما عبرت أنت فى لقاءات خاصة إما... أو... أو، ثم انظر بعد ذلك إلى من تعرف من الإخوان، فستجد فيهم عكس الصفات التى رأيتها وعبرت عنها فى تلك اللقاءات الخاصة.
ستجد فيهم باختصار من تتمنى وستنصح ابنك العزيز أن يتصل بهم وأن يعرف عنهم ومنهم الكثير، واعلم بعد ذلك يا أخ حسنى أن الدنيا زائلة، فأين جمال عبدالناصر، وأين أنور السادات، وأين أخيرا صدام حسين؟ ومن قبلهم ومن بعدهم الكثير؟ واعلم أن هناك كأسا لابد لنا جميعا من أن نشرب منه، إنه كأس الموت» كل نفس ذائقة الموت، وأن بعد الموت حسابا يوم القيامة، وأن بعد الحساب جنة أو نارا «وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا»... ولن ينجى من الحساب ولن ينجى من النار إلا عمل الإنسان، «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره».
وإنى أتمنى لى ولك أن نكون من أهل الجنة، وأتمنى لنفسى الفردوس الأعلى، وأرجو أن تسألها لنفسك، وإن لم تجمعنى بك حتى الآن إلا رؤيا صالحة فإنى أنتظر من ربى تحقيق هذه الرؤيا، يومها أقول لك «هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا»... و«يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم»... وتحية لك ودعاء «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».
وهنا لابد أن نضع مجموعة من الملاحظات على هامش هذه الرسالة التى لا ندعى أنها سرية، بل هى علنية ومنشورة على موقع الإخوان الرسمى.
أولا: تصر الجماعة على أن مبارك كان منهم، انتمى إليهم فى يوم من الأيام، وعليه فهو يعرفهم جيدا، ولذلك من الغريب عليه أن يأخذ هذا الموقف منهم.
ثانيا: بدا أن الجماعة كانت تضع مبارك تحت المراقبة الدقيقة، ولن أبالغ وأقول إن الجماعة كانت تتجسس عليه، بل هى - وهذا أضعف الإيمان - كانت تعرف على وجه التحديد ما الذى يقوله مبارك عنها، وعن الصفات التى يلصقها بقياداتها، وهى صفات فى الغالب لم تكن جيدة ولا حميدة.
ثالثا: دعت الجماعة بشكل واضح وصريح أن ينصح مبارك ابنه جمال أن يجلس مع قياداتها حتى يسمع منهم، طمعا فى أن يغير وجهة نظره عنهم.
رابعا: كانت هناك محاولة لاستعطاف مبارك من قبل المستشار على جريشة، فقد أشار إلى أن هناك رؤيا صالحة رآها لمبارك وأنها ستتحقق، ويومها سيقول إن هذا تأويل رؤياى قد جعلها ربى حقا، لكن لم يلتفت مبارك إلى هذا الاستعطاف الذى كان مبالغا فيه فى حقيقة الأمر، «على الهامش لم يكن مبارك يركن إلى مسائل الرؤى المنامية ولم يكن يعتقد كثيرا فى الروحانيات، وعلى حد تعبير المسؤولين السياسيين الكبار الذين عملوا معه لسنوات طويلة، فإنه أقرب إلى أن يكون ملحدا، ولم تكن تأديته للشعائر والصلوات وحضور المناسبات الإسلامية إلا من باب مقتضيات المنصب لرئيس فى دولة إسلامية»، ولم يطلب من على جريشة أن يفصح عن رؤياه هذه.
كانت هذه الرسالة التى أثارت استياء البعض داخل الجماعة محاولة من على جريشة لتقريب وجهات النظر، سبقت بعدة شهور دعوة يوسف ندا، التى لم يبد أن أحدا استجاب لها داخل جماعة الإخوان أو داخل صفوف النظام المصرى، خاصة أن مساحة التصعيد بين الجماعة وأجهزة مبارك الأمنية قد بلغت مداها هذه الفترة، وكانت لدى مجموعة جمال مبارك عقيدة ربما أشد صلابة من عقيدة رجال مبارك الكبار، جعلتهم يصرون على الابتعاد عن الإخوان المسلمين ولا يتعاملون معهم سياسيا، والشاهد أن أحمد عز كان سببا رئيسيا فى تعطيل أى اتصالات بين الجماعة وبين جمال، وربما كان هذا هو السبب الذى جعل عز هدفا دائما لهجوم قيادات الجماعة عبر منابرها الإعلامية المختلفة.
لقد أدركت الجماعة فى وقت متأخر جدا أن الطريق إلى جمال مبارك يكاد يكون مغلقا تماما، وهو ما دعا مهدى عاكف وفى حوار منشور أن يعلن غضبته الكبرى، عندما قال: أنا لا يهمنى توريث ولا جمال ولا حسنى مبارك ولا غيره، إنهم ليسوا فى خاطرى على الإطلاق.
لكن مياه النهر التى جفت بين صقور الجماعة وبين جمال مبارك لم تكن كذلك فى النهر الذى حاولت الأجهزة الأمنية فتحه بين جمال وعبدالمنعم أبوالفتوح مرة أخرى فى العام 2009، وهذه قصة طويلة أخرى تستحق أن تروى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.