السفير معصوم مرزوق ديبلوماسي مصري معروف بولائه للتجربة الناصرية ، وكان مدير حملة المرشح الناصري حمدين صباحي للرئاسة في 2014 كما أنه كان جزءا أساسيا من تيار المعارضة الشعبية والحزبية ضد الإخوان والرئيس الأسبق محمد مرسي في 2013 والتي انتهت بإسقاط الاثنين ، وهذا ما يعايره به بعض الإخوان الآن في سياق الشماتة ، لكن التهمة التي وجهتها الأجهزة الأمنية هذا الأسبوع للسفير معصوم هي "مشاركة جماعة الإخوان في نشاطاتها الإرهابية" ضمن حزمة من الاتهامات التقليدية الأخرى التي حفظها الرأي العام من كثرة ترديدها مؤخرا في عمليات اعتقال نشطاء وسياسيين وصحفيين . وجميع الصحفيين وقيادات الأحزاب السياسية ونشطاء ثورة يناير وحتى أصحاب حسابات على فيس بوك أو تويتر حتى لو كانت حسابات فكاهية وهزلية ، تم القبض عليهم بنفس التهمة "دعم أو مشاركة جماعة إرهابية" والقصد أن هؤلاء كلهم إما عملاء لجماعة الإخوان وإما شركاء لجماعة الإخوان في أعمالها ونشاطاتها ضد الدولة أو السلطة القائمة ، وهكذا أصبحت "جماعة الإخوان" وكأنها الملهم السهل والبسيط للجهاز الأمني في ضرب أي معارضة سياسية في مصر ، ولو لم توجد الجماعة لاخترعوها اختراعا ، لا يوجد أي معارض سياسي في مصر خلال السنوات الماضية تم اعتقاله إلا وكانت تهمته الأساسية هي دعم أو مشاركة أو الانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف القانون ، حتى لو كان هذا المعارض شخصا مثل الدكتور حازم عبد العظيم مسئول الشباب في حملة الرئيس السيسي نفسه في انتخابات 2014 ، حتى لو كان المدون وائل عباس الذي لم يخل يوم في حسابه دون أن يسب الإخوان والإسلاميين كبرنامج شبه يومي ، تم القبض عليه بتهمة الإخوان ، حتى القيادي اليساري والأكاديمي المرموق الدكتور يحيى القزاز أحد الخصوم التقليديين للإخوان وجهوا له تهمة مشاركة الإخوان ، حتى القيادي السياسي البارز الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب "مصر القوية" والذي يكرهه الإخوان ربما أكثر من كراهيتهم للسيسي نفسه ، وتحذر الجماعة بصفة مستمرة كوادرها وقواعدها منه ، عند القبض عليه كانت التهمة المحورية أيضا هو "الإخوان" ودعم الجماعة أو الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون . بطبيعة الحال ، لا أحد داخل مصر ولا خارجها يقتنع بمثل هذه الاتهامات ، والإعلام الغربي بصفة خاصة يسوقها كمثال على غرابة الاتهامات في مصر ورغبة النظام في منع أي معارضة ، ولكن ذلك لا يمنع المؤسسة الأمنية في الاستمرار في "الأكليشيه" ووضعه على ورق أي شخص ضايق النظام أو غير مريح أو معارض سياسي جاد ، ثم تقديمه للنيابة مطالبة بحبسه احتياطيا ، وهو حبس يمتد إلى سنوات طويلة ، بما يعني تجميد المعارض وعزله تماما ، بدلا من الحوار معه أو الاستماع إلى رؤيته أو على الأقل احترام الدستور الذي أقسم عليه كبار المسئولين ، والذي يضمن حرية الرأي والتعبير ويجعله مقدسة ، وتشعر أن الدولة وأجهزتها غير معنية بأن تكون مقنعة لأحد باتهاماتها ، هي كده ومن لا يعجبه يشرب من البحر . الصورة بوضوح شديد الآن ، أن النظام لا يريد الاعتراف بوجود معارضة سياسية في مصر ، إما أن تكون معنا أو أنت مع الإرهاب ، أنت إما مع السيسي أو مع الإخوان ، أنت صديق أو عدو ، معادلة سهلة وبسيطة ، يريد النظام أن يقول بأنه لا يعارضه في مصر إلا الإخوان ، وبالتالي أي معارض هو إخواني بالضرورة ، السياسة بطريقة المعادلات الرياضية ، وبطبيعة الحال أغلب الذين تم اعتقالهم في السنوات الماضية هم معارضون للاثنين ، للسيسي وللإخوان معا ، ولكن لأن القاعدة الحسابية الجديدة أن كل معارض هو إخواني ، فإن التهمة المحورية للخلاص من جميع المعارضة ووجع الدماغ من جهتهم هي اتهامهم بأنهم ينتمون للإخوان أو يشاركون الإخوان أو داعمون للإخوان أو يعملون لحساب الإخوان . هذه رؤية خطيرة على المدى المتوسط والبعيد ، وخطيرة على استقرار الوطن وسلامته وعلى حيويته ، لا يوجد حكومة بدون معارضة ، لأن قواعد السياسة الحديثة ببساطة ، تعتبر المعارضة وحيويتها وحضورها من معالم صحة المجتمع والدولة وعافيتها واستقرارها ، وغيابها يعني أن ثمة شيء خطأ ومقلقا ومعالم الاستقرار في هذا البلد غير واضحة ، فلا رئيس بدون معارضين ، لأنه لا أنبياء بيننا ، وإنما بشر لهم ضعفهم ولهم أخطاؤهم ولهم أهواؤهم ولهم شهواتهم ، محاولة تجاهل هذه الحقائق البديهية كانت سببا مباشرا وجوهريا لثورات الربيع العربي التي عصفت بخمس دول عربية على الأقل ، ومبارك الذي جلس على كرسي الرئاسة ثلاثين عاما لم يسقط عنه إلا عندما فكر بعض حاشيته في غلق الفضاء العام وإلغاء وجود المعارضة السياسية والاستخفاف بقيمتها واستسهال الإجراءات الأمنية والقانونية والتشريعية المقيدة للحريات ، وتصور أنها "تحزم" الوطن وتسحق الجميع . السيطرة الأمنية الشاملة والمحكمة تعطي انطباعا وقتيا زائفا عن الاستقرار ، ولكنها أشبه بأجهزة التنفس الصناعي التي يتم تركيبها لجسم يتعرض للاختناق وخطر الموت لتوقف قلبه عن النبض ، هي خطوة قصيرة جدا وعارضة واستثنائية لوقف انهيار ، لكنها لا تمثل علاجا ولا إحياء للمريض ولا تحقق له الحياة الطبيعية ، وبمجرد ارتباك تلك الأجهزة أو اضطراب تغذيتها بالكهرباء سينتهي كل شيء في لحظات .