في المقال السابق عرفنا كيف أن طريقة العلاج بالطرائق التجريبية هي سنة من سنن الله في خلقه ، ودللناعلى ذلك من القرآن الكريم بقصة سيدنا أيوب عليه السلام ، وكيف أن الله أمره بأن يركض برجله ويغتسل ويشرب ، للوصول للشفاء مع قدرة الله المطلقة على شفائه ( بكن ) . ومن يتدبر قصة هذا النبي عليه السلام وما فيها من عظة وتذكرة يجد ان الله سبحانه وتعالى لم يذكر لنا طبيعة مرضه ، ولا مدته الزمنية . مع ان هاتين المسألتين هما ما يشتاق أي إنسان لمعرفتها في حالة أي مريض . فكثيرا ما نسأل عن المريض ممن يشكو؟ ومنذ متى مريض ؟ والحكمة في عدم ذكرهما أنهما من المتغيرات فكل مرض له مدته الزمنية فقد يمكث المرض يوما أو أسبوعا أو شهرا أو سنة أو سنوات طوال، المهم الصبر عليه وعلى قضاء الله . ويختلف نوعية المرض من شخص لآخر . ومن يتتبع تاريخ الطب وتطوره يجد أن الناس بعد رسالة سيدنا أيوب عليه السلام برعوا في العلاج والتداوي بالطرائق التجريبية .ونسطيع القول ان هذه الفترة من تاريخ البشرية برعت فيها صناعة الطب معتمدة على الفكر الإنساني والأخذ بالطرائق التجريبية والإعتقاد فيها أكثر من أي فترة سابقة ، لدرجة ضعف فيها الإيمان بالله ، وقل يقينهم بأن الشافي والبارئ هو الله سبحانه وتعالى، ونسوا قدرة الله المطلقة على ذلك بقوله للشيئ كن فيكون قال تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) النحل 40 فشاء الله ان يأتي لهم بجنس ما برعوا فيه وهو الطب . وما قل إيمانهم به وهو الجزم بأن الله قادر على قوله للشيئ كن فيكون ، فكانت بعثة ورسالة نبي الله عيسى ابن مريم عليهما السلام، ومعجزته بشفاء الأكمه والأبرص بقول ( كن بإذن الله ) ، وهو طب مؤيد من الله ، وليس طب الأخذ بالأسباب والطرائق التجريبية ، قال تعالى ( وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ) آل عمران 49 فعلى الرغم من ان الله سبحانه وتعالى أمر نبيه أيوب المريض أن يأخذ بالأسباب، وهي التي تعرف في الماضي والحاضر بالأخذ بالطرائق ( التجريبية ) للوصول للشفاء . إلا ان الله سبحانه وتعالى جعل معجزة سيدنا عيسى عليه السلام بعكس ذلك تماما . ومن حكمة الله ان جعل مجيئ نبي الله عيسى للدنيا معجزة ، فليس فيها الأخذ بالأسباب، ولا بأي طريقة تجريبية. فمن المعروف ان الأطفال يخلقون نتيجة التقاء الزوجين الأب والأم ، وهي الطريقة المعروفة لمجيئ أي طفل إلى الدنيا. ولكن سيدنا عيسى عليه السلام، جاء لأم دون أب ، بعكس ما هو معروف ومألوف لدى الناس. كما ان الله تعالى جعله يتحدث في المهد، وهي طريقة غير معتادة، ولا تجريبية، قال تعالى (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا - قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) مريم 29- 30 . والطب كما قلنا في مقال سابق صناعة ومهنة وحرفة، فهل ذكر لنا القرآن الكريم صناعة معينة لأنبيائه نعرفه ذلك في المقال القادم إن شاء الله دكتور محمد رسلان طبيب وباحث خريج جامعة الأزهر [email protected]