منذ النجاح الساحق لأردوغان وحزب "العدالة والتنمية" في انتخابات 2002 ، والتي سمحت للحزب الوليد والجديد وقتها بتشكيل الحكومة منفردا ، حقق الحزب طفرات إصلاحية هائلة في الاقتصاد ، الذي ركز الحزب عليه بوصفه المعضلة التي عانت منها تركيا طوال تاريخها الحديث ، ووضع أردوغان والنخبة التركية الجديدة خططا لمشروعات ضخمة في البنية الأساسية وحركة الاقتصاد غيرت وجه تركيا ، وجعلتها خلال عشر سنوات تحاكي أي بلد أوربي متطور ، وحقق نهضة شاملة في التعليم وفي الصحة وفي البنية الأساسية ، وأنشأ شبكة من الطرق الحديثة وشبكة لمترو الأنفاق كانت اسطنبول تعرف خطا واحدا للمترو واليوم بها ستة خطوط وما زالت تتمدد وعمل على تحديث المواصلات بشكل شامل وجذري كما أحدث ثورة في الاقتصاد وصفها خبراء عالميون بأنها "أهم من المعجزة الصينية" ، فكان طبيعيا أن يحصد أردوغان وحزبه أصوات الشعب التركي باكتساح في جميع الانتخابات التي تلت ذلك ، لأن الشعب رأى عالما غير العالم ، وسياسيين مختلفين ، ودولة جديدة عصرية يتباهون بها فعلا . في عام 2007 خاض الحزب انتخاباته البرلمانية الثانية، وفاز بنسبة 46.58% ، وحصد 341 مقعداً في البرلمان من أصل 550، وتمكن من تشكيل الحكومة منفرداً. وتم انتخاب "عبد الله جول" أول رئيس للجمهورية من الحزب، عبر تصويت نواب البرلمان ، وفي عام 2009 يفوز الحزب مرة أخرى في الانتخابات البلدية الثانية له، ويحصد 38.39% من إجمالي الأصوات. وفي 2010 يفوز الحزب في الاستفتاء الذي طرحه حول التعديلات الدستورية شملت 26 مادة، بنسبة 57.88% ، وهو استفتاء كان حاسما في ضبط العلاقة بين الحكومة المنتخبة والجيش وأنهى عمليا قدرات أصحاب الأفكار الانقلابية على تنفيذ انقلاب حاسم وناجح ، وفي عام 2011 خاض الحزب انتخاباته التشريعية الثالثة، ليفوز من جديد بنسبة 50% من إجمالي الأصوات، ويحصد 327 مقعداً من مقاعد البرلمان ال 550. ويشكل الحومة منفرداً للمرة الثالثة. وفي عام 2014 يفوز الحزب بالانتخابات البلدية، بنسبة 43،40 %. كما فاز الحزب في الاستفتاء الذي طرحه في نفس العام، حول بعض التعديلات الدستورية، كان أبرزها انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب المباشر من قبل الشعب، وليس البرلمان. وجاءت نتيجة الاستفتاء (نعم بنسبة 68.95%) ، وفي العاشر من أغسطس/ اب من العام نفسه، يفوز مرشح الحزب رجب طيب أردوغان، برئاسة الجمهورية، بنسبة 51.79 % من الأصوات. في أول انتخابات رئاسية مباشرة في تاريخ الجمهورية التركية. ليصبح الرئيس الثاني عشر في تركيا، وأول رئيس جمهورية تركي منتخب مباشرة من قبل الشعب وليس من قبل أعضاء البرلمان . وفي 2015 خاض الحزب انتخابات مبكرة ، وفاز الحزب مجدداً في الانتخابات التشريعية، بنسبة 40.87 %، لكن النتيجة حرمته لأول مرة من قدرته على تشكيل الحكومة منفرداً لحصوله على 258 مقعداً فقط في البرلمان ، وحاول الحزب التعاون مع الأحزاب الأخرى من أجل تشكيل حكومة ائتلافية ، إلا أنه لم يفلح ، لوجود رغبة لدى الأحزاب المنافسة في إحراجه ، فشهدت تركيا عدة أشهر من القلق انعكس على العملة وعلى كثير من المصالح المعيشية وشعر الشعب التركي وقتها بالخطر ، ومع عدم تمكن الأحزاب السياسية من الاتفاق حول تشكيل حكومة ائتلافية، قرر رئيس الجمهورية أردوغان بالتشاور مع رئيس البرلمان، الذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة. أجريت في نوفمبر من العام نفسه ، وفاز فيها الحزب بنتيجة أهلته لتشكيل الحكومة من جديد منفردا . كان لدى حزب "العدالة والتنمية" رؤية سابقة تذهب إلى أن النظام البرلماني لا يلائم تركيا ، وأنه يفرز حكومات ائتلافية تضعف البلد وتهدر طاقاته ، وتعرضه للانقسام المستمر ، وأن النظام الرئاسي هو الأنسب ، والجدل السياسي كان شائعا حول تلك المسألة ، وكان هناك انقسام حولها حتى داخل الحزب نفسه ، وفي أبريل من العام 2017 دفع الحزب بدعوة تعديل الدستور ليسمح بالتحول إلى النظام الرئاسي إلى الاستفتاء العام ، بعد أن شهد البرلمان معارك طاحنة في النقاش حول التعديلات مادة مادة ، وهو أمر استغرق عدة أشهر ، لأن الموافقة على كل مادة كان يحتاج إلى ثلثي أعضاء البرلمان ،وفي النهاية ذهب الجميع إلى الاستفتاء الذي مر بأغلبية ضئيلة ، لتصبح تركيا في مرحلة جديدة من نظامها السياسي ، وبموجب التعديلات الدستورية سيكون نوفمبر 2019 موعدا لانتخابات رئاسية وبرلمانية في اليوم نفسه ، غير أن تحرشات أوربية بالنموذج التركي ، وصدام مبكر مع الولاياتالمتحدة ، الحليف الاستراتيجي لتركيا ، وبداية ظهور ضغوط على الاقتصاد التركي لإجبار أردوغان وحكومته على انتهاج سياسات أكثر انصياعا للإرادة الأمريكية ، دفع رئيس حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة ، إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة ، وهو الأمر الذي استجاب له أردوغان في النهاية ، ووافقت الأحزاب المعارضة جميعا عليها ، باعتبارها فرصة لهزيمة حزب العدالة والتنمية وأيضا الإطاحة بأردوغان من قيادة البلاد بعد حوالي خمسة عشر عاما من تربعه على رأس السلطة ، رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية . وفي نهاية يونيه 2018 وقف العالم ينظر بهيبة استثنائية لما يجري في تركيا ، كانت الانتخابات الأكثر خطورة وصعوبة على الجميع ، ولا أحد يعرف نتائجها ، ولا أحد يتوقع شيئا فيها ، وراهنت دوائر غربية عديدة على سحب أردوغان إلى جولة إعادة بتفتيت أصوات الجولة الأولى ، ثم حشد الجميع ضده في الجولة الثانية لإسقاطه ، كما عانى حزب العدالة من بعض الترهل بعد خمسة عشر عاما من الحكم وعقب غلق صناديق تسمرت أعين ملايين المتابعين ، داخل تركيا وخارجها ، حتى في العواصم العربية ، فضلا عن عواصم أوربية عديدة ، تتابع نتائج الفرز الذي كانت تظهر على مدار الثانية الواحدة وليس الدقيقة عبر شاشات الكترونية تقرأ نتائج اللجان الفرعية أولا بأول ، واحتبست الأنفاس حتى الساعات الأخيرة ، عندما بدا أن أردوغان اقترب من تحقيق أغلبية بسيطة ، حوالي 52% فنزل أنصاره إلى الشوارع يحتفلون بالفوز التاريخ الذي منح الحزب فرصة أخرى ، خمس سنوات ، لإصلاح هيكله ، وتنشيط أفكاره ، والدفع بقيادات شابة وجديدة ، كما فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات ايضا ، ولكنه لم يحقق الأغلبية البرلمانية ، ولكنه في كل الأحوال كان ضامنا أن يشكل الحكومة الجديدة ، لأن النظام الرئاسي يجعل تشكيلها يصدر عن رئيس الجمهورية وليس عن البرلمان . * "الأردوغانية" .. هل تلهم النضال السياسي في العالم العربي ؟ (1/13) * "الأردوغانية".. مصطفى كمال أتاتورك وأزمة الهوية (2/13) * "الأردوغانية"..كيف بدأ مسار إصلاح أزمة الهوية في تركيا ؟(3/13) * "الأردوغانية"..العسكر يربكون الدولة من جديد(4/13) * "الأردوغانية" .. كيف جنى العسكر على الدولة التركية (5/13) * "الأردوغانية" .. كيف أنهى العسكر أول حزب إسلامي (6/13) * "الأردوغانية" .. جيل جديد يحدث ثورة سياسية في تركيا ؟ (7/13) [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1