قدْيثور في وجهي أساتذة التربيةحين يُبصرونعنوان مقالي هذا ، وربما يصِفه بعضهمب"العنوان الفج"، ويتهموننيبالإساءةلكليات التربية بمصر، مُنْكِرون للحقيقة التي يجب أن يقبلوها طوْعاً أو كرْهاً ، بأن كليات التربية صارت كالأرنبة الولُود التي لا تسئم من كثرةالولادة ، ولا تُقلق بشأن كثرة أولادها حولها. وكذلك كليات التربية التيتزُج - سنوياً - للمجتمع بآلاف الخريجين،الذي يعتريهمالفشل أثناء رحلة بحثهم عن عمل بشهاداتهم الجامعية، وقد يركن بعضُهم إلي مصطبة البطالة ، أو يصْطفُوا مع العاطلين ، يبكون حالهم وسنوات تعليمهم!! وكليات التربية، لا تقبل إلا المُتفوق ، ولا تفتح أبوابها إلا لمن هُمْفي عِلْيين، إذن فشأْنُها ليس بالهَيِنْ ، ومقامُها ليس بالرخيص ، وقيمتُها ليست بالحقيرة، فهي صاحبة المقام الأعظم بين مؤسسات المعرفة. ورغم ذلك فهَيْبِة كلية التربيةباتت في مهب الريح ، بسببتقلُص الحاجة إلي خريجها في سوق العمل ، بعكس ما كان في سالف الزمان ،حيث كانت التربية تطلب من الدارسين بها ، كتابة أسماء ثلاث مدارس حكومية يبغون العمل في إحداهُن بعد التخرج ، ومعإزديادالفائض في صفوف الخريجين عاماً بعد عام،توقفت التربية عن تعيين أبنائهامنذ عام 1998م . وللعلم أن الطلاب الفائقين كانوا يعزفون عن دخول كليات القمة بالقسم الأدبي مثل كليات الألسن والإعلاملأجل الدراسة بالتربية ، طمعاً في التعيين الحكومي الآمن والمُباشرعقب التخرج، ومع تنَحِي الحكومة عن تكُليف خريجي التربية ، بدا المُستقبل مُظلماً لدي آلاف المتراصين علي الأرصفة في الشوارع والقاعدين في البيوت والماكثين في المقاهي ، والنائمين علي ظهورهم وجُنُوبهم ، يقتلون أوقاتهم في تصفح الإنترنت ليلاً ونهاراً ، ينتظرون رحمة المختصِين لتعيينهم أُسوة بمَنْ سبقوهم. وإذ تحدُثْ الكارثةلوعملخريج التربيةبعيداً عن تخصصه، داخل أفران الخُبزْ مثلاً أو في مصانع السيراميك أوالكرتون، أو أصبحعاملإنتاجأو مُساعد محاسب ،أوأميناًلمخزن أو عتَالاً بداخله! ولقد حزنتلأمرْصديقي الذيإضطر لأن يعمل فرَاناً داخل أحد أفران الخبز البلدي ، رغم حصوله علي ليسانس آداب وتربية ، قسم اللغة الفرنسية ، فأقسام التربية لا تُقدِمْ علوماً عن كيفية تحويل الدقيق إلي عجين ومِنْثمَ إلي خُبزْ..بل وزاد حُزْني لخريج قسم الإنجليزية الذي عمل مُوظَفاًللأمن بالمدرسة الألمانية بالتجمع الخامس . وتكاثرت أحزاني لشأن خريج قسم اللغة العربية ، الذي هَرِبَ من التدريس ليعمل إدارياً بشركة ما ، يدوِنْ أسماء العُمَال الغائبين ، ثم وصلت أحزاني ذروتها علي حال فتاة تفوقتفي دراسة الكيمياء بالتربية ، ثم انتهي بها الحال ، أن تعمل خيَاطة بشركة للملابس الجاهزة !! وقَفْت مصْدوماً داخل مكتب للسفريات ، حين رأيت مجموعة من خريجي التربية ،كادت دموعهم أن تنهمر ، وهم يحضنون بعضهم البعض ، فرحاً بقبولهم لأجل السفر والعمل كأفراد أمن بدولة الإمارات !! فلا يُعاتبنيأحد إذا وصفتالمُشتغلينبالمهن السالف ذكرها، بأنهم عاطلون،لأنهم بالفعلعطَلوا إفادة الأجيال التاليةبالخبرات التي تعلموهابالتربية..