قبل 24 سنة، كنت أتحاور مع السيد حسين الشافعى نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس قيادة ثورة يوليو 1952، وكنت أنشر هذه الحوارات فى جريدة العرب العالمية اللندنية، على امتداد أكثر من عام، ثم نشرتها فى كتاب صدر فى طبعتين بمصر وبيروت، وحققت سبقا صحفيا فى ذلك. أستعيد الآن ذكرياتى مع المرحوم حسين الشافعى، وهو يتكلم عن الفساد الذى استشرى فى المؤسسة العسكرية التى كان على رأسها آنذاك المشير عبدالحكيم عامر، فقال لى الشافعى: "كان فساد عامر ورجاله قد تجاوز كل الحدود، لكن الرئيس عبدالناصر لم يلتفت لذلك واستهان بهذه الأمور، فأرسلت له خطابا قلت له فيه: يعز علىّ أن أجد جمال عبدالناصر عاجزا عن اتخاذ قرار، فلا تتردد ولا تتأخر فى اتخاذ قرار ضد عامر وزمرته، واعلم أن الشعب معك والجيش معك، لكن عبدالناصر لم يأخذ الموضوع على محمل الجد، وتباطأ فى اتخاذ القرار، فكان نتيجة ذلك هزيمة 67 المدوية التى مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن". إذن التباطؤ فى اتخاذ القرار يؤدى فى الأغلب إلى كوارث، وهو ما أراه الآن من السيد الرئيس محمد مرسى إزاء ما يجرى على الساحة فى مصر، من تطاول عليه هبط إلى الحدود الدنيا من البذاءة والوقاحة، وهو منذ أن أصبح رئيسا لمصر أصبح يخص كل المصريين، لأنه رمزهم، والتطاول عليه ينصرف إلى كل من انتخبه رئيسا لمصر، كما أنه أمر يصيب المواطنين بالإحباط، ويهدد استقرار المجتمع. فى العهد السابق، لم يكن ثمة شخص يستطيع أن يتفوه بحرف ضد رئيس الدولة، ولو فعل فإن التنكيل به يأخذ أشكالا مختلفة أقلها الزج به فى ظلمات السجون، وكان كل رموز النظام يرتكبون أعظم الجرائم فى حق الشعب، ويعجز الصحافيون والإعلاميون عن نشر هذه الجرائم الموثقة، أما الآن فمخترعو الأكاذيب ومختلقو الشائعات ومروجو الافتراءات يجدون من يفرد لهم الصفحات، ومن يستضيفهم فى الفضائيات بالساعات، ليتحول الأمر من مجرد شائعة كاذبة إلى حقيقة مؤكدة. صحفى كان مندوب إعلانات بجريدة مصطفى بكرى (البعثى الناصرى القومى ثم الشفيقى، نصير القذافى وبشار)، أنشأ صحيفة لا توزع مائة نسخة، معتمدا على علاقاته بمافيا الإعلانات، وقام بشن حملة ثقيلة ضد مصطفى بكرى نفسه الذى كان رب نعمته، قام الأخير على إثرها باللجوء للقضاء واستصدار عدة أحكام بحبسه، وبعد وساطات تنازل بكرى عن الحبس ولم يتنازل عن التعويض!!، مما أرهق الصحفى الإعلانى ماديا، فلجأ إلى ساويرس، وكان العقد غير المكتوب أن يخصص صفحات جريدته للهجوم على الرئيس مرسى، ثم التقى هذا الصحفى بنادرة الزمان والمكان المدعو توفيق عكاشة، وانضم لفرقته التى تدير سيرك الهجوم على الرئيس، وأصبح إعلان جريدته التى لا يعرفها أحد يطل على قناة العوكش كل ساعة. ومثل هذا الصحفى يوجد كثيرون منه، فهناك مثلا صحيفة الدستور، لا أعرف من يكتب صفحتها الأولى كل يوم بما فيها من تحريض وأكاذيب وافتراءات، وكل سطر فيها يشكل جريمة، ولم يردعها أحد حتى الآن. جريدة أخرى صدرت منذ عدة أشهر، وكان أول عدد صدر منها بعنوان غريب وعجيب وليس له أى أساس من الصحة، حينما ادعى لقاء مرشد الإخوان بالرئيس المخلوع فى المركز الطبى، فمنطقيا وعقليا وواقعيا يستحيل تصديق هذا الخبر، لكن قنوات العهر اشتغلت عليه مدة طويلة لعمل الدعاية اللازمة للجريدة الوليدة، التى يقوم عليها أحد الانتهازيين المتسلقين منعدمى الضمير بتمويل من ساويرس أيضا. على جانب آخر يقف أحد القضاة (مسئول الشاى والقهوة)، ويحقق سبقا تاريخيا فى تاريخ قضاء مصر، بخروجه على كل ثوابت العمل القضائى، وإقحامه القضاء فى معترك السياسة بما فيها من دروب قبيحة، وتطاوله (البذىء جدا) على رئيس الجمهورية، وتحريضه لصغار القضاة بالإضراب عن العمل، وهو الذى بحكم منصبه المفروض أنه حامى القانون، فإذا به أول الخارجين على القانون، ولعله يكون قد مر عليه نص المادة 99 من قانون العقوبات التى تقول: "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة كل من لجأ إلى العنف أو التهديد أو أى وسيلة أخرى غير مشروعة لحمل رئيس الجمهورية على أداء عمل من خصائصه قانوناً أو على الامتناع عنه". أى أن الرجل يرتكب جريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة، ومع ذلك يتمادى فى غيه يوما بعد يوم، وتسببت تصرفاته فى تلويث القطاع الذى ينتمى إليه بما كان له من هيبة وحيادية بل وقدسية، فجعل كل من هب ودب يتطاول على هذه المؤسسة العريقة، عملا بالعرف العسكرى: "إذا امتدت الأيادى تساوت الرتب"، فلقد بدأ الرجل بالتطاول على مؤسسات الدولة، فكان رد الفعل أن تطاول عليه الجميع، ليس على شخصه فقط، بل على المؤسسة المحترمة التى ينتمى إليها، والتى أصبحت فى حاجة إلى التطهير اليوم قبل الغد. ياسيدى الرئيس: سياسة النفس الطويل لا تجدى هنا، وتأخير القرار فى مثل هذه الأمور يكون له عواقب وخيمة، وكل يوم يمر فى ظل هذا القصف الإعلامى الرهيب ضدك ينتقص من شعبيتك ويضعف من مركزك، ويحقق لأعدائك وأعداء البلد مزيدا من القوة، فالذى يقول كلمةً اليوم يقول غدا مقالا، ثم كتابا، ثم يقود إضرابا واضطرابا، فأعد للمنصب هيبته التى ضاعت، وإعادة هذه الهيبة أمر أصبح حلما صعبا. [email protected]