لعل القارئ الذى يحاول أن يقرأ "الجواب من عنوانه" سيخطئ فى معرفة مقصدى من هذا المقال، لأن العنوان موهم بأننا أمام إحدى الاتفاقات الدولية التى تبرمها الدول والحكومات لترتيب بعض القضايا العالمية، ولكن الحقيقة أن العنوان متصل بوقائع الاتفاق الذى تم بين الدكتور محمد مرسى قبل إعلان نتائج انتخابات مرحلة الإعادة الرئاسية وبين عدد من ممثلى القوى الوطنية والنشطاء باسم "الجبهة الوطنية الثورية"، وهو اللقاء الذى نقلته بعض الفضائيات من فندق "فيرمونت" بحى مصر الجديدة، وهو اللقاء الذى عزز من موقف محمد مرسى وساعد على قطع الطريق على أى تفكير فى التلاعب بنتائج الانتخابات، واللقاء كان تقريبا هو الأول وهو الأخير أيضا، إذا استثنينا لقاء بروتوكولياً احتفالياً تم فى قصر العروبة فى أعقاب تولى الرئيس مرسى رسمياً رئاسة الجمهورية والتقى بأعداد كبيرة من الصحفيين والإعلاميين والسياسيين والشباب والأحزاب ورجال الدين، وفوق البيعة كان لقاؤه مع الجبهة الوطنية، الجبهة استشعرت الحرج والإهانة من التجاهل، فعقدت مؤتمراً صحفياً قبل أيام أوضحت فيه استياءها من سلوك مؤسسة الرئاسة معها وما اعتبرته نكوصاً عن بنود "اتفافية فيرمونت" وكشفت عن محاولات عديدة للاتصال أو الاجتماع بالرئيس بدون فائدة، كان الكلام فيه تعميم وغموض وكلام مرسل ويحتمل الأخذ والرد من مثل عدم الاقتناع بتولية هشام قنديل رئاسة الحكومة، رغم أن أحداً لم يحدد وجه الاعتراض بالضبط، كذلك الحديث عن أن "الأجواء" غير مشجعة، وأن الاتفاق لم يكن على حكومة تكنوقراط وإعادة النظر فى الجمعية التأسيسية للدستور، وكل هذا كلام يمكن التعقيب عليه وبعضه فى وجهة نظرى غير سديد وفيه تكلف، لكنى للأمانة أجدنى منضماً إلى هؤلاء الغاضبين رغم أنى لست فى الجبهة، من سلوك مؤسسة الرئاسة تجاههم، فقد كان هناك اتفاق فى الوقت العصيب، وكانت الدعوة له من الدكتور مرسى والإخوان أنفسهم، ولبى عدد من الرموز الوطنية والقيادات السياسية الدعوة وأعلنوا تضامنهم مع محمد مرسى باعتباره "مرشح الثورة" وجرى الاتفاق على أن تكون هناك آليات مستمرة للتنسيق والتشاور، فلا يصح أن تتبخر كل هذه الاتفاقات والارتباطات فور إعلان فوز مرسى بالرئاسة وذهاب الأيام العصيبة التى احتاج فيها إلى "دعم الآخرين"، والحقيقة أن "الأيام العصيبة" لم تذهب، ولكنها توارت هذه الأيام، ويمكن أن تتفجر فى أى لحظة، بل المؤكد أن هناك من سيتعمد تفجيرها عما قريب، وسيتعرض محمد مرسى للحرج الشديد، وأخشى أن يجد نفسه وقتها وحده فى المواجهة، وإذا دعا للاحتشاد فلن يجد لدعوته صدى، باعتبار أنه أعطى ظهره للجميع بعد أن وصل القصر، لا أتمنى أن أرى هذا السيناريو، وأرجو أن يكون هناك عقلاء وحكماء حول الرئيس ينبهونه إلى خطورة مثل هذا التجاهل أو حتى التساهل فى التواصل الجاد والأمين والشفاف مع القوى الوطنية النبيلة التى تريد بالفعل دعمه ومناصرته، ولكن وفق شروط سياسية محترمة، ووفق تواصل حقيقى واحترام للآراء والمقترحات والالتزامات القديمة، لن يستطيع أحد أن يمنع تواصل الرئيس مرسى مع جماعة الإخوان التى تربى فيها وأتى من عمق تنظيمها ولا تواصله مع حزب الحرية والعدالة الذى كان يرأسه، لا يمكن ذلك وليس مطلوبا أيضا، واشتراط هذا المطلب فيه تكلف وتحرش، ولكن الضرورى أن تكون لمحمد مرسى قنوات تواصل أخرى موازية قوية أيضا مع القوى الوطنية النبيلة، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو غيرها، ولن يضعف من مكانته ولا سلطته الاجتماع شبه الدورى بهم فى الأحداث المهمة والاستماع لآرائهم ومقترحاتهم، بل إنه لو فعل ذلك لكسب على أكثر من صعيد، صعيد نفسى ومعنوى بالتضامن الكامل المستمر معه والدفاع عن اختياراته، وصعيد سياسى بتقوية جبهة الدعم الشعبى له، وأيضا صعيد معرفى بتوسيع رؤيته وإدراكه للخريطة والاحتمالات والاختيارات، بما يجعله أكثر قدرة على الاختيار الصحيح وأقل عرضة للخطأ، لا يصح أن يجوب الإخوان والحرية والعدالة الآن بين الخلايا والشعب والمكاتب الإدارية بحثاً عن مقترح لوزير أوقاف أو وزير إعلام أو وزير اقتصاد، هذا منطق وسلوك لن يساعد مرسى أبداً، ولن يضعه على الطريق الصحيح لتشكيل حكومة "إنقاذ" وطنى ينتظرها ملايين المصريين. [email protected]