ولم يستثمرواما إكتسبوا منثقافاتلأجل تعليم الغير. ومنذ إنشائها وكليات التربية تُواجهأزمة حصرخريجهافي العمل بمجال التدريس فقط، فخريج التربية معلماًرغماً عن أنفه ، فهوغير مُؤَهَلْللإنتاجبكفاءة ،إذا ما عمل بمجال غير التدريسإلا نادراً..فكيف لخريج قسم اللغة العربية أن يُستعان بِرَأْيهعندفرزعيوب الأثواب لو عمل بجودة الملابس؟!، وكيفيقبل إبن قسم الفيزياء أن يكونشيال في مخزن؟!، ومِنْ أين يأتي خريج قسم الجغرافيابعلمٍ ، يجعله فقيهاً في فرزالسيراميك الجيد من الردئ؟!،وكيف يستسلم خريج قسم الكيمياءلأنيعملحارس أمن،علي بوابة إحدي المصانعفيظل واقفاً ، يُعطي التحية للوجية والسفية؟! وهلترضيالتربية لأبنائها أن يعملواخُفراء يتبادلون الورديات علي المواقع والشركات؟! صُدِمْت حين علمت بوجودكليات للتربية ، داخل بعض الجامعات الخاصة ، بحجةوجود عجز في تخصصات معينة بنظيراتها الحكومية ،رغم أن كليات التربية الحكومية تكتض بشتي التخصصات، ولعلنا نُفاجَئْ قريباً بكليات للتربية تتبع التعليم المفتوح ، لتتفاقم حجم الكارثة !! فمن أين تأتي الدولة بمدارس لتُعيِنْ بهاآلاف الخريجين من التربية ؟!وإنني لأظن أنيضجر الطلاب يوماً ما ، مِنْ كليات التربية فيهْجروها ، فلا تجدمنمرتاديها إلا الأشباح! ولوإبتعد خريج التربية عن التدريس لسنوات ، ثم قرر الإشتغال به،فربما يعانينظراً لنسيانه ما دَرَسَ ، فإما يتحمل مشاق البداية المتأخرة أو يظل مشتغلاً بعملقديحُطْ من قدْرِهْ. ولو إضطر خريج التربية للعمل بمدرسة خاصة ، فإنه يُفاجئ أنه راتبه منها مجرد جنيهات قليلة ، نظير مجهودات مُضْنية يقدمها للمدرسة ، تنل من صحته وعافيته! ومن المؤلم أنتسعي الحكومةلمحاربة الدروس الخصوصية التي يمتهنها كثير من خريجي التربية كبديل يُعوضهم حرمان التعيين الحكومي ، بإعتبارهاجريمة يُعاقب عليها القانون ، وكذلك يُجاهد المَعْنيِون لغلق ثاني متنفس لخريجي التربية ، وهوالمراكز التعليمية ، بتشديد إجراءات تقنينها وفرض ضرائب هائلة علي أصحابها. أما نقابة المعلمينفإنها لا تقبل عُضويةالمعلم الحر، بل تطرده من رحمتها، ولو كان من خريجي التربية ، طالماأنه ليس علي رأس العمل بأية مدرسة حكومية أو خاصة. فعسي أن يفيقالمختصونمن غفلتهم ، ويسعوالإغلاق كليات التربية بضع سنينحتييتم تعيين قُدامي الخريجين ، أو إضافة أقسام وتخصصات جديدة للكلية ، لتصبح غير قاصرة علي تخريج المعلم فقط. ولعل إسمها يَتبدَلْ إليكلية "دار المعارف"أوكلية "شئون العِلمْ والتربية"، وحين ذلك يُمكن أن تُقدِم لسوق العمل، الباحث والصحفي والمُصحِح اللغوي والمُترجم والواعِظ والخطيب والأخصائي الإجتماعي والنفسي، والخطاط والرسام والمرشد السياحي..وأيضاً المعلم . Amirshaf[email protected]